من لم يعان يوماً من بحة في صوته (غلاظة الصوت، انشقاقه، ضعف في قوته... إلخ)، فهي عارض كثير الحدوث، لكنه عابر سبيل في معظم الحالات، ولا خوف منه اذا دام أياماً قليلة تكون بوادر التحسن فيها واضحة يعود بعدها الصوت الى رنينه المعتاد. أما إذا استمرت البحة ولازمت صاحبها أسبوعين الى ثلاثة أسابيع أو أكثر فعندها لا مناص من استشارة الطبيب المختص للكشف عن خفايا السبب أو الأسباب التي تقف وراءها، وفي بعض الأحيان قد تكون البحة العارض الوحيد المبكر الذي ينبئ بسرطان الحبلين الصوتيين. والصوت ينبع من تفاحة آدم، ذلك النتوء البارز في مقدم العنق، فهي صندوق الصوت، إذا صح التعبير، ففي داخله يقبع حبلان صوتيان هما اللذان يولّدان الصوت الطبيعي الذي يحصل من جراء اهتزازهما بتأثير ضغط الهواء المنساب من الرئتين. وعندما يكون الحبلان الصوتيان طبيعيين، فإن الصوت يكون على ما يرام. أما في حال تعرض الحبلين الى طارئ ما يعوق حركتهما، مثل الاحتقان والتورم والتشنج، فعندها تحصل تغيرات في صفاء الصوت وقوته ونبرته وجودته فتحدث البحة. وطبعاً يجب ألا يغرب عن البال أن البحة قد تكون صفة طاغية على أصوات بعض الأشخاص فتلازمهم في شكل دائم، وتضفي على أصواتهم نوعاً من الجمالية المحببة التي تستسيغها الآذان وهي في شكل عام لا تدعو إلى القلق. وأسباب البحة كثيرة، قد تكون عضوية أو وظيفية، ويعتبر سوء استخدام الصوت من الأسباب الشائعة المؤدية الى البحة، فالصياح المستمر والصراخ وهتافات التشجيع في المباريات الرياضية والتحدث لفترة طويلة، كلها تسبب إرهاقاً في الحبلين الصوتيين فتحدث البحة. إن الأسباب المثيرة للبحة كثيرة ومنها: 1- التهاب الحبلين الصوتيين الميكروبي، وهناك نوعان من هذا الالتهاب، الحاد والمزمن. أما الالتهاب الحاد فينتج غالباً من منشأ فيروسي أو جرثومي في جهاز التنفس، ويؤدي إلى تورم واحتقان الغشاء المخاطي المبطن لصندوق الصوت بما فيه الغشاء الذي يغطي الحبلين الصوتيين فتحصل البحة. وهناك بعض العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالالتهاب الحاد مثل التدخين والغبار وجو العمل الملوث. وفي الأحوال العادية يتراجع الالتهاب الحاد للحبلين الصوتيين خلال أيام قليلة ليزول بعدها، أما إذا استمر الالتهاب فترة طويلة فعندها يتحول الى التهاب مزمن يكون سبباً في استيطان البحة لأمد طويل، ويعد التدخين والاستعمال المستمر للصوت من أهم العوامل المحرضة لحدوث الالتهاب المزمن في الحبلين الصوتيين. 2- التهابات الحنجرة التحسسية. 3- ارتداد عصارة المعدة صوب الحنجرة. 4- التدخين، وهذا يسبب تخريشاً مستمراً في الحنجرة قد ينتهي بالإصابة بسرطان الحنجرة. 5- تضخم الغدة الدرقية. 6- ضعف الغضاريف المكونة لصندوق الصوت. 7- تهتك الحنجرة بسبب تعرضها للجروح أو الرضوض. 8- الأورام الحميدة والخبيثة للحنجرة. ان السرطان يمكن أن يضرب أي جزر من صندوق الصوت، إلا أنه أكثر ما يشاهد على الحبلين الصوتيين، وكثيرون من المصابين بهذا النوع من الورم الخبيث هم من بين المدخنين والمفرطين في شرب الكحول. 9- تخريش الحنجرة باستنشاق الأبخرة المهيجة. 10- شلل العصب المغذي للحنجرة. 11- كثرة البكاء عند الأطفال والنساء. 12- ابتلاع مواد حارقة وكاوية من طريق الخطأ. 13- دخول جسم غريب إلى المريء أو القصبات الهوائية. 14- العادة الشهرية. ومن أسباب البحة الهرم الذي يضرب صندوق الصوت، فكلما توغل الشخص في خريف العمر يفقد الحبلان الصوتيان بعضاً من المرونة فلا يعملان كما كانا في سن الشباب، ما يؤثر في رنة الصوت فيبدو مبحوحاً، خصوصاً في أواخر النهار أو بعد فترات طويلة من التكلم. ولا ننسى البحة من منشأ نفسي، فهي الأخرى شائعة نوعاً ما وعلى عكس ما كان يعتقد في السابق، فالشدة العاطفية والغضب والخوف والقلق والانفعالات ونوبات التشنج وغيرها من الاضطرابات النفسية، غالباً ما تترافق مع بحة في الصوت. ولا بد من كلمة تتعلق بالبحة التشنجية، التي غالباً ما تشخص على أنها بحة نفسية، وقد يعيش المصاب طيلة حياته مع هذه البحة من دون أن يستطيع إيجاد الطبيب الفهيم الذي يداويها، فكلما زار أحداً يقول له إن بحته من منشأ نفسي مع أنها غير ذلك. وتنتج البحة التشنجية من انقباضات فجائية لا إرادية للحبلين الصوتيين، وفيها يبدو الصوت مخنوقاً أو رخواً ضعيفاً أو ما بين الوصفين. بكلام آخر ان صوت المريض يكون مشوهاً في استمرار وكأن صاحبه يتكلم بينما يحاول أحد خنقه. والغريب في الأمر ان هذا النوع من البحة يختفي جزئياً بالضحك والغناء أو لدى التكلم في شكل مصطنع. والبحة التشنجية قد تصيب أي شخص، لكنها أكثر حدوثاً بين الثلاثين والخمسين من العمر خصوصاً عند النساء. وفي البحة التشنجية يكون الحبلان الصوتيان طبيعيين تماماً، غير ان البحة تظهر نتيجة حركات شاذة لبعض العضلات التي تحرك الحبلين. وما زال السبب الفعلي للبحة التشنجية مجهولاً، وبحسب بعض الأبحاث الحديثة، فإن منشأها قد يكون اضطرابات في الجهاز العصبي، وفي بعض الحالات تبين وجود خلل وراثي على الكرمومزوم الرقم 9 من البطاقة الجينية. وأفضل خيارات العلاج المتوافرة للبحة التشنجية حالياً هو زرق كمية قليلة من سم البوتوكس في ثنايا العضلة المتوترة المسؤولة عن الحركات الشاذة للحبلين الصوتيين من أجل إرخاء العضلة المتنشجة، والنتيجة مبهرة في هذه الحال. وهناك وسائل آنية للتخفيف من وطأة البحة في الصوت، ومنها: - التوقف عن الكلام كلياً للحد من إجهاد الحبلين الصوتيين. - الإكثار من شرب السوائل خصوصاً الدافئة، لتأمين رطوبة الحنجرة وتسهيل انزلاق المفرزات. - تجنب التدخين بنوعيه السلبي والإيجابي. - تجنب المشروبات المثلجة. - عدم تناول المآكل المتبلة المخرشة للحنجرة. - تفادي الأمكنة الجافة خصوصاً تلك العابقة بالدخان والروائح المخرشة. - تحاشي النحنحة المستمرة لأنها تخلق عبئاً على الحبلين الصوتيين وبالتالي تقود الى البحة. - علاج الارتداد المعدي - المريئي، لأن المفرزات الحامضية قد تصل الى الحلق فتحدث تخريشاً في الحنجرة والبلعوم والحبلين الصوتيين. - كبح السعال لأنه يسبب تشنجاً وتعباً في الحبلين الصوتيين. - تأمين الرطوبة المناسبة في غرفة النوم. مسك الختام إن غالبية حالات البحة بسيطة ويتم علاجها بإراحة الحبال الصوتية، أي بالكف عن الكلام والغناء والصياح والبكاء... والهمس طبعاً، لأن بعضهم يلجأ إليه عند التحدث مع الآخرين ظناً منهم أنه أقل إجهاداً للحبلين الصوتيين مع أن العكس هو الصحيح. واذا ترافقت البحة مع صعوبة في التنفس والبلع فيجب عرض الموضوع على الطبيب فوراً. ان السبب الفعلي للبحة التشنجية ما زال يغط في بحر الظلمات، ولكن البحوث الحديثة تشير إلى وجود أسباب عصبية وربما وراثية عند بعض المصابين بهذا النوع من البحة. [email protected]