حاصر مئات المصريين مديرية أمن القاهرة احتجاجاً على قتل شرطي سائقاً في محيط المديرية لخلاف على أجرة نقل بضائع، واقتحم مئات مستشفى رقد فيه جثمان القتيل، ما يعكس تصاعد الغضب من تكرار اعتداءات رجال الشرطة التي باتت تحرج الحكم ودفعت الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى استدعاء وزير الداخلية مجدي عبدالغفار أمس ودعوة البرلمان إلى سن تشريعات «تكفل ضبط الأداء الأمني في الشارع». وينظم الأطباء اليوم وقفات احتجاجية في كل المستشفيات بدعوة من نقابتهم، بعد أسبوع على جمعية عمومية شهدت حضوراً استثنائياً لآلاف الأطباء، احتجاجاً على ضرب أمناء شرطة طبيبين في مستشفى المطرية شرق القاهرة، وسط اتهامات متكررة لأفراد في الشرطة بارتكاب تجاوزات في حق مواطنين تحقق فيها النيابة العامة. واهتمت وسائل الإعلام في الأيام الماضية باتهام امرأة لأمين شرطة بسرقتها تحت تهديد السلاح أمام المارة في محيط محطة مترو المرج بعد أن راودها عن نفسها، فأبت. وبعدها تحدثت امرأة أخرى عن تعرضها لضرب مبرح من ضباط لأسباب غير معروفة. وفيما كانت حشود تتجمع أمام مديرية أمن القاهرة وتهتف ضد وزارة الداخلية، كان عشرات من أهالي مركز أبنوب في محافظة أسيوط في جنوب البلاد يتظاهرون أمام محكمة المركز، احتجاجاً على إشهار ضابط سلاحه وإطلاق النار في الهواء لتفريق أهالٍ جمعتهم استغاثة امرأة أوقفت الشرطة مركبة «توك توك» كانت تستقلها، بحسب شهود عيان. ومثلت واقعة قتل السائق قرب مديرية أمن القاهرة بعد خلاف على الأجرة ذروة التجاوزات الأمنية التي باتت تُمثل إحراجاً للنظام، وفرضت تغييراً في نبرة كبار المسؤولين الأمنيين في تناولها. واستدعى الرئيس السيسي وزير الداخلية للقاء لم يكن مُرتباً، فور وصوله أمس إلى منتجع شرم الشيخ لافتتاح منتدى «أفريقيا 2016» الاقتصادي المقرر اليوم. وقالت الرئاسة في بيان إن «الرئيس أطلع من وزير الداخلية على آخر مستجدات الأوضاع على صعيد الأوضاع الأمنية الداخلية، ولا سيما في أعقاب بعض الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد». وأضاف البيان أن «الرئيس أكد أن السلطات الممنوحة لبعض أعضاء الجهات الأمنية إنما تُعنى في المقام الأول بتمكينهم من الحفاظ على أرواح وممتلكات ومصالح المواطنين، بهدف إرساء قواعد الأمن والنظام في البلاد وذلك في إطار من التقدير والاحترام المتبادل بين الجانبين... وعلى رغم عدم انسحاب بعض التصرفات غير المسؤولة لعدد من أفراد جهاز الشرطة على هذا الجهاز الوطني الذي قدم العديد من التضحيات والشهداء من أجل حماية الوطن والدفاع عن المواطنين، إلا أنه تتعين مواجهة تلك التصرفات بالقانون لوقفها في شكل رادع ومحاسبة مرتكبيها، وهو الأمر الذي قد يقتضي إدخال بعض التعديلات التشريعية أو سن قوانين جديدة تكفل ضبط الأداء الأمني في الشارع المصري بما يضمن محاسبة كل من يتجاوز في حق المواطنين من دون وجه حق». ووجّه الرئيس بعرض هذه التعديلات التشريعية على مجلس النواب خلال 15 يوماً لمناقشتها. ونقل عن السيسي أن «مصر وشعبها يقدران تضحيات وجهود رجال الشرطة الشرفاء الذين يسهرون على تحقيق الأمان والاستقرار ويسهمون في تحقيق نهضتها وتقدمها، بل ويرفضون أي تجاوزات فردية بحق المواطنين». ودشن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات عن واقعة قتل السائق في الدرب الأحمر، شهدت هجوماً حاداً على وزارة الداخلية والنظام أيضاً. وسعت المواقع المحسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الإفادة من القتل في الهجوم على الحُكم. ونشرت حركات مُعارضة لحُكم السيسي منها «6 أبريل» و «الاشتراكيون الثوريون» تدوينات عدة حملت هجوماً حاداً على النظام. وتخطى أهالٍ رووا لوسائل إعلام تفاصيل الواقعة انتقاد وزارة الداخلية إلى لوم الرئيس نفسه على تلك التجاوزات. وأظهر الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء أبو بكر عبدالكريم حزماً لافتاً في تناوله تلك الواقعة. وقال ل «الحياة» إن «وزارة الداخلية لا تحمي ولن تحمي أي فرد من الشرطة يخالف أو يتجاوز مع مواطن. الإجراءات القانونية والإدارية تتخذ فوراً ضد أي متجاوز، والتعامل مع كل المواقف يتم بشفافية، وما أؤكده أن لا حماية لأي رجل شرطة على حساب حقوق المواطنين. من يتجاوز ليس له مكان في وزارة الداخلية، والعقوبات الإدارية، فضلاً عن الإجراءات القانونية، ستصل إلى الفصل من الخدمة نتيجة التجاوز مع المواطنين». وأشار إلى أن «أي شرطي يعمل على هز الثقة في أجهزة الأمن ليس له مكان ولن يكون له مكان في وزارة الداخلية». وأضاف: «لن نسمح لعشرات أو مئات أو حتى ألف أو ألفين بإهدار تضحيات 18 ألف مصاب و750 شهيداً وعشرات الآلاف من رجال الأمن». وعما إذا كانت الوزارة تعتزم إجراء تغييرات في لوائح العقوبات أو إجراءاتها تجاه أمناء الشرطة في محاولة للجم تلك التجاوزات، قال عبدالكريم: «قطعاً سيكون هناك تغيير في النمط، ليس بالنسبة إلى الأمناء فقط، ولكن للضباط والأمناء والأفراد. أي شخص مُنتسب إلى جهاز الشرطة سيصدر منه تجاوز تجاه المواطن أو يخطئ في معاملة الناس لن يتم التهاون معه ولن يتم الصمت على تجاوزه وسيتم اتخاذ إجراءات ضده أقل ما توصف به أنها ستكون عنيفة. فلن نسمح بضياع تضحيات الجهاز هباء، وهذا مطلب أبناء الجهاز أنفسهم». وقالت وزارة الداخلية في بيان بعد ساعات من الواقعة إن الأجهزة الأمنية في مديرية أمن القاهرة أبلغت ب «وقوع مشاجرة ومتوفٍ في منطقة باب الخلق بين رقيب شرطة من قوة شرطة النقل والمواصلات ومواطن يُدعى محمد علي سيد بسبب خلاف على قيمة تحميل بضاعة على سيارة الثاني. وتجمع إثر المشاجرة أنصار الطرف الثاني، ما دعا رقيب الشرطة إلى إطلاق نار من سلاحه وأصاب الطرف الثاني الذي توفي متأثراً بإصابته، وتعدى أنصار المجني عليه على رقيب الشرطة بالضرب، ما أسفر عن إصابته بكسور وجروح في أجزاء متفرقة من الجسم ونزيف داخلي وتم نقله إلى المستشفى، والتحفظ عليه وإخطار النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية». وأوضحت أنه «إثر ذلك تجمع عدد من الأهالي في محيط مديرية أمن القاهرة وتم استدعاء أهالي المتوفي وإطلاعهم على الإجراءات كافة التي اتُخذت إزاء المتهم والتحفظ عليه، وانصرف المواطنون عقب ذلك». وكانت مديرية أمن القاهرة قالت في بيان إن مقتل السائق سببه «طلقة خرجت من سلاحه خطأ». وأغضب بيانا مديرية الأمن ووزارة الداخلية المحتجين أمام مديرية الأمن، لمحاولة تصوير الواقعة على أنها «قتل خطأ»، على رغم أن روايات شهود الواقعة، تؤكد قتل الشرطي السائق متعمداً، إذ حدث خلاف بين الطرفين على سعر النقل، حاول بعده السائق إنزال البضائع من سيارته، ما أثار الشرطي الذي أشهر سلاحه في وجه السائق وقتله من دون اشتباك أو شجار طويل، بحسب شهود. واحتج الأهالي على محاولة وزارة الداخلية تصوير الأمر على أن الطلقة خرجت من سلاح الشرطي من دون قصد أو أنه كان يسعى إلى فض اشتباك، على رغم كونه طرفاً في الشجار. وكانت روايات لمسؤولين أمنيين فور الواقعة تحدثت عن شجار بين سائقين سعى الشرطي إلى فضه «فخرجت طلقة بطريق الخطأ قتلت أحد السائقين». وأغلق الأهالي شوارع عدة مؤدية إلى المقر الأمني الأهم في العاصمة، حتى تدخلت قيادات أمنية وفضت المتجمهرين. وشوهد ضابط يتحدث مع محتجين أمام مديرية الأمن، محاولاً تهدئتهم بتأكيد أن الشرطي سينال عقابه، فرد عليه واحد من الأهالي، بأن وزارة الداخلية تقول إن الشرطي قتل السائق بطريق الخطأ، فأجابه الضابط: «قتله عمداً». وبحسب شهود عيان، احتمى الشرطي بعد الواقعة بأحد متاجر المنطقة التجارية المتاخمة لمديرية الأمن، بعدما اعتدى عليه أهالٍ، وكادوا يفتكون به وبمرافقه، إلا أنه فر بعد أن نال بعض الإصابات. والتقى مدير أمن القاهرة اللواء خالد عبدالعال في مكتبه أهالي القتيل، متعهداً معاقبة الجاني الذي تحركت مأموريات أمنية عدة لتوقيفه، بعدما فر من منطقة الاشتباك. وأوقفته الشرطة بعد الواقعة بساعات، ونُقل إلى مستشفى الشرطة في العجوزة. وتجمهر مئات المواطنين خلال معاينة فريق النيابة موقع الحادث، وسمع محققون روايات شهود. وتبين أن القتيل تلقى رصاصة في الرأس أودت بحياته في الحال، بعدما أدت إلى كسر في الجمجمة ونزيف في المخ وتهشم الجزء الخلفي من الرأس بالكامل. وشيع مئات جثمان القتيل من مسجد السيدة نفيسة في القاهرة أمس، وسط هتافات ضد الشرطة ومطالب بالقصاص. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات مصورة غير واضحة على نحو دقيق لكنها على الأرجح للواقعة التقطتها إحدى الكاميرات في المنطقة. ويُستنتج من الشريط أن الشجار لم يستغرق أكثر من دقيقة ونصف دقيقة، وانتهى بتلقي السائق رصاصة قاتلة. واستمعت النيابة إلى أقوال أسرة القتيل التي اتهم أفرادها الشرطي بقتل السائق «عمداً». وقال والد الضحية إن ابنه اختلف على أجرة نقل بضائع من منطقة الدرب الأحمر إلى حي العمرانية في الجيزة إلى متجر يمتلكه الشرطي الذي سبه بأبويه، فرد القتيل الإساءة، فاعتدى عليه الشرطي ولما دافع عن نفسه أطلق عليه الرصاص. وأمرت النيابة بالتحفظ على الشرطي في مستشفى الشرطة في حي العجوزة والسلاح المستخدم في الجريمة. ولم يتمكن المحققون من سماع أقوال الجاني بسبب خضوعه لعلاج من آثار اعتداء الأهالي عليه. واعتبر وكيل جهاز الأمن الوطني السابق العميد خالد عكاشة أن جريمة الدرب الأحمر «حادث سلوكي من أحد الأفراد، ووزارة الداخلية تحدثت عن تفاصيل الحادثة وقامت بالقبض على المتهم واحتجزته، والإجراءات القانونية ستكون حاسمة». لكنه قال ل «الحياة» إن «المشهد إجمالاً في حاجة إلى إعادة نظر مع هذه الشريحة (أمناء الشرطة) داخل العمل وخارجه. يجب أن تقف الوزارة وقفة جادة وحازمة من هذه الشريحة الوظيفية لإعادة تقويمها وصياغة منظومة عملها داخل الوزارة وفي فترات مع بعد العمل». ويُنظم الأطباء اليوم «وقفات الكرامة» في جميع مستشفيات مصر لمدة ساعة. وطلبت نقابة الأطباء من أعضائها «مراعاة عدم تعطيل العمل» في المستشفيات. وقالت في بيان إن «هذه الوقفات رسالة احتجاج مهنية واضحة، للمطالبة بتنفيذ قرارات الجمعية العمومية الطارئة، وعلى رأسها سرعة إحالة المعتدين على مستشفى المطرية على المحاكمة». وطلبت النقابة من الأطباء «عدم رفع أي شعار أو هتاف سياسي»، موضحة أن مطالبها تتلخص في «ضمان مستشفيات آمنة يعمل فيها الفريق الطبي بكرامة ويعالج فيها المريض بأمان، وسرعة محاسبة المعتدين على مستشفى المطرية، والعدل وتطبيق القانون على الجميع، فلا أحد فوق القانون». وكان آلاف الأطباء احتشدوا الأسبوع الماضي في جمعية عمومية بسبب اعتداء أمناء في قسم شرطة المطرية على طبيبين في المستشفى. ويُنتظر أن يتخذ الأطباء خطوات تصعيدية للضغط من أجل معاقبة الأمناء المتهمين، بينها الامتناع عن تقديم أي خدمات طبية مدفوعة الأجر في المستشفيات الحكومية بدءاً من السبت المقبل، وإغلاق العيادات الخاصة في 19 آذار (مارس) المقبل، وصولاً إلى التهديد بتقديم «استقالات جماعية مسببة» في جمعية عمومية سيعقدونها في 25 آذار (مارس)، إذا لم تتم معاقبة أمناء الشرطة المتهمين.