يشكل تصاعد الأزمة بين الشرطة والأطباء في مصر، على خلفية اعتداء أمناء شرطة على طبيبين في مستشفى قاهري، تحدياً غير مسبوق للحكومة، يضعها في مأزق بالغ في حال أصر الأطباء على تنفيذ قرار الإضراب الجزئي الذي اتخذوه في جمعية عمومية حاشدة، احتجاجاً على عدم إحالة أمناء الشرطة المتهمين على القضاء. وبعد روايات متضاربة عن واقعة الاعتداء في مستشفى المطرية، ظهر أمناء الشرطة وهم يعتدون على الطبيبين في تسجيل لكاميرات مراقبة المستشفى، وأقر مسؤولون أمنيون في جلسة برلمانية بخطأ تصرف عناصر الشرطة، متعهدين معاقبتهم بعد وقفهم عن العمل وتحويلهم على التأديب. واستدعت النيابة العامة الأمناء للتحقيق معهم وفتحت التحقيق في الواقعة مجدداً تحت ضغوط من نقابة الأطباء، بعد أن كانت أغلقت الملف بتنازل الطبيبين عن بلاغهما ضد أمناء الشرطة. وتقول نقابة الأطباء إن الطبيبين اضطرا إلى التنازل عن الشكوى بعد أن اتهمهما أمناء الشرطة بالتعدي عليهم، ما جعلهما عُرضة للحبس الاحتياطي في قسم الشرطة نفسه الذي يعمل فيه المتهمون. وأخلّت النيابة سبيل أمناء الشرطة قبل ساعات من انعقاد الجمعية العمومية للأطباء الذين اتخذوا قرارات تصعيدية، منها تنظيم وقفات احتجاجية في كل مستشفيات مصر السبت المقبل في حال عدم إحالة المتهمين على القضاء. وفي ما بدا رداً على حملة شنتها وسائل إعلام ضد الأطباء وغازلت فيها المواطنين بتذكيرهم بارتفاع نفقات العلاج والأخطاء الطبية، سعى الأطباء أيضاً إلى كسب تأييد شعبي، عبر قرار بالامتناع عن تقديم أي خدمات طبية مدفوعة الأجر في المستشفيات الحكومية قالوا إنهم سيطبقونه بدءاً من السبت بعد المقبل، ما سيكبّد الدولة مبالغ طائلة في حال نُفذ هذا القرار. وتضم المستشفيات الحكومية أقساماً ل «العيادات الخارجية» تُقدم الخدمات الطبية بمقابل، ووفقاً لقرار النقابة، سينفذ الأطباء إضراباً جزئياً بتعطيل العمل في هذه العيادات، والاكتفاء بعلاج حالات أقسام الطوارئ والاستقبال المجانية. وطلبت النقابة من الأطباء أيضاً إغلاق العيادات الخاصة يوم السبت 19 آذار (مارس)، في ما بدا أنه تدرج في تصعيد احتجاجهم، وصولاً إلى التهديد بتقديم الأطباء استقالات جماعية مسببة في جمعية عمومية يعقدونها في 25 آذار (مارس) المقبل، إذا لم تتم معاقبة أمناء الشرطة. وكان لافتاً تجاهل الرئيس عبدالفتاح السيسي التعليق على الأزمة في خطابه أمام البرلمان أول من أمس، بعد يوم واحد من الوقفة الحاشدة للأطباء أمام نقابتهم، وإن أشاد بالشرطة أكثر من مرة في كلمته. وزاد الهجوم الإعلامي على الأطباء بعد تلك الوقفة التي بدت عرضاً للقوة، حتى إن منابر إعلامية تحدثت عن «أخونة» النقابة، علماً بأن مجلس النقابة الحالي أنهى انتخابه سيطرة «الإخوان» لسنوات على النقابة. وتبنت مؤسسات رسمية تلك الفرضية. وقال «مرصد الإفتاء» التابع لدار الإفتاء الرسمية إنه «رصد أصواتاً إخوانية تحرض الأطباء على التصعيد وتدعو إلى استغلال الأزمة بتنظيم التظاهرات». وقال المرصد في بيان أمس: «نحذر من محاولة جماعة الإخوان المسلمين إثارة الفتنة بين الدولة والنقابات المستقلة، على خلفية الأزمة الحالية الخاصة بنقابة الأطباء. تم رصد العديد من الأصوات الإخوانية والموالية لها والتي قد تعالت أخيراً لمطالبة نقابة الأطباء بالتصعيد ورفض الوسائل القانونية لحل الأزمة، وذلك بالتوازي مع دعوات أخرى أطلقها قيادي في الجماعة الإسلامية، باستثمار هذه الأزمة والدعوة إلى عدد من التظاهرات بدعوى مناصرة حقوق الأطباء في مواجهة الدولة». وأضاف البيان أن «الجماعة تحاول الوقيعة بين النقابة والبرلمان المصري، وذلك من خلال الزعم بأن البرلمان يعادي النقابة ولن يقف إلى جانبها، وترويج الإشاعات عن نية البرلمان اتخاذ إجراءات معادية للنقابة وأعضائها، وهو ما يخالف الحقيقة جملة وتفصيلاً. نؤكد أن الجماعة تسعى بكل قوة إلى استغلال تلك الأزمة في الإضرار بالدولة المصرية ونشر بذور الفتنة بين الدولة المصرية والنقابات المستقلة». ورفضت وكيل النقابة منى مينا أي محاولات لتسييس الأمر. وقالت: «أعلنا مراراً أن الأمر ببساطة أن هناك معتدين على الأطباء ما زالوا طلقاء، ونطلب فقط سيادة دولة القانون ومعاقبة المخطئ لإثبات أن لا أحد فوق القانون». واعتبرت أن قرارات مجلس النقابة «لا تأتي في إطار الضغط على الحكومة». وقالت إن «مطلب العلاج المجاني يرفعه الأطباء منذ سنوات، وما حدث أن الجمعية العمومية قررت تفعيل الأمر بعد أن تقاعست الحكومات المتعاقبة عن منح المواطن حقه في العلاج المجاني. نحن لا نزايد، ولكن نضغط من أجل حقوق المواطنين». وأشارت إلى أن مطلب إقالة وزير الصحة أحمد عماد الدين وتحويله على التحقيق أمام لجنة آداب المهنة بالنقابة سببه «عدم جديته في حماية الأطباء»، فضلاً عما بدا أنه ضغط عليهم في أوج الأزمة، باتخاذ قرار بإنشاء هيئة للتدريب الإلزامي للأطباء من دون استشارة نقابتهم. واعتبر الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» وحيد عبدالمجيد، أن «محاولة تسييس الواقعة والزج بالإخوان فيها، ما هو إلا تخلف عقلي». وقال ل «الحياة» إن «الواقعة لا يمكن النظر إليها إلا في إطار أنها حادث شهد بطشاً وقهراً وقسوة وانتهاكاً سافراً للدستور والقانون من جانب بعض أجهزة الدولة، ما سبب رد فعل من جانب فئات من المجتمع تتعرض لهذه الأفعال بلا مساءلة أو محاسبة، وغياب تلك المحاسبة هو ما يؤدي إلى توتر واحتقان في المجتمع يزيدان كل يوم في غياب أي سياسات لوضع حد لهذا التفاقم والاحتقان الناتج عن ممارسات الأجهزة الرسمية». وأضاف: «اعتقد بأن من يتحدث عن دور للإخوان في القضية يعاني من مشاكل قد تصل إلى حد التخلف العقلي. هذا أمر غريب جداً. هناك من يواصل التعامل مع المجتمع على أنه بلا عقل ويعتقد بأن الناس سيظلون يصدقون الأساطير عن أن الإخوان قوة عظمى لا مثيل لها تستطيع أن تفعل كل شيء وتوقف الحركة في البلد. هذا امتداد لاستخدام فزاعة الإخوان لكن بطريقة غبية». ولا يزال التصعيد متبادلاً، فوزير الصحة الذي تجاهل الرد على قرارات النقابة شفهياً رد عملياً بارتدائه أمس المعطف الأبيض وممارسة المهنة بإجراء عملية جراحية لمريض في مستشفى شرم الشيخ، في ما بدا أنه تحدٍ لنقابته. أما وزارة الداخلية فركزت مع وسائل إعلام قريبة منها على «الإهمال الطبي»، ونشرت أمس بياناً لافتاً عن نجدة الشرطة لمواطن «رفض مستشفى علاج ابنه»، على رغم أن الإضراب الجزئي لم يبدأ بعد ولا يشمل خدمات الطوارئ. وقالت إن «شرطة النجدة دفعت بمأمورية خاصة استجابة لاستغاثة مواطن لإنقاذ طفله الذي رفض أحد المستشفيات العامة إجراء الإسعافات الأولية له، ونقلته سيارة إسعاف بصحبة مأمورية من الشرطة إلى مستشفى بعد تنسيق مع إدارة تأمين المستشفيات في وزارة الداخلية، وتم إنقاذ الطفل». واعتبر وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، أن «هناك خطة تستهدف رجال الشرطة بالإرهاب والتشويه». وقال لدى افتتاح مبنى مديرية أمن القاهرة الذي كان تعرض لتفجير إرهابي إن «الهجوم على جهاز الشرطة مقصود للنيل من الدولة». واعتبر أن «تضخيم وقائع التجاوزات الفردية هدف لأعدائنا، ويجب أن نلتفت إليه، فكلما تحقق الدولة الاستقرار تزداد محاولات النيل من الشرطة». وأضاف أن «جهاز الشرطة لن يكون ضحية خطأ شخص لا يستوعب طبيعة المرحلة... الوزارة تبادر إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة نحو التجاوزات المنسوبة إلى بعض أفرادها، ولن تسمح لمثل تلك التجاوزات التي لا تمثل جموع رجال الشرطة بأن تؤثر على علاقة الترابط بين الشعب وشرطته الوطنية». وقال إن «الجهة المنوط بها تنفيذ القانون يجب ألا تخالفه».