«بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد الخلق، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، خادم الحرمين الشريفين.. أصحاب الجلالة والسمو.. أصحاب السمو والمعالي والسعادة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، تحتضن الرياض، بحميميتها المعهودة، لقاءكم التشاوري الثاني عشر، الذي يأتي بعد قمتكم الثلاثين، التي عقدت في دولة الكويت، بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله. وفي هذا المقام الكريم أود أن أتوجه بكل اعتزاز وتقدير إلى حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، المجلس الأعلى لمجلس التعاون، حفظه الله، على ما تتميز به رئاسة سموه من حكمة ودراية أسهمت في دفع مسيرة التعاون المباركة. إن لقاءكم اليوم، أصحاب الجلالة والسمو، يُعبِّر عن إرادتكم الواثقة، والداعمة لإثراء العمل الخليجي المشترك، من خلال تسارع وتيرة المسيرة الخيرة، بمساندتكم، يحفظكم الله، للعمل الجماعي، بفضل رؤاكم وتوجيهاتكم السديدة، التي تلبي طموحات مواطنيكم، التي تتصاعد مع انعقاد كل قمة. وقد تمثلت هذه الرؤى فيما تضمنته وثيقة الآراء لخادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، ومُبادرة دولة الكويت بشأن التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، ورؤية حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، حفظه الله، لتعزيز العمل المشترك، ورؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، حفظه الله، لتطوير مجلس التعاون، تصب جميعها في تعزيز العمل الخليجي المشترك. إن ما حققتموه، أصحاب الجلالة والسمو، من انجازات نوعية، شملت مجالات عدة، أهمها قيام الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، واتفاقية الاتحاد النقدي، وانطلاق أعمال المجلس النقدي في مارس الماضي، ومشاريع التكامل، ومنها الربط الكهربائي، والدراسات التفصيلية لمشروعي سكة الحديد والبرنامج النووي المشترك للاستخدامات السلمية، إضافة إلى التعاون والتنسيق في المجالين الأمني والعسكري، وتطوير التعليم والاهتمام بالثقافة وقضايا الصحة والبيئة والرياضة والشباب. وفي هذا السياق، فإن المواطن الخليجي عندما يتحدث عن طموحاته الاقتصادية، فإنه يتطلع إلى سوق متكاملة، تستوعب طموحاته وإمكاناته الاستثمارية، ومن دون عوائق جمركية أو غير جمركية، إنه يتطلع إلى سوق تأخذ في الاعتبار المكونات الاقتصادية للدول الأعضاء، ليواجه بها المجلس التحديات الراهنة. كما يتطلع مواطنو دول المجلس إلى حكمتكم الرشيدة وسعيكم الدؤوب من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة، باعتبارهما يشكلان ضمانة لتحقيق المواطنة الخليجية التي هي هدف وغاية هذا الكيان الراسخ، خاصة وأن المواطنين حريصون على تعزيز التعاون الأمني، وتكثيفه وصهره في جهد موحد، وهذا مطلب طبيعي من مطالب مواطنيكم لدحض قوى الإرهاب، والعناصر الساعية لزعزعة الأمن والاستقرار، وأن شعوبكم، أصحاب الجلالة والسمو، واثقة كل الثقة، بأنكم قادرون، بإذن الله، على التصدي لكل مجحف وظالم، صوناً لمصالحهم وحفاظاً على مكتسابتهم. هذه مشاهد من انجازات مجلس التعاون التي دخلت كل بيت خليجي، ولامست الواقع المعاش، إلا أن ضرورات المرحلة تتطلب عملاً جماعياً إضافياً لمواجهة بعض التحديات. وهذا يحتاج إلى تضحيات وتنازلات متبادلة من أجل مصلحة العمل الجماعي، لكي يواكب مجلس التعاون إيقاع التطلعات المتسارعة لطموحات شعوبه، وحتى لا يكون عدم تطبيق بعض القرارات خصماً على مسيرة نجاحه، والتي هي موضع تقدير الجميع. وعلى ضوء ما تقدم، فإنني أناشدكم، أصحاب الجلالة والسمو، وبكل التقدير والإخلاص، أن توجهوا الجهات المعنية في الدول الأعضاء بالإسراع في تنفيذ ما تبقى من القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، والتي سبق أن وجهتم، حفظكم الله، من خلال قرار قمة الدوحة عام 2007، والذي جاء بمبادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله، بشأن تسريع الأداء، وإزالة المعوقات التي تعترض مسيرة العمل المشترك، وأيضا قراركم الهام الصادر عن القمة التاسعة والعشرين في مسقط قبل عام ونصف العام، وفي ظل الرئاسة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، سلطان عمان، حفظه الله، والذي نص على أن تصدر الدول الأعضاء، التي لم تصدر الأدوات التشريعية الوطنية اللازمة لتنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى، القرارات اللازمة لتنفيذ ذلك في موعد أقصاه نهاية شهر سبتمبر 2009. كما نص على أن تصدر الدول الأعضاء الأدوات التشريعية الوطنية اللازمة لتنفيذ القرارات التي تصدر عن المجلس الأعلى، ابتداء من دورته التاسعة والعشرين، في موعد لا يتجاوز سنة من تاريخ إصدارها من المجلس الأعلى. إنني لعلى ثقة ويقين تامين أنكم ستوجهون، أصحاب الجلالة والسمو، باتخاذ خطوات عملية تُحيل بعض القرارات من نص مكتوب إلى واقع مُعاش من خلال إزالة كل المعوقات. خادم الحرمين الشريفين، أصحاب الجلالة والسمو، بفضل رؤاكم لم يعد مجلس التعاون كياناً منكفئاً على نفسه، أو منغلقاً في إطار محدود، بل بات صرحاً إقليمياً ودولياً يُشار إليه بالبنان، وفي الوقت ذاته، فإن مجلس التعاون يؤثر ويتأثر بما يدور في محيط انتمائه العربي والإسلامي. فها هي جزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث، المحتلة من إيران، والتي لم تتجاوب بدورها مع المساعي السلمية لدولة الإمارات ودول المجلس لحل القضية عن طريق المفاوضات المُباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وها هي أيضا الأوضاع في العراق تعيش شداً وجذباً يومياً، وواقعاً صعباً يلقي بظلاله على أمن واستقرار العراق والمنطقة برمتها، ولذلك فإن العراق بحاجة إلى دعم وحدته الوطنية ومساندة تشكيل حكومة عراقية وطنية، وفقاً إلى ما آلت إليه نتائج الانتخابات التي جرت في مارس الماضي، بعيداً عن الطائفية والعرقية، والتدخلات الخارجية. وفي إيران ما زال الملف النووي يُثير المخاوف إقليمياً ودولياً، ولا سبيل لحل هذه الأزمة إلا بالحوار الديبلوماسي وبالطرق السلمية. وتشهد القضية الفلسطينية ضغوطاً متزايدة وترحيلاً للفلسطينيين وتهويداً واستيطاناً، إضافة إلى الحصار الجائر والعقاب الجماعي على قطاع غزة من إسرائيل، في تجاهل تام لقرارات الشرعية الدولية والمرجعيات الدولية، والمبادرات السلمية وعلى رأسها مبادرة السلام العربية، الرامية إلى تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. وانطلاقاً من مبادئها وثوابتها، لم تألو دول مجلس التعاون جهداً، ولم تتوان يوماً عن دعم القضية الفلسطينية وتوظيف رصيدها من العلاقات السياسية والديبلوماسية، وتقديم الدعم المادي، لتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المسلوبة وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس. والوضع اليمني بدوره يواجه مشكلات عدة، فالداخل اليمني في حالة غليان مُستمر، ولا سبيل للخروج من هذا الوضع إلا بالحوار، لتثبيت دعائم الوحدة والأمن والاستقرار والازدهار. كما يشهد السودان حالة ترقب بشأن ما ستُسفر عنه عملية الاستفتاء على تقرير مصير جنوبه في يناير عام 2011، وهنا أنوه بجهود حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، حفظه الله، لحل النزاع في إقليم دار فور وما تم التوصل إليه من اتفاقين إطاريين بين الحكومة السودانية وكل من حركة العدل والمساواة وحركة التحرير والعدالة، إضافة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة. وعلى ضوء ذلك فإن المشهد في المنطقة مفتوح على كل الاحتمالات، التي تتطلب المزيد من اليقظة والحيطة، وتعزيز التضامن والتلاحم بين دول مجلس التعاون أكثر من أي وقت مضى، وحتى نحمي منطقتنا من أية مخاطر إقليمية، في ظل عالم مُتغير، تتسارع وتيرة الأحداث فيه بشكل يومي.