من جنوبالهند إلى قلب المنامة أحضرت قوالب جبن منوّعة، قد لا تلفت النظر للوهلة الأولى باعتبار أن هذا «المشهد» مألوف في أسواق الأغذية ومعارضها، لاسيما إذا كان المتسوّق يقصد ركن أجبان أوروبية تتعدد أسماؤها وأصنافها ونكهاتها، وهي اختصاص بحد ذاته، له خبراؤه وذواقته. غير أن أجباناً هندية غير تقليدية وأصنافاً تتعدّى أنواع ال «بانير» التراثي الشهير، أصبحت مطلباً لكثر في ركن مميز في أحد المجمّعات التجارية العصرية في العاصمة البحرينية، فحتى الأنواع الأوروبية منها هي إنتاج هندي من الحليب إلى التعليب. القصة بسيطة وفق شارو مسؤول المبيعات، ف «المنتجات تُستقدم من مزرعة ايكرز وايلد البالغة مساحتها 22 فداناً في كونور (جنوبالهند)، حيث يقيم المخرج البوليوودي منصور خان مع زوجته تينا ويصنعان أجبان غودا وتشيدر وبارميزان ومونتيري جاك وكولبي وغرويير، ويوفّران نزلاً للسياح يتذوّقون فيه «أطايب» الأجبان العضوية. انتقل خان من مومباي قبل أكثر من 10 أعوام واستقر في كونور متفرّغاً وزوجته لإنتاج الإجبان، وكانت البداية بكميات بسيطة، ثم افتتحاً ركناً للبيع في أوتي المجاورة التي عادة ما تزدحم بالمصطافين. والكميات التي يصدّرها خان قليلة، لكنه انضم إلى «حلقة» صانعي الإجبان في هذه المنطقة، الذين أحدثوا «ثورة» في الإنتاج بإدخالهم أصنافاً أوروبية وأميركية، كاسرين تقليد ال «بانير» وأنواعها البيضاء الطرية. يلفت شارو إلى أن عدداً من صانعي الأجبان الهنود طوروا مهاراتهم في مصانع ومزارع أوروبية وأميركية، حيث أتقنوا الحرفة وخصائصها وألمّوا بهذه المهنة وتفاصيلها. فمثلاً، أقام كيه بالاكريشان، الذي يدير مزرعة سينابار في قرية كوديكانال (ولاية تاميل نادو)، مدة شهر في ولاية واشنطن للتعرّف على فن التخثّر وإنضاج الجبن بالفطريات. ويضيف شارو أن اشهر صناع الجبن في الهند هو الأب مايكل كي، الراهب البنديكتي في بنغالور، فقد أخذت هذه الحرفة اهتمامه لدى دراسته اللاهوت في إيطاليا. وأسس مع مجموعة من الرهبان صناعة جبنة فالومبروسا في بنغالور عام 2004، وينتجون حالياً ألف كيلوغرام من أصناف مختلفة يومياً، منها بوراتا وكاتشوتا وبيكورينو. كما أن الهولندي كريس زاندي يدير مصنع ومتجر «هيملايان تشيز» في وادي باهالغام (كشمير)، الذي يعدّ الجبن الأشهر لفنادق راقية وهواة من الذواقة. ويعتبر زاندي أنه وفّر «عبر هذه الصناعة وسيلة لتمكين كشميريين من التغلّب على الفقر». ففي باهالغام تصنّع أجبان كالاري أو ما يعرف ب«موتزاريلا كشمير»، التي أمنّت للسكان ومربّي الماشية الحصول على أسعار منصفة لحليبهم. أما «لا فيرم» في أوروفيل (قرب بودوتشيري)، فتجمع بإشراف الخبير الهولندي بيني (استقر مع عائلته في المنطقة قبل 16 عاماً) نحو 500 ليتر من الحليب يومياً لصنع قرابة 60 كيلوغراماً من الأجبان. وتضاف إليها نكهات وأعشاب محلية لتقدّم بلمسة هندية تميّزها عن الأوروبية، ومن أشهرها لوفابو المتبلة بالكمون وأوروبلاشون الحادة المذاق والتي تعتّق ستة أشهر. وفي حين يحرص بيني على الصناعة اليدوية المتقنة، مفضّلاً النوعية على الكمية، يشكّل الحصول على حليب عالي الجودة تحدّياً كبيراً لمنتجين، بسبب المناخ القاسي في أنحاء كثيرة من الهند وانعدام وفرة تجهيزات التبريد، ما يجبرهم أحياناً على بيع منتجاتهم محلياً. لكن هذا العائق لم يكبّل التصدير لا سيما حيث توجد جاليات هندية كبيرة، كبلدان مجلس التعاون الخليجي. ويتوقّع شارو أن يصبح الجبن الهندي الفاخر سلعة مشهورة ومطلوبة في كل مكان.