أحاول أن أكتب بأوضح عبارة ممكنة وبأبسط كلمات، كما يفترض في صحافي كاتب، وأفضل ما توصلت اليه إزاء المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين واسرائيل انها ليست هدفاً بذاتها، إلا أنها لن تفشل. مفاوضات الجوار، كما يسمونها لا يمكن أن تنجح لأن الطرفين المشاركين لا يريدانها، فالجانب الفلسطيني يعرف أنه أمام حكومة اسرائيلية فاشستية تريد طرد الفلسطينيين الباقين من بلادهم، إلا انه يعتمد على الدعم المالي والديبلوماسي الأميركي والأوروبي ولا يستطيع رفض طلب أميركي، أما الجانب الإسرائيلي فيستطيع الادعاء انه يدخل المفاوضات بشروطه لا أي شروط أميركية، ومصادر حكومة نتانياهو سربت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي «روّض» الرئيس أوباما، فاستمر الاستيطان، ووعد أوباما المنظمات اليهودية الأميركية بأن موضوع القدس لن يطرح حتى المراحل الأخيرة من المفاوضات. مع هذه الخلفية هناك موعدان لا يمكن تجاهلهما، الأول ان الجامعة العربية في تأييدها ذهاب السلطة الوطنية الى المفاوضات اشترطت ان يتحقق شيء ملموس خلال بضعة أشهر، والثاني ان قرار الحكومة الاسرائيلية ايقاف الاستيطان سينتهي في أيلول (سبتمبر) المقبل، مع العلم ان هذا الاستيطان لم يتوقف يوماً فقد استثنيت منه القدس، وهي الأهم، واستمر البناء في المشاريع القائمة في مستوطنات الضفة الغربية. وهكذا فنحن أمام اثنين لا يريدان الزواج، ومع ذلك يجلسان لوضع برنامج حفلة الزفاف. كيف المخرج؟ بدأت بالقول إن المفاوضات غير المباشرة لن تفشل لأنني أشعر بأن أوباما لا يريدها لذاتها، وانما لتساعده على وضع أطر خطة للسلام تعلنها ادارته خلال أشهر قليلة، ثم تعرضها على مؤتمر عالمي للسلام في الشرق الأوسط، ما يجعل الخطة قراراً دولياً وليس مجرد مشروع أميركي آخر. كان أوباما أعلن منذ البداية ان السلام في الشرق الأوسط مصلحة أميركية، وأيده القادة العسكريون الأميركيون في المنطقة بالقول إن عدم حل القضية الفلسطينية يثير الكره للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين، ويؤذي مصالح أميركية استراتيجية في المنطقة كلها. وموقف أوباما هذا مهم لأن الرئيس تطوع به، فالعادة مع الرؤساء الأميركيين السابقين ان تفرض الأوضاع في الشرق الأوسط عليهم التدخل، إلا ان أوباما جاء الى الحكم والمفاوضات بين الفلسطينيين واسرائيل مجمدة ولا شيء يرغمه على ان يتدخل إلا أنه فعل، وكان أول اتصال له مع الرئيس محمود عباس لا رئيس وزراء اسرائيل، وهو سيستقبل أبو مازن في البيت الأبيض هذا الشهر ليطمئنه الى ان ادارته ستضمن الحد الأدنى من الطلبات الفلسطينية، وأستطيع أن أقول بثقة ان جو اجتماعه مع الرئيس الفلسطيني سيكون أفضل من أي اجتماع له مع نتانياهو. وهكذا فالمهم في مفاوضات الجوار ان توفر للرئيس أوباما المعلومات التي يحتاج اليها لوضع خطة سلام شامل تبدأ أميركية وتنتهي دولية. وفي تقديري ان اسرائيل سترفض الخطة الأميركية وان الفلسطينيين سيقبلونها مع تحفظات أهمها عودة اللاجئين، فإسرائيل لن تقبل عودتهم والحديث سيكون عن عدد محدود للعودة ضمن برنامج «لمّ الشمل» القديم. أكتب على أساس المعلومات المتوافرة، وما سمعت شخصياً من قادة الفلسطينيين وبعض المسؤولين العرب المعنيين بالمفاوضات، إلا أنني أغلب التشاؤم، وأرجح أن تحاول حكومة نتانياهو قلب الطاولة على رؤوس الجالسين حولها بخلق أوضاع أخطر كثيراً من المواجهة مع الفلسطينيين، فهي إما تثير مواجهة عسكرية مع ايران تفيض على الشرق الأوسط كله، أو تفتعل أسباب حرب مع حزب الله، وربما سورية ولبنان. عصابة الشر الإسرائيلية والليكودية الأميركية استطاعت عبر الحرب على العراق إبعاد السلام في العقد الماضي، وحرب جديدة ستبعده في العقد الثاني من هذا القرن، واسرائيل ستجد دائماً غالبية في مجلسي الكونغرس الأميركي تؤيد حروبها على العرب كما رأينا في صيف 2006، وفي قطاع غزة بين آخر 2008 وبداية 2009. وأحاول أن أجد أسباباً لتوقع اختراق أو تقدم محدود ولا أجدها، ففي اسرائيل حكومة احتلال فاشستية لا تريد السلام، والفلسطينيون منقسمون على أنفسهم والعرب أكثر انقساماً وضعفاً، وأوباما يريد حلاً ويعني ما يقول، إلا أن طريق المدافن معبّدة بالنوايا الحسنة. [email protected]