ما بين ليلة وضحاها، أصبح فيروس زيكا على كل لسان، بعدما أقرت لجنة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية بأنه بات يمثل تهديداً للصحة العامة لكل دول العالم، بعد انتشاره بمعدلات خطيرة في بلدان أميركا الجنوبية واللاتينية، ما دفع أكثر من 20 دولة في المنطقة إلى توجيه تحذيرات، خصوصاً في البرازيل وكولومبيا اللتين يوجد فيهما أعلى نسبة من المواليد المصابين من ذوي الرؤوس والأدمغة الصغيرة التي يعتقد بأنها على علاقة وثيقة بالإصابة بفيروس زيكا. وفيروس زيكا ليس جديداً كما يظن البعض، فقد سبق للعلماء أن تشرفوا بمعرفته للمرة الأولى في العام 1947 عند القردة التي تعيش في غابات زيكا في أوغندا (من هنا أتى الاسم) ووثّقوا أول إصابة بشرية بالزيكا في نيجيريا في العام 1954. وتم تسجيل حالات فردية بعدها في عدد من البلدان الأفريقية وجنوب شرق آسيا وجزر المحيط الهادي، لكن الإصابات لم تكن مصدر قلق في ذلك الوقت. إلا أن تقاعس المجتمع الدولي مع الحالات الفردية التي بزغت هنا وهناك، ساهم إلى حد بعيد في تفشي وباء زيكا. ففي البرازيل وحدها تم رصد ما بين 500 ألف و1.5 مليون إصابة. وبعدها انتشر الفيروس في أكثر من 24 بلداً في المنطقة، وإذا أخذنا بتقديرات مديرة منظمة الصحة العالمية مارغريت تشان فإن اربعة ملايين شخص سيكونون مهددين بأخطار فيروس زيكا. وفيروس زيكا لا ينتقل إلى الإنسان مباشرة بل يستخدم بعوضة "ايديس ايجابتاي" (أو الزاعجة المصرية) التي تنقل أمراضاً أخرى، مثل الحمى الصفراء، وحمى الضنك، وفيروس التشيكونغونيا. إلا أنه تم العثور على فيروس زيكا في الحيوانات المنوية للإنسان، وتم رصد حالة عدوى محتملة من شخص إلى آخر عبر الوصال الجنسي، الأمر الذي دفع البعض إلى الظن بوجود وسيلة أخرى للانتقال، لكن من دون أن يستطيع البحاثة تأكيد أو نفي ذلك لغياب الأدلة التي تسمح بإصدار الحكم النهائي في شأن العلاقة الحميمة. وقيل أن الفيروس ينتقل عن طريق الرضاعة الطبيعية، لكن لا يوجد حتى الآن برهان قاطع يدعم هذه المقولة. وبعد أن يدخل فيروس زيكا إلى الجسم بأيام قليلة قد تندلع عوارض المرض. لكن المرض قد يبقى صامتاً. وتضم العوارض الحمى، والاندفاعات الجلدية، والتهاب الملتحمة العينية، وآلام في المفاصل والعضلات، والصداع، وتدهور طفيف في الحالة العامة. وتكون العوارض المذكورة خفيفة نوعاً ما وتستغرق من يومين إلى سبعة أيام. ويشخص مرض زيكا بواسطة فحوص مخبرية نوعية يتم فيها عزل الفيروس المسبب من الدم. ويشتبه أن زيكا يؤثر في الجنين، ما يتسبب في صغر حجم الرأس وانكماش في الدماغ يعرض الأطفال لاحقاً إلى الإصابة بالتخلف العقلي، فيواجه صعوبات على صعيد التعلم وربما يدفع به المرض إلى الموت المبكر. وكانت شركة أوكسيتك للهندسة الوراثية قد أجرت تجربة في البرازيل قبل أربع سنوات على البعوضة الناقلة لفيروس زيكا التي تم تعديلها جينياً بحيث تموت قبل أن تتكاثر، وقد أثارت تلك التجربة انتقادات حادة من بعض العلماء الذين لا يستبعدون أن يكون التعديل الذي جرى هو الشرارة التي أفسحت المجال لانتشار الفيروس حالياً. لكن رئيس الشركة أكد أن هذا الشك في غير محله وليس صحيحاً. ولا يتوافر حتى الآن أي علاج للمرض ولا أي لقاح ضده، وكل ما يمكن عمله هو خفض الحرارة وتسكين العوارض، وإعطاء ما يكفي من السوائل لتفادي خطر التعرض للجفاف. وهناك جهود حثيثة لتطوير لقاح فاعل ضد فيروس زيكا، من المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية عليه أواخر هذه السنة، لكن اللقاح لن يكون في متناول اليد وعلى نطاق واسع إلا بعد سنوات. أما الوقاية من فيروس زيكا فتكون من خلال الإرشادات الآتية: - إعلان الحرب على البعوض الناقل الوحيد للفيروس في كل مكان، خصوصاً في الأماكن التي يحلو له الإقامة فيها، كالمستنقعات الراكدة، وأماكن تجميع القمامة، والتخلص من أية مياه راكدة مضى عليها خمسة أيام. - تجنب لسعات البعوض قدر الإمكان، وارتداء الألبسة ذات السراويل والأكمام الطويلة، ودهن الجلد بطاردات البعوض. - تجنب الوقوف على مقربة من البرك المائية الراكدة. - تغطية خزانات المياه المنزلية لمنع وصول البعوض إليها. - وضع النفايات في أكياس مُحكمة الإغلاق. - النوم في أماكن لا تسمح بوصول البعوض إليها واستعمال كل الوسائل التي تحول دون وصول الحشرة إلى الجلد. - على سلطات الحجر الصحي في المطارات وضع إرشادات جديدة تتعلق بالقادمين من المناطق الموبوءة بالفيروس، والكشف على المشتبه بهم وعمل تحاليل دموية لهم للتأكد من خلوهم من المرض، خصوصاً أن الغالبية العظمى من حاملي الفيروس لا تظهر عليهم عوارض المرض وهنا تكمن الخطورة. - إجراء تحليل دم فوري لكل شخص قادم من الأماكن الموبوءة ويعاني من عوارض معينة قد يكون فيروس زيكا هو سببها. - عزل أي مريض في أمكنة لا يصل إليها البعوض، فالشخص بحد ذاته لا ينقل المرض، لكن البعوض الذي يقرص المصاب هو الناقل الوحيد للفيروس، فبعوضة واحدة فقط تستطيع أن تنقل المرض لعشرات الأشخاص. - على الحامل أن تتفادى قرص البعوض لحماية الجنين من مضاعفات كارثية، أهمها نقص نمو الدماغ. - على الراغبات في الحمل تأجيل الحمل لمدة ستة أشهر إلى سنة، إلى أن يتم التأكد من سلامة الأب والأم من فيروس زيكا. - التغذية الجيدة لتعزيز جهاز المناعة، لأن الفيروس ضعيف أمام الجهاز المناعي القوي. - تحاشي السفر إلى المناطق التي ينتشر فيها الوباء. أما في خصوص البلدان العربية التي لم تسجل فيها بعد إصابات بفيروس زيكا، فعلى السلطات الصحية أن لا تأمن شره وأن تتخذ كل الوسائل اللازمة لصده، فهو يستطيع الانتشار فيها بسهولة، خصوصاً أن البعوض الناقل "ايديس ايجبتاي" يسرح ويمرح فيها في وضح النهار، وأفضل طريقة للوقاية من زيكا هي الحماية من لسع البعوض، وكلما قلّ عدد البعوض قلّ خطر انتشار المرض.