العشاء الذي استضافه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في منزل سفير بلاده لدى الأممالمتحدة، وتلبية جميع أعضاء مجلس الأمن الدعوة بمن فيهم الولاياتالمتحدة، يعيد تأكيد البديهيات التي لا تريد طهران أن تراها منذ اندلاع أزمة ملفها النووي. البديهية الأولى هي أن المجتمع الدولي لا يخاصم إيران كدولة ونظام وشعب، وأن الجميع مستعد للحوار معها وأخذ مصالحها في الاعتبار. ومن هذا المنطلق قدمت مجموعة 5+1 رزمة الاقتراحات لإيران، وصولا الى «عرض البرادعي» لتبادل اليورانيوم المخصب. البديهية الثانية هي أن إيران لم تقدم على ما يمكن أن يعطي ضمانات حول طبيعة برنامجها النووي وأهدافه، ما يدفع الى تغليب رزمة الإغراءات على رزمة العقوبات. وبالتالي لم تستطع أن تقنع أحداً، حتى بين أصدقائها والقريبين منها، أن كل ما تفعله هو محاولات لكسب الوقت، ليس إلا. أما ما ترافق مع عشاء متقي من كلام ايراني عن استعداد لتبادل اليورانيوم المخصب، تارة عبر تركيا وطوراً عبر البرازيل، فانه لم يترجم في مبادرة فعلية تقدم الى مجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، المكلفة متابعة هذا الملف. إضافة الى أن هذا الكلام لم يصدر سوى عن إداريين إيرانيين ما لا يعطيه أي صدقية. خصوصاً أن الرئيس احمدي نجاد وبعده متقي لم يعلنا مثل هذا التوجه لدى وجودهما في نيويورك حيث كان يمكن الاستفادة من الحضور الدولي الكبير لاطلاق مثل هذه المبادرة. هكذا فشلت إيران في استراتيجية إطعام الفم ليستحي اللسان. فكل ما قاله متقي عن «الأجواء الإيجابية» للعشاء مع أعضاء مجلس الأمن لم يؤد الى شق طريق معاودة الحوار مع المجتمع الدولي. لا بل أعرب أعضاء مجموعة 5+1 عن الخيبة من الاجتماع على رغم الحفاوة الإيرانية، واعتبروه فرصة أخرى ضائعة في البحث عن حل عبر التفاوض لمأزق الملف النووي الإيراني. علما ان سياسة إطعام الفم اعتمدتها طهران في كل اتصالاتها الدولية، مع الصين وروسيا واعضاء مجلس الامن غير الدائمي العضوية، عبر اغراءات نفطية واستثمارية، من اجل كسبهم الى جانبها في اي تصويت محتمل على العقوبات ضدها. ولا يتعلق هذا الفشل في الملف النووي الإيراني وحسب، وانما سيؤثر أيضاً في التحرك الدولي الجديد في شأن تنفيذ قرار جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، بما هو قرار يشمل الترسانة النووية الإسرائيلية، وإخضاع البرنامج الإسرائيلي لرقابة وكالة الطاقة الذرية الدولية. وإذا كانت الدول العربية كلها تضغط في اتجاه إقرار تنفيذ القرار الدولي الرقم 1995، وبدأت تجد صدى لدى الأعضاء الدائمي العضوية لمساعيها، فان استمرار أزمة الملف الإيراني والشكوك في أهداف البرنامج الذي ينطوي عليه، سيقدم حجة كبيرة للمترددين في جعل المنطقة خالية من السلاح النووي. وبذلك تضيع فرصة المراجعة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية على دول المنطقة، خصوصاً بعد المطالعة التي قدمها احمدي نجاد من على منصة الأممالمتحدة. وثمة في سلوك إيران، في المنطقة، ما يزيد القلق العربي إزاء برنامجها النووي. ففي الوقت الذي يبدو أن الأمور تتجه نحو عقوبات جديدة على طهران بسبب هذا البرنامج، وزيادة حدة التوتر والمواجهة مع المجتمع الدولي، تستمر إيران في سياستها الهجومية على العرب، خصوصاً في الخليج، وفي سياسة عروض القوة العسكرية. وعمدت، في أسبوع واحد، الى افتعال أكثر من ذريعة مباشرة لإظهار قوتها ونفوذها، من المناورات البحرية المتعاقبة، الى الإصرار على تسمية الخليج العربي ب «الفارسي»، لإثبات انه منطقة نفوذ حصرية لها، الى كشف شبكات تعمل لمصلحتها في دول خليجية والى تصعيد المواجهة مع الإمارات في قضية الجزر. كل هذه السياسة الهجومية لطهران لا تنفصل عن إدارتها لملفها النووي، خصوصاً أنها تعتبر أن البلدان الخليجية ستكون مسرح المواجهة مع الغرب في حال اتجهت الأمور الى المواجهة العسكرية.