يؤدي المغنّي السوري ريبال الخضري أغنية «سُليمى» لزكية حمدان من دون أية آلات موسيقية شرقية، مستبدلاً اللحن بخلفية تعبيرية لهدير قطار مسرع. وقد سجل ابن الثانية والعشرين سنة هذه الأغنية التراثية، وضمها إلى ألبومه الأول «شوية حكي». وأعاد في الألبوم نفسه توزيع أغنية أخرى من التراث العربي هي «العزوبية» أو «البنت الشلبية» كما تُغنّيها فيروز. يمزج ريبال اللحن الأساسي لهذه الأغنية بموسيقى الراب وكلماته، مُقارِباً بين ما طُرِح من أفكار في زمن «العزوبية» وبين واقع المجتمع الحالي الذي تضخّمت فيه تكاليف الزواج. يقول الخُضري ل «الحياة»: «أحاول تقديم نفسي في الألبوم بعيداً من طَرْح التراث الموسيقي في شكله التقليدي الذي غالباً ما أُؤدّيه في حفلاتي»، مشيراً الى أن جزءاً من مسيرة موسيقية بدأها مبكراً في عُمر السادسة. إضافة إلى ذلك حوى الألبوم المُموَّل من مؤسسة «المورد الثقافي» في المنحة الإنتاجية لعام 2009، عشْر أغنيات لشعراء وملحنين سوريين ولبنانين. وأشرف ريبال على توزيع الجزء الأكبر منها موسيقياً، مُستعيناً بمقامات موسيقية مستعملة ومألوفة (النهوند، الكورد، البيات) مُتناسبةً مع مواضيع عصرية تدور حول هموم الشباب العربي في بحثه عن الذات والحُب والآخر. كان اختصاص ريبال في الغناء الشرقي العربي في المعهد العالي للموسيقى حافزاً له لتلبية ذائقة المستمع العادي، فلم يطرح نبرة صوته الصعبة أمام الجمهور. وساعده على ذلك كلام الأغنيات البسيط، مع توزيع مدروس لم يكتفِ في العمل عليه بنمط الموسيقى الإلكترونية المُنجَز والمُتّبع غالباً في تنفيذ تلحين الأغاني الخفيفة (على آلة الأورغ). ويشرح: «وضعت على الورق كل ما في الألبوم من كلمات وألحان ثم توزيع موسيقي». لم تمنع سهولةُ الألحان في ألبوم «شوية حكي» أن تُكتَب نوتة كل أغنية على نحو 40 ورقة، جَهَد ريبال في تنفيذها ضمن ظروف تقنية موسيقية سيئة «لم تساعد على قيام المشروع في شروطه الصحيحة والمطلوبة». حاز ريبال في آذار (مارس) الماضي المركزَ الأول في «ملتقى الأصوات الجميلة في الغناء العربيّ». وهذه الجائزة يُنظّمها «المجمع العربي للموسيقى - جامعة الدول العربية»، سنوياً لأنواع الموسيقى المختلفة من عزف وغناء، في جملة اهتمامه العام بموسيقى العالم العربي، وتطوير التعليم الموسيقي وتعميمه، ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به. يُقدّر ريبال لقبَه المُنتزَع من بين 60 مشاركاً من لبنان والأردن، وسورية، والعراق، والإمارات العربية، والسعودية، معتبراً أنه يضعه في مكانه الاحترافي الغنائي. ويضيف ريبال: «تميّزت في الخامة الصوتيّة، وفي دقّة الأداء وأسلوبه وتعبيره، وفي تقنيّة الغناء والحضور المسرحي». أدّى ريبال في الملتقى أغنياتٍ من التراث العربي، منها موشحّ «منيتي عزّ اصطباري»، و «رماني بسهم هواه»، إضافةً إلى موّال وديع الصافي «رح حلفك بالغصن». ويؤكد أن المشاركين في «ملتقى الأصوات الجميلة» رُشِّحوا من قبل خبراء موسيقيين معروفين في بلادهم، أي أنهم «موثوق بهم، ومُغنّون مُحترفون». ولم تتناقل وسائل الإعلام السورية المحلية خبر فوز المغني السوري باللقب كما يجب، خصوصاً أن المدة الفاصلة بين هذا الخبر وبين إطلاق ألبومه، لم تكن كبيرةً كما يرى ريبال الذي حاز الجائزةَ الثانية عن أفضل غناء ارتجالي في مهرجان القاهرة للموسيقى العربية السابع عشر، عام 2008. «لم تكفِ منحة مؤسسة المورد الثقافي لتغطية نفقات إنتاج الألبوم، فكان لا بد من مساندة مموّلين آخرين»، وهذا ما حدث كما يقول ريبال. ومن المعروف ان توزيع الألبوم في سورية تعترضه مشكلة عدم وجود حماية للملكية الفكرية، لذا «فالعائد المادي ليس كافياً لأي فنان مثلي». تبنت إذاعة ناشئة حديثاً إطلاق ألبوم «شوية حكي». فتبني البثّ لمطربين في بداية طريقهم غير سهل، كما يوضح ريبال. ويضيف: «الإذاعات المعروفة لا تربط اسمها بِمُغنٍّ شاب، يكتفون فقط ببَثِّ أغنية بين مدة وأخرى». التوزيع الموسيقي في سورية عائق آخر أمام الإنتاج الغنائي، يلحق به عدم توافر جهات أخرى في سورية لإدارة الأعمال، وتوزيع خطة الإنتاج كما يرى صاحب ألبوم «شوية حكي». «حتى الآن، ليس هناك شخص عارف تماماً بتوزيع القطع الموسيقية، ومكان كل آلة في اللحن»، فيُضطرّ ريبال إلى فعل ذلك بنفسه كونه مُلمّاً بأساسيات العزف على البيانو والعود. ريبال الذي يفرَغ قريباً من دراسته الأكاديمية الموسيقية، قدّم ألحاناً قريبة من الأذن بصوت قد تظن أنك ربما سمعته من قبل. وأضاف إلى اللحن والكلمة قصصاً محكية للأغنيات من خلال حوار له مع المذيع السوري «حكم الزمان» يوضح فيه عمق مراده الغنائي. فهل يستطيع مُغنٍّ سوريّ أكاديميّ الانتشار السريع، وإحداثَ نقلة راقية تُخفّف وطأة ما اعتادته أذن الجمهور السوري من تقاسيم غنائية هابطة في «المقاهي، ووسائل النقل، أو حتى خلال أثير بعض الإذاعات»؟