شهدت مناطق من ضواحي دمشق التوصل إلى هدنات بين قوات النظام وقوى المعارضة، خصوصاً في مناطق متاخمة للعاصمة السورية مثل حي برزة وحي القابون ومخيم اليرموك وبلدة بيت سحم وسواها، منها ما لا يزال صامداً كما هي الحال في حي برزة، ومنها ما فشل بعد ساعات أو أيام قليلة كما حدث في مخيم اليرموك. ولا يزال العمل جارياً للتوصل إلى اتفاقات تهدئة في مناطق أخرى. وإذا كانت هذه الهدنات هشة ولا تضع حداً نهائياً للإقتتال، إلا إنها تعطي مؤشرات إيجابية على إمكان أن ينتقل الطرفان من صيغة الإقتتال الدموي والصدام العنيف إلى صيغة الحوار والتسويات حتى وإن اقتصرت بداية على حي كبير مثل برزة أو بلدة صغيرة مثل بيت سحم. وعموماً يعتقد الناس بأن اتفاقات الهدنات والتهدئة المبرمة ما هي إلا دليل على تكافؤ بين القوى المهيمنة على الأرض، وإلا لما كان النظام يُقدم على توقيعها لو كان في مقدوره دحر الطرف الآخر أو كف يده عن المناطق التي يسيطر عليها والعكس صحيح. وبعيداً من التفسيرات السياسية لأسباب هذه الاتفاقات ودوافعها، فإن الأثر الإجتماعي الذي تتركه من شأنه أن يحدث تغييراً في حياة سكان هذه المناطق. فعقب شهور أو سنوات من التشرّد والمعاناة الشديدة، تمكنت عائلات من العودة إلى منازلها أو ما تبقى من منازلها أحياناً، وغادر سكان في المناطق المحاصرة في اتجاهات أخرى أكثر أمناً. كما تمكّن العشرات من المرضى المحاصرين من الوصول إلى المستشفيات وتلقي العلاج، كذلك إلتحق طلاب كثر بجامعاتهم. جنباً إلى جنب في برزة تعتبر الهدناتة الموقعة في حي برزة الدمشقي نموذجاً ناجحاً يسعى النظام للنسج على منوالها في مناطق أخرى. لكنه يُواجه بعقبات كثيرة تحول دون التوصل إلى هدناتات مماثلة في باقي المناطق. فعقب مفاوضات مضنية في حي برزة، توصّل الطرفان إلى هدنات أثمرت عن تهدئة فعلية دفعت نحو إعادة خدمات أساسية تتعلّق بالإدارة المحلية التي من شأنها تدبير شؤون الناس مثل المخاتير وبعض المحاكم، وذلك من خلال تجهيز أماكن موقتة يدار العمل من خلالها. كما بدأت عمليات التنظيف وإعادة الكهرباء والمياه. وسجلت عودة مئات الأسر النازحة بسبب القتال للإطمئنان على منازلها. ويمكن مشاهدة عناصر من جيش النظام والجيش الحر سوياً فيما يشبه تقاسم الصلاحيات في شكل ندي ومتوازن. يقول ناشط فضّل عدم الكشف عن اسمه ل «الحياة»: «لا يمكننا التعويل على هذه الهدنات، فهي بالنسبة للطرفين ليست سوى إستراحة لالتقاط الأنفاس، وسرعان ما سينقضها أحدهما بمجرد شعوره بالإستقواء على الآخر، خصوصاً أن النظام يتملّص من أحد أهم شروط عقد الهدناتة وهو إطلاق المعتقلين من أبناء الحي، بينما لن يكون في مقدور الطرف الآخر تحمّل تسويفات النظام طويلاً». استقرار حذر في القابون تنبع أهمية منطقة القابون من إشرافها على الطريق الدولية المؤدية إلى وسط البلاد، وقد شكلت هدناتة حي برزة المجاور دافعاً لقوى المعارضة المسيطرة هناك للانخراط في هدناتة مماثلة. وكانت أبرز شروط النظام في هدناتة القابون تسليم الأسلحة الثقيلة التي في حوزة الثوار أو حتى شرائها منهم. لكنهم رفضوا العرض، ومضوا في هدناتة قلقة نجحت في تحقيق استقرار حذر وعودة عائلات نازحة إلى مساكنها على أمل أن تتمكن مستقبلاً من الاستقرار فيها، إذا ما تمت إعادة الخدمات للمنطقة. معمودية الدم في اليرموك وتطلّب عقد هدناتة في مخيم اليرموك المحاصر منذ أكثر من 15 شهراً جولات ماراثونية تخللتها مصاعب لا حصر لها. فقد توقفت المفاوضات مراراً قبل أن تستأنف لتثمر هدناتة هزيلة سرعان ما انتهت بعد ساعات قليلة من يومها الأول عندما «كسر» قرار وقف إطلاق النار وعادت قوى المعارضة المسلحة للسيطرة على المخيم مجدداً. كما انتهت محاولة إحيائها بعد أيام بطريقة مأسوية للغاية، عندما تعرّض مواطنون عائدون بعد تسلمهم حصصاً غذائية لقذائف التي أودت بحياة تسعة منهم. ففشلت الهدناتة وعلّقت المفاوضات إلى أجل غير مسمى. وهكذا يبدو أن طرفي النزاع في حاجة إلى عقد مثل هذه الهدنات لتحقيق مكاسب سياسية أو كتكتيكات عسكرية، وإن كانت مغلفة بشعارات مثل حماية المدنيين واسترجاع الأمن والخدمات، فهي لم تحقق استقراراً يمكن وصفه على أنه تقدم حقيقي. فالصامدون في مناطق الهدنات لا يزالون بعيدين من الشعور بالطمأنينة والأمان ويستعدون لمواجهة أياماً عصيبة قد لا تكون بعيدة.