الطعام اللبناني الذي انتشر عالمياً بفضل تَوزّع الجاليات اللبنانية في العالم، وبفضل تنوّعه وفوائده الكثيرة على الصعيد الغذائي، صار أيضاً، ومنذ سنوات، مادة للكثير من الكتب التي تصدر باللغة الفرنسية. وأخيراً، صدر في باريس عن دار «ألبان ميشال» كتاب فخم وجميل بعنوان «طيّبات المطبخ اللبناني»، وهو من إعداد اللبنانيين أندريه معلوف وكريم حيدر. قدّم للكتاب الكاتب وعضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف، زوج المؤلّفة. ما يميز الكتاب الجديد عن غيره من الكتب الصادرة عن المطبخ اللبناني هو انه يتوجه إلى الذين لا يعرفون هذا المطبخ أو يعرفونه لكنهم يسعون إلى اكتشاف صفحات مجهولة عنه. جميع الذين يرتادون المطاعم اللبنانية في باريس وغيرها من العواصم الغربية ليسوا غريبين عن الحمص والشاورما والتبولة والكبة وغيرها من الأطباق الكلاسيكية، غير أنّ هناك أطباقاً أخرى فاخرة ومُتقَنة وغير معروفة في الوقت نفسه. من هنا، فإنّ هذا الجديد هو دعوة إلى الاكتشاف والتعلّم، ويتضمّن وصفات بعضها غير متداول. تقتضي الإشارة إلى أنّ ما جمع كريم حيدر وأندريه معلوف هو، أولاً، حبّهما للمطبخ اللبناني. درس كريم حيدر الحقوق وعمل في المحاماة، لكنه بسبب ولعه بالمطبخ اللبناني ترك مهنته الأولى ليتفرّغ له وكان أحد المجددين فيه. أشرف على العديد من المطاعم اللبنانية الموزّعة بين بيروتوباريس ولندن وترك بصماته على أطباقها. وبعد أكثر من عقد، صار كريم حيدر معروفاً بتخصصه ويشارك في التظاهرات العالمية المكرّسة لفن الطبخ. ولا يقتصر اهتمام كريم حيدر على المطبخ اللبناني، بل يتعداه إلى المطبخ العربي بصورة عامة. وهو يعمل اليوم على تأسيس «أكاديمية المطبخ العربي» مع مجموعة من الشخصيات ومنهم فاروق مردم بك، الناشر والكاتب السوري المشرف على سلسلة «سندباد» في دار «آكت سود». أما أندريه معلوف فهي، وعلى رغم إقامتها في باريس منذ أربعين عاماً، ظلّت مولعة بالمطبخ اللبناني، كما أنها تدرك أنّ على هذا الأخير أن يتجدد ويستجيب لتحديات العصر، وهذا أحد العوامل التي جمعتها بكريم حيدر فكانت ثمرة تعاونهما الكتاب الذي بين أيدينا اليوم. وسبق لهما أن أنجزا عام 2007 كتاباً أول بعنوان «المطبخ اللبناني بين الأمس واليوم». هذا الكتاب أيضاً وضع مقدمته أمين معلوف. يتفق المؤلفان على أنّ المطبخ اللبناني هو مطبخ قديم وله تراث عريق. ولقد عبّرا في مدخل الكتاب عن نظرتهما إليه فلاحظا أنه يأتي من بقاع مختلفة لا سيما من المشرق، وأحياناً من أمكنة أبعد. ولا يزال هذا المطبخ، منذ قرون وحتى الآن، يتطور ويتحسن. وهو يمثل في الوقت الراهن مجموعة أطباق مدهشة تغطي جميع أنواع الطعام وكلّ مراحل الوجبات. الذين يعرفون لبنان يدركون أنّ المطبخ اللبناني ليس مجرد تجارب متلاحقة في مجال الذائقة، بل هو أكثر من ذلك. إنه طريقة عيش ومرآة للضيافة والكرم وانعكاس لطقس اللحظة الراهنة. تتزايد أهمية هذه القيم اليوم والحفاظ عليها في المجتمعات التي تمارسها خصوصاً أنّ هذه المجتمعات تجتاز مرحلة دقيقة وصعبة وتتّسم بالظلامية والتطرّف واللاتسامح وبالدعوة إلى العنف والانغلاق على الذات وكره الآخر، البعيد والقريب على السواء.