اختارت الحلقات الوثائقية الدنماركية «قلب لا يموت» الفتاة المصرية ياسمين البرماوي لتكون من بين شخصياتها القليلة المنتقاة، كنماذج بشرية ملهمة وشجاعة أصرت، رغم ما تعرضت له من عسف وأذى، على مواقفها وتشبثت في دفاعها عن قيم الحرية والعدالة المؤمنة بها. كرس المسلسل التلفزيوني لكل «قلب شجاع» حلقة كاملة تحدث فيها صاحبه بحرية عن أشد تجاربه الشخصية قساوة، ما أعطى المسلسل صدقية وتميزاً وحقق رغبة معده في تقديم نماذج بشرية قادرة على نقل ما مرت به من محن الى الناس ليستفيدوا منها وكي لا تبقى طي الكتمان كما يريد الجناة. وعلى حد تعبير الغواتيمالي خوسيه زامورا «صمتُنا مشاركة مجانية في الجرائم التي يقترفها السياسيون الفاسدون ضدنا وضد غيرنا»، مشيراً بكلامه الى بعض وزراء حكومة بلاده الذين استغلوا مناصبهم وتعاونوا مع كارتلات تجار المخدرات، فما كان منه إلا أن وقف ضدهم بفضح الفساد والتواطؤ مع كارتلات تجارة الكوكايين من خلال جريدته «أل بيريوديكو». فكانت النتيجة خطف أولاده الثلاثة، ما اضطره الى ترحيل بقية عائلته خارج البلاد خوفاً من تصفيتهم على يد رجال الحكومة والعصابات وحتى لا يتحولوا الى ورقة ضغط عليه تمنعه من فضحهم. وبمقدار قريب من شجاعته وقفت المحامية البنغالية رضوانا حسان مع الفقراء وعمال مصانع الجلود، بعد تعرض كثيرين منهم الى أمراض خطيرة بسبب المواد الكيماوية المستخدمة في صناعتهم والممنوعة دولياً. وحين رفعت صوتها ودافعت عنهم تعرضت للخطف والتعذيب على يد «أزلام» صاحب المصنع في ظل صمت حكومي مريب، ومع كل ذلك وبعدما حررت عادت واستمرت في رفع شكاويها ضدهم في المحاكم. في المقابل، تبدو قصة الناشط السياسي والمدافع عن حقوق الإنسان بيكي دلاميني، أقرب الى السوريالية بسبب ردود فعل ملك سوازيلاند الغاضبة على نشاطه، فحكم عليه بالسجن لأربع سنوات بتهمة «الارهاب» لارتدائه قمصاناً طبعت عليها شعارات تدعو الى الإصلاح السياسي وحرية التعبير. الى يومنا هذا، ما زال دلاميني يرتدي قمصانه الدعائية غير عابئ باحتمال توجيه تهم جديدة ضده. فيما تستمر المحررة في القناة التلفزيونية الصربية «تي في ستشين» في فضح ممارسات اليمين المتطرف والنازيين الجدد ضد المهاجرين في بلادها ولكثرة تهديداتهم شبه اليومية لها، اضطرت الشرطة الى إصدار أمر يلزمها بالبقاء في منزلها خوفاً على حياتها وحياة طفلتها. الغريب أنه تحت هذه الظروف الصعبة، ما زالت برانكيشتا ستانكوفيتش تواظب على إرسال تقاريرها وكتابة برامجها «الاستقصائية» الى محطتها التلفزيونية. صلابة مواقف نادرة استحق عليها أصحابها الظهور في حلقات وثائقية كرست أولاها للعازفة والمؤلفة الموسيقية المصرية ياسمين البرماوي، كونها أول امرأة تظهر عبر شاشة قناة تلفزيونية وتحكي تفاصيل عملية اغتصابها «الجماعية» التي تعرضت لها في شارع محمد محمود وسط القاهرة وأثناء مشاركتها في تظاهرات رفض الإعلان الدستوري في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2012. تستعرض البرماوي سريعاً نبذة عن حياتها وكيف عشقت الموسيقى ولكن ونزولاً عند رغبة أهلها درست مجالاً أكاديمياً مختلفاً، ثم عادت الى الموسيقى ثانية بعدما تركت عملها واتخذتها حرفة. المنعطف الخطير في حياتها حدث في الثالث والعشرين من تشرين الثاني حين ذهبت الى ساحة التحرير بصحبة صديقات لها، وخلال التصادمات التي نشبت هناك بين المتظاهرين وبين أجهزة الأمن واتساع حالة الفوضى، وجدت نفسها وسط مجموعة من الرجال، تجاوز عددهم العشرين، دفعوها بقوة الى الشارع المجاور وهناك قاموا بالاعتداء عليها جسدياً واغتصابها أمام أنظار المارة الذين اكتفوا بالمراقبة وخافوا من التدخل. بألم روت الشابة ما تعرضت له وحرصت على نقل الوقائع بتفاصيلها، فيما شارك آخرون في الحلقة بينهم نشطاء وأطباء في تحليل الظاهرة التي رافقت التظاهرات وسُكت عنها طويلاً لأسباب تحيلها إحدى طبيبات علم النفس الى سلوك عنفي لا يخلو من دوافع سياسية أخذ أشكالاً متشابهة وامتاز بشدة قسوته وارتباطه بتجمع بشري هائل في منطقة صغيرة لم تشهد مثل هذا الازدحام من قبل. فيما شددت الناشطة المدنية ريم كيرولوس على اشكالية مجتمعية تتعلق بتحديد مفهوم الاغتصاب ورخاوة النصوص القانونية التي تتجنب ذكره اسماً وتكتفي بحصره ب «توصيفات لغوية» تصعب معها إدانة الجاني. آراء المشاركين وتعقيد الحالة الاجتماعية أعطت لقرار الشابة المصرية بنقل تجربتها للرأي العام، وبعد مرور قرابة شهرين على الحادثة، بعداً نفسياً معنوياً ساعد في كشف المستور وفضح الجناة حماية لبقية النساء ولوضع المجتمع ومؤسسات الدولة أمام مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية. لم يكن قرارها سهلاً ولهذا أخذ وقتاً طويلاً نضج خلالها فجاء شجاعاً، ساعدها في تجاوز محنتها وتبعاتها النفسية والاجتماعية، فعادت الى الموسيقى وعزف آلة العود بعدما تركتها لفترة شعرت خلالها بأنها غير قادرة على فعل شيء سوى التفكير بالحادثة وذكرياتها الأليمة. أما اليوم فاستطاعت تجاوز الكثير بتماسك داخلي نادر ظهر من خلال تسجيل فيديو لحفلة فنية نظمت العام الفائت بمناسبة يوم المرأة العالمي، قدمت خلالها مقاطع موسيقية مصحوبة بصور ولقطات تدين التحرش الجنسي والانتهاك الجسدي للمرأة وتدعو الى تشديد القوانين ضد المجرمين وأن لا تكتفي الدولة بآخر تشريع لها يحد من التحرش، جاء بعد ضغط شعبي وإعلامي وبمبادرات شجاعة.