ساحة «لا ريبوبليك» الباريسية التي تحوّلت على مدى أسابيع إلى مقصد اجتاحته شموع وزهور تضامناً مع ضحايا 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، كانت أمس ساحة غضب واحتجاج على حالة الطوارئ السارية في فرنسا منذ المجزرة التي نفذتها مجموعة تابعة لتنظيم «داعش» وأسفرت عن مقتل 130 شخصاً. وعلى غرار باريس، شهدت نحو 70 مدينة فرنسية تظاهرات دعت إليها 111 جمعية و19 نقابة، طالب المشاركون فيها برفع حالة الطوارئ المقررة حتى أيار (مايو) المقبل، وعدم إدراج بند تجريد المتورطين في أعمال إرهابية من الجنسية التي صانها الدستور الفرنسي. ويرى المحتجون أن حالة الطوارئ والإجراءات الاستثنائية الناجمة عنها، تؤدي إلى تضييق الحريات العامة وتجيز استهداف فئة معينة من المواطنين، وأن إدراج بند تجريد متورطين من الجنسية ضمن مواد الدستور يمثّل انتقاصاً من الحقوق المكتسبة للأشخاص المولودين في فرنسا. ووزّع المتظاهرون بياناً يشدد على حماية الدولة الممكنة والضرورية لمواطنيها في مواجهة الإرهاب «من دون المساس بالحقوق والحريات»، وعبّر عن رفض المحتجين ل «مجتمع خاضع لرقابة معممة»، والتعامل مع مواطنين بصفتهم مذنبين محتملين. كما أكّد البيان أنه من غير الوارد «الرضوخ للانحرافات المتسلّطة والقرارات الاعتباطية» التي تترتب على حالة الطوارئ، التي كان أشار رئيس الحكومة مانوييل فالز إلى أنها ستبقى سارية حتى القضاء على «داعش». وتتزامن هذه الاحتجاجات مع مناقشة البرلمان لتعديلات دستورية تقضي بإدراج التجريد من الجنسية في الدستور وتمديد حالة الطوارئ التي اعتمدها الرئيس فرنسوا هولاند فور أحداث 13 تشرين الثاني، وتجيز المداهمات الإدارية من دون مذكرات قضائية، وفرض الإقامة الجبرية على أشخاص معينين، ما يعتبره المعنيون بحقوق الإنسان إجراءات خطيرة. وكان مجلس شورى الدولة الفرنسي، أعلى هيئة دستورية في البلاد، ردّ الأربعاء الماضي طلب «رابطة حقوق الإنسان» الداعي إلى تعليق حالة الطوارئ باعتبار أن التهديد الذي برر فرضها لا يزال قائماً. وتثير الإجراءات المتبعة منذ 13 تشرين الثاني والتي أعقبت الاعتداءات التي نفذتها شبكة «كواشي» في كانون الثاني (يناير) الماضي، سجالاً بين الذين يتخوّفون على مصير الحريات العامة والذين يعتبرون أن التضييق الموقت على الحريات مبرَّر، نظراً للطبيعة الخبيثة للتهديد الإرهابي القائم في فرنسا. وتعبّر هذه الأجواء مجدداً عن المزاج الفرنسي الذي يريد باستمرار الشيء ونقيضه، ويتوقّع من حكامه ومسؤوليه أن يلبوا ذلك. ولا يبدو مستغرباً أن يكون في عداد المحتجين على حالة الطوارئ في ساحة «لا ريبوبليك» كثر ممن أموا هذا المكان تضامناً مع الذين سقطوا على مقربة منها.