اتخذت الكتابات النثرية عند أبناء طرابلس (لبنان) أهمية تاريخية لأنّها عكست طبيعة المرحلة التي كانت تعيشها المدينة على صعيد واقعها الثقافي والفكري، ولعل الباحث في مؤلفات الطرابلسيين، وما يقع بين يديه من إنتاج لأعلام تلك الفترة يجد نفسه أمام إنتاج وافر تنوعت مواضيعه وتشعّبت أبحاثه لدرجة أنك تخال المدينة وكأنها نقضت غبار الركود والخمول الذي كان السمة الأساسية للواقع الثقافي لأكثر المدن العربية، فارتدت لذاتها رداء جُمّل بالعديد من المؤلفات التاريخية والحضارية والاجتماعية والدينية والفلسفية واللغوية التي برع بها أبناء الفيحاء. وإذا كانت الصفة العامة للإنتاج النثري الذي تميّز به العالم العربي آنذاك هو التآليف الدينية والشروح اللغوية والذي اعتّبر امتداداً للكتابات التي سادت المجتمع العربي في القرون السابقة، فإنّ ما وجدناه في أبحاث ومؤلفات سابقة جعلنا نقف مندهشين ومثمّنين عالياً الجهود التي بذلها الأعلام الطرابلسيون بغية إعطاء مدينتهم وجهاً مختلفاً عما هو في أذهان العديد من الباحثين والمؤرخين للواقع الثقافي للمجتمعات العربية آنذاك. استطاع الإنتاج الفكري أن يلعب دوراً مهماً في إغناء الحياة الثقافية للمدينة ويُكسب تلك الكتابات أهمية تاريخية خاصة، كما أنّه اتخذ أشكالاً مختلفة تراءت لنا من خلال أبحاث عدة، كتب فيها طرابلسيو تلك الحقبة، ولعل أبرز ذلك الإنتاج جاء في الشروح وكتب السير والمباحث الاجتماعية والتاريخية والفلسفية والعربية والدينية وصولاً إلى الإنتاج المسرحي والسياحات العلمية. ففي ميدان الشروح انصبّت جهود علماء طرابلس على شرح تآليف سواهم من أعلام العصور القديمة وشعرائها، وكان في مقدمة من عمل في هذا المضمار الشيخ إبراهيم الأحدب الذي جاء شرحه ل «مجمع الأمثال» للميداني نوعاً من النظم الذي أتبعه بتآليف إضافية على هذه الأمثال. وقد سمى الشيخ الأحدب كتابه هذا «فرائد اللآل في مجمع الأمثال» وهو يقول في مقدمة هذا الشرح: «أما بعد فإني نظمت مجمع الأمثال للميداني أبدع نظم، وكان له في كل غرض من فنون الشعر حيث أتيت من ضرب أمثاله بضروب من المعاني، وحيث كانت بعض تلك الأمثال لا تخلو من الغريب أردت أن أعلّق على ذلك المنظوم شرحاً يؤهل الغريب ويدني الأجنبي من فهمه فيجعله إليه أقرب قريب، آخذاً ذلك من شرحه ومن كتب الأمثال بالإيجاز». ومن شروحات الشيخ إبراهيم الأحدب كتاب آخر سماه «كشف الإرب عن سر الأدب» وقد قسّمه إلى ثمانية أبواب، وضع لها عناوين مختلفة تدور حول العقل والعلم والزهد والعبادة وأدب اللسان وحسن السيرة وأدب الناس ومكارم الأخلاق وحسن السياسة وحسن البلاغة. وكانآخر مؤلفاته كتاب «كشف المعاني والبيان من رسائل بديع الزمان». ولقد وضّح الغرض الذي دفعه إلى هذا الشرح وقال: «جرت عادة الأدباء والبلغاء في إنشاء الرسائل والخطب أن يستعملوا اللغة في غير ما وضعت له». وربما كانت تلك المناسبة خفية تحتاج إلى زيادة نظر وإمعان في المعنى المستعمل به، ولذلك وضع صاحب الألفاظ الكتابية كتابه لهذا المعنى، فإنّ أكثر ما ذكره في ذلك الكتاب مستعمل في غير ما وضع له مع علاقة مناسبة، وغرضنا بهذا الكلام تنبيه من يطالع رسائل هؤلاء القوم كهذه الرسائل أن يتروّى في تدبر معانيها، ولا يسرع إلى تخطئتهم بعدم وجود معنى للألفاظ التي استعملوها. ومن الطرابلسيين الذين شغفتهم تلك المباحث نوفل نوفل (1811 - 1887) الذي تميّز بإنتاجه الوافر والمتنوع، بعضه كان ترجمة، وبعضه الآخر ألّفه تأليفاً. أما الترجمة فمنها قوانين المجالس البلدية وكتاب في «أصل ومعتقدات الأمة الشركسية»، كما ترجم كتاب «دستور الدولة العليّة» الذي طبع في المطبعة الأدبية في بيروت عام 1301ه، وكتاب «حقوق الأمم» الذي طبع في بيروت عام 1873م. وما يلفت النظر أنّ نوفل نوفل كان يجهل أياً من اللغات الأجنبية من دون أن يُشكل ذلك عائقاً لوفرة مؤلفاته، وهذا ما يخبرنا به في مقدمة كتابه «زبدة الصحائف في أصول المعارف» حيث يقول «كلّفتني البطالة والسآمة من العطالة أن أتحلى بالتطفل على موائد المؤلفين فألخص مما طالعته من كتب بعض المؤرخين تاريخاً يتضمّن كيفية تنقل العلوم والفنون بين الشعوب والقبائل منذ خُلق الإنسان إلى الآن، وأوضح لمن هم نظيري من أبناء الوطن الذين لا يعرفون لغات الإفرنج الوسائط التي استعملت لحيازة درّها المكنون في كل عصر وزمان في مؤلف استوعب ذلك فيه بقدر ما استطاع وتصل إليه يدي القصيرة الباع نظراً لما عندي من الأدوات القاصرة والعوائق المتكاثرة وأخصّها ندرة وجود غيرها لدي من المؤلفات اللازمة لاستيفاء الكلام على هذا الموضوع في اللغة العربية، وعدم معرفتي لغة تساعدني على إنجاز هذا المشروع كما يجب من اللغات الأجنبية». وفي كتاب «زبدة الصحائف في أصول المعارف» يتطرق الى تاريخ العلوم عند الأمم القديمة وتاريخ الفلسفة عند الكلدان والفينيقيين والفرس والهند واليونان والصينيين والمصريين، وجعل الكتاب في مقالتين: الأولى في تاريخ الفلسفة بعامة، والثانية قسّمها إلى أربعة أبحاث: البحث الأول في المنطق والثاني في الآداب والثالث في الطبيعيات، أما الرابع فقد أفرد له مؤلفاً سماه «سوسنة سليمان في أصول العقائد والأديان» تكلم فيه على حالة الإنسان ومرائيه المتمدنة وروابط الائتناس البشري السياسية والأدبية، وجعل فصوله التالية عن أديان الناس الوثنية والمجوسية إلى الأديان الإلهية كاليهودية والنصرانية والإسلامية. أما كتابه الثاني فكان «صناجة الطرب في تاريخ العرب» وهو كتاب يكشف على سعة اطلاع مؤلفه وغزارة علمه في تاريخ العرب وآدابهم وأخلاقهم وأوصافهم وأديانهم ومعابدهم، وعن فضائلهم وشجعانهم وخيولهم ودولهم وأصول العلوم عندهم. والشيخ حسين الجسر، كانت له وقفة طويلة على هذا النوع من المباحث، سطّرها في الأجزاء المتلاحقة من جريدة «رياض الشام» في كتابه «هدية الألباب في جواهر الآداب» ومن المواضيع التي بحثها: حسن المعاملة من الدين، التربية الحقة، عدم الاغترار بنصيحة المخادعين، حكمة حرمة المقامرة، مواعظ التاريخ، حقوق الجار وحرمة إيذائه، سلامة الإيمان، الأذواق والإفهام، آداب الطلاب، الصلاح بالانصلاح، خطر البغي، وهي مواضيع عالجها الشيخ الجسر لطرح آرائه الإصلاحية، كما تبيّن عمق تفهّم كاتبها للعقبات التي تعترض تطور المجتمع لما هو أفضل وأحسن. ووضع الشيخ عبدالقادر المغربي كتاباً سمّاه «الأخلاق والواجبات» ويشرح السبب الذي دفعه إلى وضع مثل هذا المبحث فيربطه بحاجة الإنسان والمجتمع إلى الأخلاق الفاضلة، فالإنسان بأخلاقه الفاضلة وآدابه الرفيعة يمكنه أن يعيش في هذه الدنيا مطمئناً هادئ النفس، حسن التصرف في الأمور، فيكون سعيداً مهملاً نقصه من مطالب الحياة الأخرى، وهو يحدّد الأسباب التي دفعته لوضع الكتاب فيقول» فكل ما نريده اليوم كتب أخلاقية يستعين بها المعلمون والأدباء وجميع المتصدّين لإرشاد العامة ولتربية الطلاب والناشئين» أما الشيخ عبدالمجيد المغربي، فكتب العديد من الكتب التي تناولت مواضيع دينية وفلسفية ومنها كتابه» المنهاج في المعراج» وهو مبحث ديني تطرّق فيه إلى موضوع العروج المحمدي إلى السماء أكان بالروح والجسد أم بالروح فقط؟ وهل كان يقظة أم مناماً؟ ويتساءل في ما إذا كان يقظة بالروح والجسد؟ فما هي الأدلة الدينية والعلمية على ذلك؟ وهل يمكن للعقل أن يصدّق حدوث هذا الأمر وبأي وجه يمكن إقناع من ليس بمسلم بذلك. ولعبداللطيف العلمي الحسيني مبحث ديني حول هداية المبتدئين إلى بيان أحكام تجويد الكتاب المبين، يقول في مقدمته: «أما بعد فيقول الفقير إلى مولاه الغني عبداللطيف ابن السيد عبدالرحمن العلمي الحسيني: لما قرأت على حضرة الأستاذ الإمام الشيخ محمد شميسم شيخ القراء بطرابلس الشام أحكام التجويد سنح في فكري القاصر وجفائي الفاتر أن أجمع رسالة سهلة للمبتدئين في هذا الفن، فجمعتها مما تلقيته عن ذلك الأستاذ ومن مراجعة كتب أئمة هذا الفن الأكارم ورتبتها على سؤال وجواب لتكون أسهل للطلاب وسميتها هداية المبتدئين إلى بيان أحكام تجويد الكتاب المبين» وفي ميدان الصحافة وجدنا لمحمد جمعة الزيلعي نسخة من عدد «اللواء الإسلامي»، وفيه مواضيع عدة كتبها أبناء الفيحاء ومنها موضوع التفسير للشيخ محمد الحسيني وموضوع آخر حول الأحكام الشرعية لأحمد نديم الزعبي. وزادت أهمية الإنتاج النثري عند أعلام طرابلس بدليل إقبالهم على الغوص في العلوم والمباحث اللغوية والحضارية بهدف التمكن من قواعد اللغة العربية. فالقاضي أحمد سلطان وضع مؤلفات نفيسة منها شرح مسهب لمقامات الحريري وكتاب في المعاني ورسالة في شرح بعض المسائل الفقهية. وكذلك فعل الشيخ إبراهيم الأحدب الذي وضع العديد من التآليف اللغوية منها: «وشي البراعة في علوم البلاغة والبراعة» و «تحفة الرشدية في علوم العربية». وتضمّنت هذه المؤلفات إرشادات للمعلمين والمتعلمين في سبيل إتقان اللغة والتمكّن منها. كما كان للشيخ الأحدب مؤلفات تدور حول مسائل الصرف والنحو منها كتاب «إبداع الإبداء لفتح أبواب البناء في التصريف» ومن قراءة مقدمة الكتاب يتبين أنّ الشيخ الأحدب نصّب نفسه مدافعاً عن الحق الذي عبث به «صبيان المكاتب» ودسوا أنوفهم في أمور اللغة التي لا قبل لهم عليها أمام العلماء والشيوخ. كما انتشر في الوقت ذاته تعليم العلوم العربية على يد بعض أعلام المدينة الذين كانوا يستقبلون طلابهم، إما في مساجد المدينة أو في مدارسها، كما فعل الشيخ محمد بن سعد الدين باشا المنسوب لبني سيفا الذي علم علوم العربية وآدابها في مدرسة الفرير، أو كالشيخ إبراهيم الفتال الذي علم اللغة العربية أيضا وكان من تلامذته الأديب فرح أنطون. أما في المباحث الفقهية فإننا نلاحظ أن جهد بعض علماء طرابلس انصبّ على التلخيص والشرح والتعليق على موضوعات كثر فيها من قبل الأخذ والرد. بدليل ما فعله الشيخ محمد القاوقجي الذي وضع «شرح الآجرومية على لسان أهل التصوف» و «الغرر الغالية على الأسانيد العالية» و «شرح على الكافي في علمي العروض والقوافي». وفي ما فعله الشيخ عبدالغني الرافعي الذي وضع تعليقات تبلغ نحو المجلد على حاشية ابن عابدين. أما فرح أنطون فكانت له كتابات نثرية اكتسبت أهمية خاصة من خلال مجلته «الجامعة» التي أصدر منها سبعة مجلدات عالج فيها مواضيع اجتماعية متنوعة. كما ظهرت آراؤه في الحب والزواج في روايتين هما: «أورشليم الجديدة» و «الوحش». وتعدت الأهمية التاريخية للكتابات النثرية المواضيع المألوفة لتصل إلى حد الغوص في التجربة المسرحية والكتابة فيها، وتعتبر هذه المحاولة نقلة متقدمة على صعيد الإنتاج النثري الذي كتب فيه الأعلام الطرابلسيون. وراق هذا الفن للشيخ إبراهيم الأحدب الذي كان له كلف بالروايات حتى بلغ ما جمعه منها نحو عشرين رواية بعضها مبتكر والآخر مأخوذ من التاريخ. أما الروايات التي استقاها من التاريخ العربي قبل الإسلام، فهي رواية «مجنون ليلى» و «زوجة النعمان» في حين أنّ رواية «جميل وبثينة» ورواية «أبو فراس والجارية جنان» و «المعتمد بن عباد» و «ابن زيدون» و «ولادة بنت المستكفي» فكلها كانت مأخوذة من التاريخ الإسلامي. كما كان في عداد الذين اهتموا بكتابة المسرحيات يعقوب غريب الذي اهتم بكتابة الروايات الهزلية كرواية «أبي شهدا» التي مُثلت في طرابلس ونالت الاستحسان ورواية أدبية تهذيبية هي رواية «الأمير جوزيف». ووضع أنطون زريق رواية عنوانها «الزواج السري» يصفها عبدالله نوفل بأنّها كانت لطيفة العبارة والتنسيق. المؤلفات التاريخية التي كتبها أعلام الفيحاء لم يكتف واضعوها بالحديث عن تاريخ البلدان العربية الواقعة آنذاك تحت الحكم العثماني في ما وجدناه عند جرجي يني في كتابه «تاريخ سورية»، وإنما فاضت أقلام الطرابلسيين بالكتابة عن تاريخ الأمم الأخرى كما فعل حكمت شريف الذي كان له أكثر من أثر تاريخي إذ نجد له «تاريخ زنجيار» و «تاريخ فرنسا» و «تاريخ سيام» والذي كتبه لمناسبة زيارة ملك تلك البلاد للقطر المصري عند عودته من سياحته في البلاد الأوروبية، واستند في كتابته الى ما جمعه من بعض الكتب التاريخية والجغرافية المختلفة وبعض المجلات والجرائد القديمة والحديثة. كما استهوى التاريخ لبيبة صوايا (1876 - 1916) التي وضعت رواية تاريخية باسم «حسناء سالونيك» تكلمت فيها عن تاريخ الانقلاب العثماني وما جرى فيه من أحداث وتغيّرات. أما فريدة عطية (1867 - 1917) فلقد اهتمت هي الأخرى بالتاريخ وترجمت عن الإنكليزية «أيام بومباي الأخيرة» كما أنّها ألّفت رواية «بين عرشين» في حوادث الانقلاب العثماني. ولم تقف اهتمامات أعلام طرابلس عند هذا النوع من الإنتاج النثري، وإنّما نظّموا رحلات داخل البلدان السورية وخارجها، ودوّنوا ما شاهدوه وسجّلوا انطباعاتهم عما رأوه في تلك المناطق التي زاروها. ومن هؤلاء محمد كامل البحيري الذي ترك لنا سياحة «اثنين وثلاثين يوماً في حمص وبعلبك ودمشق وبيروت من 16 أيلول (سبتمبر) إلى 17 تشرين الأول (أكتوبر) 1902م». أما ديمتري خلاط، فترك لنا كتاباً سماه «سفر السفر إلى معرض الحضر» الذي طُبع في مطبعة المقتطف في مصر عام 1861. وتحدث فيه عن السياحات التي قام بها عند مغادرته مدينة الإسكندرية برفقة أخيه وامرأته عام 1889 على متن سفينة نمسوية إلى عدد من البلدان الأوروبية. وحدثنا في هذه السياحة عن مدينة بومباي وبيوتها ومساجدها وحماماتها ومجلس أحكامها وعن جبل فيزوق ونابولي وفنادقها وكنائسها، وعن زيارته المتحف الكبير (الموزيوم الفاتيكان). كما يصف مدينة ميلانو ومبانيها الحديثة. ويتحدث عن سويسرا ومقاطعاتها وشرق فرنسا وعن برج إيفل وقصر الصناعة وحديقة التويلري وقصر اللوفر والمكتبة الوطنية وساحة الجمهورية وساحة الباستيل وكنيسة التميل ودار العجائب والغرائب ورصيف فكتوريا وأسواق لندن وشوارعها. ومع دخول مدينة الفيحاء عتبة القرن العشرين اتخذت الكتابات النثرية بعداً فكرياً أعمق وأشمل وبدت عقول الأعلام الطرابلسيين أكثر استنارة بدليل ظهور بعض المؤلفات التي تحدث فيها مؤلفوها عن مواضيع لم تكن متداولة في القرن التاسع عشر. فالشيخ عبد المجيد المغربي لم يقف عند مؤلفه «المنهاج والمعراج» على السرد التاريخي والديني لهذا الموضوع الحساس وإنما طرح تساؤلات وغاص في الأدلة الدينية والعلمية ودور العقل في تصديق هذا الحدث المعجزة. وحذا حذوه في ما بعد الشيخ سامي صادق ومحمد عبدالرحمن مرحبا في التأكيد على تلك النقلة النوعية. وشملت الكتابات النثرية لأعلام الفيحاء الحديث عن سيَر وكرامات بعض أبناء المدينة في ما وجدناه في كتاب تحدث فيه مؤلفه عن كرامات للشيخ علي العمري، إلى جانب ما عثرنا عليه من آراء في تلك الكرامات، كرأي الإمام محمد رشيد رضا وما ذكره رفيق التميمي ومحمد بهجت عن الشيخ العمري إضافة إلى أخبار زيارة مدحت باشا وتقبيله عتبة دار الشيخ العمري وغيرها من الأعمال الخارقة التي نسبها مؤلف الكتاب الى الشيخ العمري. وجاءت ترجمة سيرة حياة الشيخ عبد الكريم عويضة أثراً مهماً لحياة ذلك الشيخ العالم. ويذكر مؤلف الكتاب أنّ غرضه من هذه الترجمة ليس مجرد المديح بل «لعل أكبر همي وغاية متمناي أن يكون للعلماء في هذه السيرة خير أسوة ولطلاب العلم أشرف قدوة». وقد يكون من نافل القول إنّ لأمثال هذه الترجمة أهمية كبرى و «إنّ عدم عنايتنا بها في الشرق لا يعني إلا شيئاً واحداً وهو أنّ الميزان الذي به نزن الحياة يميل في غير مصلحة الأفراد والجماعات وإلا فإنّ أقل واجب علينا تجاه معلمي الناس الخير تسجيل مآثرهم وتخليد ذكراهم لنشجع مجتمعنا على الإقبال على العلم والمعرفة» وتضمّن الكتاب فصولاً مهمة تتعلّق بسيرة حياة الشيخ عبد الكريم عويضة وجهوده ونشاطه في سبيل نشر العلم والدين في طرابلس. وهكذا تبدو الأهمية التاريخية لهذه الكتابات في فترة برزت فيها بوادر التحول الثقافي والفكري في سماء الشرق العربي، ولا ندّعي القول إنّ هذه المباحث كانت قمة في الصياغة النثرية، وإنّ مواضيعها وأبحاثها كانت بمثابة الهدف المنشود الذي سعى إلى بلوغه مستنيرو المدينة والوقوف عنده، إلا أنّها شكّلت المدخل الأساسي لاستنارة العقول والشعاع الذي أضاء النور وسط ظلمة حالكة ألقت بكاهلها الضاغط على عقول أبناء المدينة، وجعلتهم يلتمسون في كتابتهم النثرية أفضل السبل لإعادة الزخم الحضاري الذي كان السمة الأساسية لتاريخ هذه المنطقة.