حاور النحات المصري آدم حنين، في معرضه الذي نظم في القاعة الكبرى في مكتبة الإسكندرية عناصره التي استطاع من خلالها إعادة صوغ إشكالية النحت العربي ضمن متغيرات الواقعية في الفن وتطورها، منجزاً مفرداتها التي تشكلت بمفاهيم بصرية أعادت بناء الذخيرة الإرثية لحضارات وموروثات اختفت منذ فترة طويلة. استطاع حنين على مدى خمسين عاماً أن يستظهر خصوصية تراثية في كل أعماله، هذه الخصوصية المنفلتة من طوق الاستنساخ الذي التف حوله نحاتو هذا العصر. فلا تمكن رؤية الفن التشكيلي العربي المعاصر، من دون حنين الذي يتعامل مع خامات النحت بكل صلابتها وقسوتها، منجزاً أشكاله بديناميكية وألفة تمنح الخامة النحتية كياناً جديداً. وضم المعرض 100 منحوتة تُبرز البيئة المصرية، مؤسسةً بناءه الفني الحداثي، ومستنطقة في كل وجه حكايته الخاصة كالطربوش والكف والكمامة والقناع والخيط والهندسة والقلادة واليشمك (غطاء للوجه من قماش رقيق مثقب). كما يكوّن كتلاً يبحثها في الخير والشر، ويجسدها في معاني الحب والمعاناة البشرية من خلال قيم وموروثات اجتماعية وحضارية اختفى معظمها. وفي المعرض تأخذك هذه الوجوه لتتأمل الرأس وهي تهجر كتلتها كي تصير سطحاً، وتأخذك الرأس أيضاً في استدعائها الحتمي للجسد بين المواجهة والانعطاف. كما قدم حنين عدداً من اللوحات كلها تجريدية، مع استثناءات ذات صبغة موضوعية أو تشخيصية. يقول الفنان عادل السيوي: «تطل رؤوس آدم حنين تواجهنا أحياناً وأغلبها تشيح عنا منهمكة في حضورها داخل نفسها بلا ملامح، فلا مجال لتقصي الحالة، فهي ليست بوابة لعوالم داخلية، ولا هي يقظة تجاه الخارج، لا تضاريس معلنة ولا حدود خارجية مشدودة، فعلى أي أرض تقف؟ تبقى وجوه آدم مغلقة على ذاتها حتى تأتي أشياء العالم لتكسب كل وجه حكايته الخاصة». وفي سياق متصل، أكد مدير مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية شريف محيي الدين أن آدم حنين اسم كبير لرسام ونحات مصري تخطت شهرته أرض وطنه ليصبح فناناً عالمياً يضاهي في حداثته وأصالته الكبار، وقد خصصت مكتبة الإسكندرية هذا المعرض الاحتفائي تكريماً لحنين الذي يلقب بكاهن النحت المصري. فهو واحد من قلائل أفنوا حياتهم في محراب الفن. وكاهن لأن روحانيته العميقة تُستشف من سمو كياناته الممتلئة بإشعاع داخلي مظهرة ارتباطاً قوياً بتقاليد مصر الفرعونية والثقافة العربية. يقول حنين: «لا أظن أنني تغيرت، فهناك استمرارية واضحة في أعمالي... للزمن الفني مقياسه الخاص، وما أنتجه الآن يشبه إلى حد بعيد ما كنت أنتجه في ذلك الوقت (في خمسينات القرن الماضي)، إنها رحلة في درب واحد سرت عليه منذ البداية ولم أحد عنه أبداً».