تحجب قضية النقاب في أوروبا، خصوصاً في بلجيكا التي شرّعت منعه وفرنسا التي تتجه الى تشريع مماثل، مسألة فائقة الحساسية تتعلق بمدى تمكن المسلمين الأوروبيين من أن يتولوا بأنفسهم أن يظهروا صورة ايمانهم الديني، سواء لجهة العلاقة بالآخرين أو لجهة أنماط السلوك الاجتماعي. يمكن قول الكثير عن دوافع التوجه الى منع النقاب بقانون، ومحاولات تسييسه من سلطات وأحزاب وفئات أوروبية. وكثير من هذه الدوافع يقع في خانة افتعال «أزمة كبيرة» من مسألة غير قابلة للخضوع لقانون. حتى ان المجلس الدستوري الفرنسي حذر حكومة فرنسوا فييون من لا دستورية مثل هذا التوجه عندما طرحت فكرة حظر النقاب، بتوجيهات من الرئيس نيكولا ساركوزي. وتحدث كثير من الخبراء الفرنسيين في علوم الاجتماع والاديان عن عدم فائدة مثل هذا القانون، لا بل عن الاضرار التي يمكن ان يلحقها بصورة مواطنين يتبعون الدين الاسلامي. وجرى استغلال لقضية الجزائري المتزوج من فرنسية منقبة في الوقت الذي يقيم علاقات زوجية مع نساء اخريات يقطنّ في الحي نفسه في ضاحية مدينة نانت، على نحو يظهر سهولة الخلط بين قضية محددة تقع في اطار «المنوعات» الصحافية وبين صورة للمسلمين الأوروبيين يجري فرضها على الرأي العام. وذلك على رغم ان محامي الدفاع عن الجزائري المزواج اعترفوا بان الرجل لم يفعل سوى ما قد يفعله اي فرنسي آخر، اي انه متعدد «العشيقات» وليس «الزوجات»، وتالياً لا يقع تحت طائلة قانون تعدد الزوجات. وقد كان رجع الصدى لهذه المسألة لدى نجوم الفضائيات ومهرجانات التحريض، من خلال اعلان الرفض المطلق لفتاوى لهيئات اسلامية اوروبية وأئمة أوروبيين تشدد على تيسير ممارسة الدين وليس تعسيره. خصوصاً لجهة السعي الى تطابق العبادة مع مجتمع المسلمين الأوروبيين. فاذا كان ثمة نص مثلاً بامكان تعدد الزوجات، وهي ممارسة تتراجع باطراد في كل ارجاء العالم الاسلامي، فان العودة إليه لتبرير قضية الجزائري المزواج تقع في إطار تعقيد العبادة من جهة، وتعريض الأوروبي المسلم ليتخذ صورة المزواج فحسب، وتالياً المخالف للقانون والمتعارض مع المجتمع الذي يعيش فيه. وإذا كانت مسألة النقاب لم تجد لها حلاً بين العلماء المسلمين في العالم الإسلامي، وتتعدد وجهات النظر والفتاوى في شأنها، بين كونها من صلب العقيدة وكونها عادة اجتماعية، فكيف يمكن ان يفرض الدعاة الفضائيون وجهة نظر واحدة على المسلمين الأوروبيين؟ لقد سيّس سياسيون أوروبيون صورة الاسلام لمصالح سياسية، من خلال التركيز على النقاب وتعدد الزوجات. وكذلك سيّس الدعاة الفضائيون هذه الصورة للترويج لمصالح سياسية أيضاً. فبمقدار ما يسعى هؤلاء السياسيون الى استغلال مشاعر الخوف من «إسلام متشدد» في أوروبا، بمقدار ما يسعى الدعاة الأصوليون الى زيادة الهوة بين المسلمين الأوروبيين وأوطانهم. وفي مثل هذا المناخ تولد مشاعر العداء للآخر، وصولاً الى عزلة المواطنين المسلمين، وصولاً الى تفريخ الخلايا المتطرفة والارهابية. وسمعنا في الأيام الماضية ردوداً من دعاة عرب على فتاوى هيئات أوروبية تشدد على تيسير حياة المسلمين الأوروبيين، فرفضوا هذه الفتاوى بوصفها مشبوهة المصدر وغير متطابقة مع الافكار المتشددة للأصوليين. ودعا هؤلاء الدعاة الأصوليون المسلمين الأوروبيين الى رفض هذه الفتاوى والتقيد بتلك المراكز المتشددة، ما يعني تعسيراً لحياة المسلمين في أوروبا.