سيدخل البرلمان المصري خلال أيام اختباراً جديداً في علاقته بالحكومة، عندما يبدأ مناقشة برنامجها، بعدما أثار رفضه قانون «الخدمة المدنية» تحفظ الرئيس عبدالفتاح السيسي، فيما تغلّف الانقسامات الداخلية نقاشات النواب حول تعديلات على اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتي من المتوقع إقرارها في 7 شباط (فبراير) المقبل، تمهيداً لتشكيل اللجان البرلمانية. ويتوقع أن يلقي السيسي قبل منتصف الشهر المقبل كلمة أمام نواب البرلمان، يعرض فيها استراتيجية حكمه خلال الفترة المقبلة وعلاقته بمجلس النواب، قبل أن تلقي الحكومة برئاسة شريف إسماعيل بياناً ستعرض فيه برنامجها، والذي سيُناقش تفصيلياً داخل اللجان البرلمانية قبل التصويت عليه. وكان السيسي أعرب على هامش كلمته لمناسبة احتفالات أعياد الشرطة السبت الماضي، عن استغرابه من رفض قانون الخدمة المدنية الذي أصدره في آذار (مارس) العام الماضي، مؤكداً أن القانون كان يهدف إلى الإصلاح الإداري في الدولة، ولم يصدر للإضرار بموظفي الدولة، ما أثار شكوكاً حول العلاقة المستقبلية بين المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية، لا سيما في ظل الانقسامات التي يعانيها مجلس النواب، وغياب تكتل حاكم في التصويت. ويهيمن المستقلون على البرلمان ب 325 مقعداً من أصل 596، فيما تتوزع 246 مقعداً آخر بين 19 حزباً يتصدرها حزب المصريين الأحرار ب 65 مقعداً فقط. وكان إسقاط قانون «الخدمة المدنية» أظهر هشاشة تحالف «دعم مصر» الذي يقوده اللواء السابق في جهاز الاستخبارات سامح سيف اليزل، الذي رغم إعلانه امتلاك غالبية الثلثين إلا أنه لم يتمكن من حشد أعضائه في اتجاه تمرير هذا القانون. وأمام استحواذ المستقلين على غالبية مقاعد المجلس، ظهر خلال الأيام الأخيرة حراك داخلي لتأسيس تحالف يضم ممثلي محافظات صعيد مصر في البرلمان تحت مسمى «تكتل نواب الصعيد»، ويطالب هؤلاء بتمثيل واسع داخل اللجان النيابية، باعتبار أنهم يمتلكون نحو 38 في المئة من إجمالي مقاعد البرلمان. وأوضح النائب عن مدينة نجع حمادي (صعيد مصر) محمد الغول: «لا بد أن يتوازى تمثيل نواب الصعيد في رئاسة اللجان النوعية مع نسبتهم تحت القبة، بما يشمل نصف اللجان». ولم تتوقف مواقف نواب الصعيد في البرلمان فقط عند حد المنافسة على رئاسة اللجان، بل شملت موقفاً شبه جماعي لرفض قانون الثروة المعدنية والدخول في مشادات مع الحكومة خلال مناقشته في لجنة المقترحات والشكاوى، ثم في الجلسة العامة للمجلس الأربعاء الماضي. اعتبر نواب الصعيد خلال المناقشات أن قانون الثروة المعدنية ساوى بين جميع الفئات والشرائح في ما تحصّله الدولة من أصحاب المحاجر، وممن يعملون في مجالي الرخام والغرانيت، وأن أصحاب المحاجر يدفعون ثمناً باهظاً جراء هذا القانون. لكن خلال الجلسة العامة، أقر غالبية أعضاء المجلس القانون، وسط حالة غضب ظلت مسيطرة على قاعة البرلمان بعد الانتقال لمناقشة قانون الخدمة المدنية الذي رفضه غالبية الأعضاء. وبالتزامن مع ذلك ظهرت أيضاً خلافات حادة بين النواب الشباب وبقية أعضاء البرلمان، بعدما قرر رئيس البرلمان علي عبدالعال طرد أحد النواب الشباب، ما دعا اثنين من زملائه إلى الانسحاب تضامناً معه. وكانت الأزمة بدأت بمشادة بين النائب الشاب أحمد الطنطاوي ونائب آخر، وتدخل على إثرها عبدالعال، وقرر تطبيق اللائحة على الطنطاوي وإخراجه من القاعة لعدم التزامه الهدوء، قبل أن يعلّق عبدالعال على الواقعة بتأكيد «ضرورة احترام الأعضاء الشباب للتقاليد البرلمانية». وبعد هذا الخلاف، عقد عبدالعال لقاء خاصاً مع النواب الشباب لتهدئة الأجواء المشحونة، وأعرب لهم خلاله عن احترامه وتقديره لدورهم داخل المجلس. ويمثّل الخلاف مع الشباب أزمة حقيقية داخل البرلمان، إذ يستحوذ الشباب داخل المجلس على نسبة غير مسبوقة في تاريخ مصر، بوجود 60 نائباً منتخباً تحت سن 35 سنة، و125 نائباً تتراوح أعمارهم ما بين 36 و 45 سنة، ما يجعل إجمالي عدد الشباب تحت قبة البرلمان 185 نائباً بنسبة 32.6 في المئة من إجمالي عدد النواب.