تسببت أزمة تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا، بخلافات حادة بين دول الاتحاد الأوروبي، وصلت في بعض الأحيان إلى التهديد بانفراط عقده. ويشكل الخلاف بين الحكومة الإيطالية بزعامة (الديموقراطي) ماتيو رينزي ورئيس المفوضية الأوروبية (اللوكسمبورغي) جان كلود يونكر أحد أبرز العقد المستجدة، فعنونت صحيفة «وول ستريت جورنال» في متابعتها تلك الخلافات: «انقسام جديد في خط الجبهة الأوروبية». وفسرت الجريدة الاقتصادية الأهم في العالم، السجال بين المسؤولَين الأوروبيَّين بأنه «مواجهة بين روماوبرلين»، أو في شكل أدق ما بين رينزي والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل. وعلى رغم أن رينزي ليس الزعيم الإيطالي الأول الذي يواجه مركل وبيروقراطية المفوضية الأوروبية، إذ سبقه في ذلك رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو بيرلسكوني وزعامات رابطة الشمال الإيطالية الانفصالية وحركة «5 نجوم» بزعامة الكوميدي السابق بيبّي غريلّو، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها السجال بين روما وبروكسيل اهتمام أبرز الصحف الأميركية، وهي المرة الأولى التي تُستثار فيها مخاوف أعلى تلال روما، أي تلّة «الكويرينالي»، مقر رئاسة الجمهورية، فأعرب الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا عن «المخاوف في أن يتحوّل السجال إلى مواجهة حقيقية» بين الاتحاد الأوروبي وإيطاليا التي تندرج ضمن مجموعة الدول الخمس المؤسسة الاتحاد وهي من الدول الأكثر أهمية فيه، سواء من جهة عدد السكان أو مقدار المساهمة المالية في موازنة الاتحاد (180 مليون يورو سنوياً). ولم تقتصر المخاوف على الرئيس فحسب، بل أبدى المصرف المركزي الإيطالي أيضاً القلق ذاته. ويدعي مناهضو رينزي في إيطاليا أن رئيس الحكومة الشاب «يرحّل فشل سياساته الإصلاحية والاقتصادية إلى خارج الحدود» ويحاول، كما فعل سابقوه في هذا المضمار، أي بيرلسكوني ورابطة الشمال وبيبّي غريلّو. ولعل أكثر ما أثار حنق رينزي ووزير خارجيته باولو جينتيلوني، تصريحات أدلت بها مصادر لم تُكشف هويتها، قيل أنها مقرّبة من يونكر، جاء فيها: «لا نجد في روما محاوراً مناسباً نتواصل معه»، ملمحةً إلى وجود أزمة حكومية وبأن رينزي ما عاد قادراً على الحكم. ويوحي عدم إصدار يونكر أي نفي أو تفنيد لتلك التصريحات، بصحتها، وثمة مَن يؤكد أنه واثق من ضعف الحكومة الإيطالية ورئيسها وأنه «استشف ذلك من استقصاءات لآراء زعماء أوروبيين»، والدليل أن لا أحد من تلك الزعامات، وتحديداً الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انبرى للدفاع عن رينزي. وتقف خلفية الأزمة بين روماوبرلين قضيّتا الهجرة غير القانونية والملف الليبي، ففي حين يتواصل الحوار حول الموقف الذي ينبغي على دول الاتحاد اتخاذه من الأزمة في ليبيا، وما إذا كان ينبغي التدخل عسكرياً فيها، تتضارب وجهات النظر في شأن ملف الهجرة وتداعياته على الأمن الأوروبي، بعد اعتداءات باريس وكولونيا، وبعد قرار عدد من دول شرق أوروبا والدول الاسكندينافية والنمسا وقف العمل باتفاقية شنغن، ما يعني أن على إيطاليا التعامل مع كل المهاجرين الذين يصلون إليها عبر البحر. كما تدفع برلين في اتجاه إقرار «مساعدات» أوروبية لتركيا بقمية 3 بلايين يورو لوقف تدفّق المهاجرين السوريين والعراقيين، في حين تبرّد روما الحماسة على دفع هذه الأموال، مصرّة على معرفة «كيف ستُنفق وطريقة استخدامها»، سيما أن الثقة بالحكومة التركية لم تعد كما كانت.