تشتهر مدينة باجةالتونسية التي تبعد نحو 105 كيلومترات من العاصمة تونس، بصناعة الجبن و"الريكوتا" (أحد أنواع الجبن المشهورة في المدينة)، إذ تصطف عشرات محلات بيع الجبن بمختلف أنواعه في شارع باب الجنايز في المدينة. وبفضل المناخ المعتدل والأعداد الكبيرة من الماشية، تتوفر في المدينة ظروف مثالية لتصنيع منتجات الألبان. ويمتاز محل "خلدون" الذي يعد أقدم محل لصناعة الجبن التقليدي ببراعته في صناعة منتجات الألبان. ويقول بائع ومصنّع الأجبان محمد خلدون ل"مدرسة الحياة": "ورثت هذا المحل عن جدي وهو مفتوح منذ العام 1954"، شارحاً طريقة تحضير الجبن التقليدي: "نأخذ الحليب ونقوم بتسخينه لتعقيمه على حرارة 60 أو 65 درجة مئوية، ثم نضعه ليبرد حتى 33 و34 درجة، ونتركه قليلاً، بعدها نضع الدواء المجبن الذي يباع في الصيدليات، ثم نتركه لمدة ساعة إلا ربع الساعة، إلى أن يصبح جبناً، ونقوم بتحريكه لينفصل الماء عن الجبن، وأخيراً نأخذ الجبن ونضعه في فراطن، وهو وعاء مشبك". ويضيف خلدون أنه "بالنسبة للريكوتا، نأخذ الماء الذي فصلناه عن الجبن ونقوم بتسخينه حتى 70 درجة، ثم نضيف إليه الحليب بحرارة 80 أو 85 درجة، ونتابع باقي الخطوات لإنتاجه". ويرى خلدون أن ما يميز الأجبان في باجة عن غيرها، هو جودة الحليب بحكم أن باجة ولاية فلاحية وتتسع فيها المراعي والجبال، ما يوفر مصدراً كبيراً لرعي طبيعي للبقر الحلوب. ويلفت صاحب المحل الأقدم في المدينة، إلى أن "المشاكل التي نعاني منها منذ اندلاع الثورة التونسية إلى هذا اليوم، هي ارتفاع عدد المحلات من 7 إلى ما يفوق العشرين، وهو ما أثر على عدد الزبائن"، متابعاً: "أبسط مثال على ذلك، أن غالبية المحلات لا تحتوي حتى على عداد للمياه، وذلك يؤثر سلباً على سمعة المهنة، إذ يوجد من يقطع 200 كيلومتر أو أكثر ليشتري جبناً ليس ذا جودة عالية، وحين يعود لمنزله يتفطن للأمر، وفي النهاية تتأثر سمعة باجة". ويشير خلدون إلى أن "من أكثر المواسم التي يتم فيها الإقبال على الجبن، هو شهر رمضان المبارك وفصل الربيع، إذ يتحسن الجبن خلال هذا الفصل لجهة الجودة والكمية، ويكون الحليب غزيراً وغنياً، نظراً لكثرة المراعي الخضراء". ويتابع: "تراجعت نسبة رواج الأجبان في تونس أخيراً، إذ تم فتح مصانع للأجبان تروج للمراكز التجارية الكبرى، وبما أن المراكز قريبة ومتاحة أكثر، أصبح التونسي يلجأ إليها ليوفر على نفسه عناء المجيء إلى باجة". ويحذر خلدون من وجود "مصانع يستعمل العاملون فيها حليب بودرة (ليس طبيعياً)، فتكون الأجبان غير طبيعية، والريكوتا، تكون جافة، فمثلاً في العاصمة تباع ب2.5 دينار، ونحن في باجة نبيعها ب5 دينار، فساهم ذلك بتراجع مردودنا من هذه الصناعة العريقة"، مسجلاً عتبه على غياب الرقابة من طرف وزارة الصحة التونسية.