نحن - المتقولين السعوديين - نقول: تعتمد السياسة السورية منذ الانقلاب الذي قاده الأسد الأب عام 1970 على مبدأ براغماتي يكاد يكون المحرك الوحيد للحياة الاقتصادية والسياسية السورية خلال ال40عاماً الماضية. يتمثل هذا المبدأ في العمل على تحقيق المكاسب من خلال التأزيم! يظن السوريون دائماً أن الضغط باتجاه الخلاف كفيل بحصار الطرف الآخر في منطقة التنازلات، فعندما تلوح في الأفق السوري مكاسب سياسية أو اقتصادية لا يمكن الحصول عليها بقنوات الصداقة، تبدأ الماكينة الإعلامية السورية بشن هجوم مكثف يكون بطله في العادة رجل واحد. وعند ما تنتهي الأزمة بحصول سورية على ما تريد يتم إبعاد البطل الورقي من المشهد مع احتفاظه بمناصبه إلى حين ظهور دور جديد له، وفي أحايين نادرة يبعد البطل تماماً عن المعترك السياسي ويبقى في الظل طوال حياته، خصوصاً في الحالات التي يصل فيها التأزيم إلى منطقة كسر العظم. ونحن - المتقولين السعوديين - نقول: في السنوات الأربع الأخيرة، اشتغلت سورية على هذا المبدأ كما لم تشتغل من قبل. وكان البطل الورقي في عمليات «تحقيق المكاسب من خلال التأزيم» هذه، نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. الكل يتذكر التصريحات الشهيرة التي كان يطلقها السيد الشرع باتجاه مربع الخلاف مع عدد من الدول العربية ومن بينها السعودية. والكل يعرف الآن أين توارى السيد الشرع. والكل يتوقع له نهاية سعيدة لن تخرج عن احتمالين: إما أن يظهر علينا بعد أربع أو خمس سنوات من باريس أو لندن في «عملية خدامية جديدة» يفضح من خلالها النظام من الداخل، وإما أن يعمل ما بقي له من عمر في حكومة الشارع الخلفي السورية التي تضم أسماء فاعلة وقوية غير معروفة على المستوى العربي، لكن السوريين يعرفونها حق المعرفة، فهي التي حولت الجمهورية العربية السورية إلى «الملكهورية العربية السورية» عام 2000، للحفاظ على مصالحها ومكتسباتها وإرثها السياسي والاقتصادي. عاش غسان مسعود ممثلاً في منطقة الوسط فترة طويلة. لم يكن ممثلاً ذا تأثير في الدراما السورية. ولم يكن له حضور يذكر في خريطة الفن العربي. استمر وجود غسان الضبابي في دهاليز بيت الفن الدمشقي لأكثر من 30 سنة، وفجأة قفز اسمه إلى الصفحات الأولى في الصحف السورية والعربية، وصار يشار إليه على أنه الممثل العالمي الكبير. تخاطفته القنوات الفضائية وطارت بأخباره وكالات الأنباء وأصبحت صورته في وسائل الإعلام تنافس صور فناني الدرجة الأولى. لماذا كل هذا؟ لأنه ظهر في دور صغير في أحد الأفلام الأميركية. كل أدوار غسان في الدراما السورية لم تجعله نجماً «عالمياً»، فيما دور صغير لا يمكن مشاهدته بالعين المجردة، دور صغير جداً في فيلم أميركي، جعل منه بطلاً قومياً على المستوى العربي وممثلاً عالمياً في نظر محيطه، وكأن الفن السوري كان ينتظر لسنوات طويلة التفاتة سريعة صغيرة من فن بلاد العم سام، ليطير في آفاق النجومية والاحترافية والمكاسب طويلة المدى. نحن - المتقولين السعوديين - نقول: هل تشبه سورية البلد غسان مسعود الممثل؟ أو لأعيد صياغة السؤال بشكل آخر: هل تريد سورية البلد أن تفوز بدور مماثل للدور الذي فاز به غسان مسعود؟ هل تريد أن تكون عالمية في نظر محيطها؟ تركت سورية لبعض الأقلام العربية التابعة لها خلال الأيام الماضية فتح ملف علاقة دمشقوالرياض، وقالت «على لسانهم» في بعض الصحف العربية: إن سورية أوفت بكل الالتزامات التي التزمت بها أمام الرياض في أواخر السنة الماضية، فيما لم تف الرياض حتى الآن بالتزاماتها تجاه سورية عجزاً أو مماطلة. وأضافت أن هذا التراجع السياسي من الرياض قد يجبر سورية على العودة إلى مربع الخلاف الأول. «يقول المتقولون» على سورية: إن دمشق أقنعت الحكومة الليبية بوقف المساعدات المالية للحوثيين في الشمال اليمني، الأمر الذي جعلهم ينسحبون من القرى السعودية التي احتلوها «لم نسمع عن قرى سعودية محتلة»! ويقول المتقولون أيضاً إن سورية لم تكتفِ فقط بالتواصل مع ليبيا في هذا الأمر بل توجهت إلى إيران وبحثت معها المشكلة السعودية الحوثية ولقيت تجاوباً من حليفتها القوية، وبالتالي تمت ترجمة هذا التجاوب بتأمين الحدود السعودية الجنوبية! و«يتقول القائلون» على سورية نصاً: «إنها بادرت إلى إيجاد حل أو «تسوية» للأزمة اللبنانية المتفاقمة تراعي أوضاع حلفائها في لبنان. فسهلت عبرهم طبعاً وصول الحريري الابن إلى رئاسة الحكومة في مقابل مبادرة حلفائه إلى تحسين ثابت ونهائي للعلاقة مع سورية انطلاقاً من اتفاق الطائف ومن الاتفاقات اللبنانية – السورية الكثيرة وأبرزها معاهدة الإخاء والتعاون والتنسيق التي وقّعها المسؤولون في البلدين بعد انتهاء الحرب عام 1990». يقول «المتقولون» إن سورية فعلت كل ذلك بينما فشلت الرياض في تحقيق التزاماتها مع سورية لبنانيا وعربياً. فلبنانياً، والكلام للمتقولين «لا تزال المملكة تقدم الدعم المالي، سواء مباشرة أو عبر شقيقات لها في المنطقة لفريق أساسي في 14 آذار مستمر في مواجهتها وحلفائها ومتمسك بكل مواقفه السابقة التي عاد عنها بعض حلفائه والتي يستعد حلفاء آخرون له للعودة عنها. فضلاً عن أنها لم تقنع في صورة نهائية حليفها «تيار المستقبل» بالتوجّه الجديد، فبعض أعضائه لا يزال على مواقفه المعروفة. وبعض أركانه لا يزال يعمل داخله لتوظيف المصالحة للصمود ريثما تتغير الأوضاع في الخارج لمصلحته. ورئيسه رئيس الحكومة سعد الحريري لا يبدو حاسماً». أما عربياً، ف«يقول المتقولون» لم تبادر المملكة أو ربما لم تنجح، في مصالحة مصر وسورية على نحو جدي وتحديداً في إيجاد حل للموضوع الذي يبدو أنه السبب الرئيسي للخلاف وهو صراع «فتح» و«حماس» والذي ترفض مصر إلى الآن أن يكون لأي من الدول العربية باستثنائها دور فيه». و«المتقولون» يقولون إن دمشق قد تتصرف بمفردها في عدد من المواضيع التي اتُّفق عليها، وأبرزها لبنان في انتظار إما جلاء الظروف وملابسات عدم الالتزام ومن ثم تأكيده، وإما التخلي عنه مع كل المحاذير المعروفة لذلك. بالنسبة إلينا نحن - المتقولين السعوديين - فإننا نعرف أن السعودية لم تكن أبداً في حاجة إلى أي طرف خارجي ليساعدها في إيقاف المتسللين الحوثيين، ولم تكن تحتاج إلى من يساعدها في إخراج المتسللين من القرى التي احتلوها، لأنه لم تكن هناك قرى محتلة أصلاَ! ونعرف أيضاً أن الرئيس سعد الحريري وصل إلى كرسي رئاسة الحكومة لأن غالبية الشعب اللبناني أرادت ذلك، وليس لأن السعودية تريد ذلك. ونعرف كذلك أن رفع يد سورية، مشكورة، عن توجيه الخط السياسي اللبناني، أسهم في أن تسير الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة بكل سلاسة وسهولة. المتقولون السعوديون يقولون: سورية لا تستطيع أن تتكامل مع الدول العربية بسبب مصالحها الكبرى مع إيران، فمهما حاول العرب احتواء سورية فلن يستطيعوا في الوقت الراهن، لأنها تمد خيط وصل لا ينقطع مع إيران التي تتبنى سياسة جورج بوش الابن «إن لم تكن معي فأنت ضدي» وتزيد «إن لم تكن ضد من هو ضدي، فأنت لست معي». الجزء الأول من هذه المقالة والجزء الثاني والجزء الثالث والجزء الرابع تقود بالضرورة إلى حقيقة تقول: قد يسرّب المتقولون السوريون أخباراً مغلوطة إلى جهات استخبارية معينة تفيد بأن سورية زوّدت حزب الله بصواريخ سكود. لماذا كل هذا؟ لكي يقال إنها تريد تحقيق المكاسب من خلال التأزيم، ولكي يقال إنها تريد أن تكون عالمية في الإدارات العربية «وهل هناك أكثر عالمية من أن تتحدث واشنطن عنها على بعد آلاف الأميال»؟! وليقال إنها تريد أن تقول لحلفائها القدماء في لبنان إنها على بعد خطوات قليلة منهم فلا يحزنوا ولا يخافوا! وليقال إنها تريد أن تنقل الصراع من الخليج العربي إلى نقطة أخرى في أقصى شمال الجزيرة العربية؛ عملاً بمبدأ «أنا معك ولست ضدك». * كاتب سعودي. [email protected]