الألوان كثيرة، لكن اللون الذي يمتلك الشهرة هو البرتقالي، نظراً الى ان له دلالة رمزية للتعبير، حيث اعتبره الهولنديون رمزاً للاستعداد والحركة، فيما اعتبره التشيليون والأوكرانيون رمزاً للتحرك الشعبي، وفق نظرة مستقبلية تغييرية تسمى «الثورة البرتقالية»، ما يعني ان هذا اللون يعبّر عن الشعور بالكآبة والضجر، والتحرك من أجل الإصلاح، ولكن من دون تحريف لرمزية هذا المعنى. انه عملية اختيارية طوعية لشعب من الشعوب كأسلوب للتعبير والتغيير من دون فرضه بالغصب والإكراه. ولن يكون لهذا اللون أي معنى ان لم يكن نابعاً من حرية الذات. هنا نتذكر قول أحد الشعراء: «ولون الدم يزور حتى في التأبين رمادياً»، ولكن في اي كفة نضع التحريفات الأميركية والإسرائيلية لرمزية هذا اللون، على اعتبار انه لون للإذلال والقهر. فالألبسة البرتقالية، التي فرضت على سجناء غوانتانامو تتوافق مع التحريفات الإسرائيلية، كنموذج يحتمل تطبيقه على الأسرى الفلسطينيين! ولكن ألا يعتبر اللون البرتقالي رمزاً للمظلوم ومن لبسه فإنه بطبيعة الأمر كذلك؟ فوفقاً لهذا السؤال ستكون الإجابة بين حشايا الضمير كمطلب لرد المظالم الى أهلها، فهل يستطيع العقل الأميركي استيعاب هذا الجواب؟ ام ان بصيرة عقله لا تحتمل إلا الأجوبة الإسرائيلية؟ من الظاهر ان تشعب تلك الإجابة أدت الى صبغ الشعوب بلون تلك الإجابة، كأسلوب حضاري، وكتعبير عن اليأس والضجر تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لإحداث تغيير جوهري في المجالات الحياتية، بمنظور مستقبلي يتلاءم مع متطلبات الجماهير. بطبيعة الحال تحتمل هذه الجدلية توجهات وتجاذبات في استخدامه، كالذي شاهدناه على سبيل المثال في جمهورية تشيلي ابان حكم بيونيشه، حينما احتدم التجاذب والصراع السياسي بين الجماهير، التي تسعى الى إصلاح أوضاعها الحياتية، والمناهضة للسياسة الأميركية، وبين الرئيس التشيلي بيونيشه الموالي لتلك السياسة، والذي أدى الى انتصار تلك الجماهير. أما على الجانب الأوكراني، فإن الأوضاع كانت مغايرة للحالة التشيلية، فسياسة الرئيس كوتشما الموالية لروسيا جعلت الجماهير الأوكرانية تفترش الأرصفة وهي ترتدي الزي البرتقالي كأسلوب تؤيد فيه السياسة الأميركية ضد الروسية باعتباره «طوق نجاة» يخرج البلاد من أزماته المتلاحقة، لكن بيضة القبان عادت وبعد ستة أعوام لتتمركز مرة أخرى لمصلحة المد الروسي بفوز يانكوفيتش، ما شكّل ضربة قوية للثورة البرتقالية التي أسسها يوتشينكو ويوليا توميشنكو. يتبين من ذلك ان السياسة هي التي تحرك ديمومة هذا اللون، وفق مفاهيم تسعى الى إحلال الثورة وتصفية الحسابات والالتفاف والإقصاء والاحتواء... فعلى رغم تلك التقلبات البرتقالية، إلا أن هذا اللون، باعتراف كل ضمير حي، يعتبر لوناً حضارياً للنهوض بالإنسانية. ولكن ألا يبدو انه أصبح رمزاً يعبر عن المصالح الأميركية؟ فالثورة البرتقالية الأوكرانية تحمل أحلاماً أميركية، والمتهم بالإرهاب وفقاً للمواصفات الأميركية صُبِغت ملابسه باللون البرتقالي، أفلا يشكل ذلك امتداداً برتقالياً على شاكلة المد الأخضر والأحمر؟