عبر عدد من العمليات الأمنية وخلال أربعة أشهر تمكنت أجهزة مكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية من إحباط محاولة تهريب وترويج «أطنان» من المخدرات المتنوعة ما بين أقراص الكبتاغون والحشيش والهيروين النقي وغيرها والقبض على 195 شخصاً من ثماني جنسيات مختلفة منهم 49 سعودياً، والبقية من جنسيات عربية وإقليمية مسلمة. على رغم أن هذه العملية (ظاهرياً) تعد ناجحة من الناحية الأمنية واستغرقت أشهراً لإحباطها لكنها في الواقع تثير الكثير من الأسئلة. فلماذا تستهدف المملكة بهذه الكمية الكبيرة من «أطنان» المخدرات؟! وكيف تصبح الدولة فريسة سهلة أمام مروجي المخدرات الذين تسللوا بها إلى البلاد؟! بخاصة إذا كان هناك أنظمة وقوانين مشددة على الحدود كافة والجمارك! وأين هي الجهات المعنية بمكافحة ومراقبة أنشطة «العمالة الوافدة» من ذوي الدخل المحدود في البلاد؟! وهل هناك تقصير وإهمال من هيئة التحقيق والادعاء العام بالنسبة إلى التحقيق مع أمثال هؤلاء المجرمين المروجين للمخدرات تجعلنا نقرأ ونسمع ونشاهد بين فترة وأخرى أخباراً أمنية عن إحباط عمليات تهريب للمخدرات داخل الدولة؟! بحيث يسهّل كل ذلك المجال أمام بعض العمالة الوافدة لكي تمارس إجرامها بكل حرية ونشاط، وتستبيح الدولة بمثل هذه الكميات الكبيرة من الأطنان المخدرة التي تروج للمرضى اللاهثين وراءها فقط. وكيف يجرؤ الكثير من العمالة الوافدة على محاولة إدخال هذه الأطنان المخدرة، إذا لم تكن قد جربت فعلتها الإجرامية سابقاً ونجحت، بحيث أصبح إجرام تلك العصابات يشكل التهديد الأكثر خطورة على أمن وسلامة واقتصاد المجتمع السعودي؟ وفي المقابل، ما هو مصير ضحايا المخدرات من أبناء الشعب السعودي في ظل كل ما تقدمه المؤسسات الدينية في الدولة من برامج وأنشطة دينية توعوية محذرة من ترويج أو تعاطي المخدرات؟ إن البرامج والمحفزات «الحسية» التي وضعتها الدولة لفئة الشباب على وجه التحديد بمن فيهم أولئك المتعاطون للمخدرات من الجنسين لم تعد تمثل الحل الأفضل والكلي للمشكلة مع تفاقم أسبابها ومستجداتها في هذا العصر، لأن من يبحث عن الأحاسيس فقط «ويتكل» عليها من أجل أن تكفيه وتغنيه عن استعمال العقل والتفكير العقلاني لمعنى ومغزى آخر لهذه الحياة سيكشف في نهاية المطاف عن بناء شخصيات إنسانية خاوية وفارغة، وأرواح وعقول فقيرة جداً بحيث لا تتمكن من أن تبصر طريقها لمواصلة الاستمرار الأمثل في هذه الحياة. إن ضحايا المخدرات في حاجة ضرورية لدعم حكومي واجتماعي «مسؤول» يتلخص في وضع برامج تعليمية وتثقيفية تمكّن ضحية هذه الآفة من نفع نفسه ومجتمعه من خلال حثه على تقديم خدمات تطوعية تحمل معاني وعبراً يستفيد منها الجميع، وتغير معنى الحياة بالنسبة إليه. أجرت صحيفة شبابية في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية استفتاء حول المخدرات، فكانت إجابة أحد المدمنين عليها: «إنني أحقن نفسي بالهيروين وأتعاطى المخدرات لأني أرغب في سلام هادئ أحقن به روحي إلى الأبد»! إن هذه الإجابة «الغبية» التي توحي في ظاهرها بالرغبة في البحث عن الهدوء والسلام ما هي في حقيقتها إلا كلمات استسلام للعجز في هذه الحياة والبحث عن شيء غامض يتصور أمثال هؤلاء المرضى المدمنين على المخدرات بأنه سيأتيهم من الخارج! هل أصبحت صحة الإنسان وأمنه وأمانه تباع بحفنة حبوب مخدرة وتشترى بالمال؟! عجباً لهذا الزمن وما يفعله بالبشرية! إن السلام والصحة والأمان لا تأتي – عزيزي القارئ – إلا من قوة الإرادة الإنسانية التي تمنح السلام الداخلي، وتقطع حبال الارتهان لأية إمكانية للإدمان على المخدرات التي تفعل فعلها الوحشي بدمار العقل والروح البشرية، كما أن السلام والصحة والأمان لا تأتي إلا حين يجد المريض المدمن غرضاً مقنعاً لحياته يعيش له ويعمل من أجله، والخطوات الأولى تبدأ عند اكتشافه للسلام والهدوء داخل بيئته المحلية بحيث يرتبط بها ويعمل ويتفانى من أجل تطورها ونموها كبقية أفراد مجتمعه. وضع روث موريس وهو أحد المتخصصين في مجال مكافحة المخدرات نظرية يرى من خلالها أن الحرب القوية على جرائم المخدرات تكون نتائجها «فشلاً أخلاقياً غير عادل ومكلف في الوقت نفسه». أو بمعنى آخر بمقدار ما يكون رد الفعل على الجريمة بمقدار ما يبعد ذلك المسافة عن فهم أو خفض فعلي للمشكلة ذاتها. فهل يعني ذلك أن تطبيق مبدأ «الطيبة» واستخدام الرأفة بدلاً من الحماسة في تطبيق قوة العدالة لردع عصابات المافيا المتاجرة بالمخدرات يكون هو بداية الخيط لمكافحتها؟! في تصوري أن العودة مرة أخرى للتفكير من جديد في كيفية الارتقاء أمنياً إلى مستوى «التحدي» هو الذي يكفل نهاية ناجحة ومشرفة للحرب على الجريمة في شكل عام في المملكة العربية السعودية، وبخاصة جرائم المخدرات، بحيث لا يُمكن هذا التحدي الضحايا من الاختفاء، وتبخر المروجين للمخدرات في الهواء، وإزاحة الشهود عليهم من دون ضجة إعلامية واجتماعية تذكر، فإذا لم يتم التشهير بأمثال هؤلاء المجرمين، والتشهير بالعقوبة الرادعة لهم علناً وعلى مسمع من العالم أجمع فلن يكونوا عظة وعبرة لغيرهم من عصابات المافيا المتخصصة بهذه التجارة «القذرة»، ولن تكون المملكة العربية السعودية عصية أبداً أمام استباحة أرضها وشعبها بتلك الخبائث التي تروج على أيدي ضعفاء النفوس وتقدم لمن هم أضعف نفساً وإيماناً. * أكاديمية سعودية. [email protected]