يعتزم نادي جدة الأدبي تكريم الأديب عبدالفتاح أبومدين، في ملتقى النص، الذي ينطلق خلال الفترة المقبلة، بصفته أديباً رائداً ورئيساً سابقاً لنادي جدة الأدبي. اختيار شخصية أدبية مثل أبو مدين للتكريم، لن تكون مفاجأة لأحد، إنما سيكون المفاجأة ألا يكون هذا التكريم في مستوى الشخصية المكرمة، إذ إن تكريمه من المفترض أن تضطلع به مؤسسات ثقافية عدة، وليس نادياً واحداً، فهو (أي أبو مدين) شخصية متعددة الاهتمامات، ريادته عابرة للنوع، فهو رائد صحافياً ورائد أدبياً، ورائد على صعيد الإدارة الثقافية، فسطوع نجم نادي جدة الأدبي، وتخطي شهرته حدود المملكة، ما كانت لتصبح كذلك من دون ذهنية متفتحة ومفتوحة على الجديد. «الحياة» تنشر شهادات لعدد من الأدباء حول عبدالفتاح أبو مدين، في مناسبة تكريمه. عالي القرشي: تكريم للثقافة وللحضور الإنساني إن تكريم الأديب عبدالفتاح أبو مدين تكريم للثقافة وتكريم للحضور الإنساني، ذلك أن أبو مدين على رغم ثقافته التقليدية التراثية إلا أنه أصر على أن يكون له حضور إنساني في هذه الثقافة، يعبر عن فكره الذي لم يتلون بأجواء غير أجواء حرية الفكر والرأي، فأبو مدين على نحو ما مضى في كتابه «حكاية الولد مفتاح»، وعلى نحو ما قرأناه في كتبه العديدة، لم يكن صاحب تزلف لمغنم شخصي، ولم يكن صاحب كتابة تبحث عن مجدٍ شخصي لذاته، بل كان يبحث عن أفقه المنشود في الثقافة بشقيها الحداثي والتراثي، ولعل مقولته الشهيرة «الثقافة مغرم وليست بمغنم» هي المفتاح لفعله الثقافي، وهي الضوء وعنوان الخطاب الذي نجد أن الثقافة قد فرحت به، حيث نجد كُتاباً كباراً تضع تواجهات كتاباتهم الموجه (بالريموت كنترول) الخفي الذي يوجه هذا الكاتب أو ذاك، بدليل ما تلحظه أحياناً من مفاجأة كاتب لنا باتساع سقفه على غير المعتاد منه، وهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى الاستشهاد، قادني إليه الحديث عن أبو مدين، هذا الحديث الذي يقودني إلى عبارته «الثقافة مغرم وليست بمغنم». سحمي الهاجري: رائد جهود ملموسة بادرة طيبة من «أدبي جدة» ومن ملتقى النص لهذا العام بتكريم الأديب عبدالفتاح أبو مدين، امتثالاً للتقليد الذي جرى عليه الملتقى في تكريم شخصيات أدبية، سواء ممن رحلوا أم ممن هم باقون على قيد الحياة. ومن المؤكد أن عبدالفتاح أبو مدين من الرواد المشهود لهم، فله جهوده الملموسة، سواء على مستوى الثقافة أم على مستوى إدارة نادي جدة ورئاسته له خلال نصف قرن، وأثرها في المشهد الثقافي جعلته محبوباً من الجميع، ولقد وُفق «أدبي جدة» في اختيار الشخصية، أملاً من الله أن ينعم عليه بالصحة، وأكرر امتناني لنادي جدة الأدبي. عاصم حمدان: خطوة حضارية تأتي خطوة نادي جدة الأدبي في تكريم الرائد عبدالفتاح أبو مدين تتمةً للخطوة التي اتخذها النادي في عهد إدارته السابقة والتي تشكلت في عهد الوزير السابق إياد مدني، وهي خطوة حضارية تسعى إلى تنبيه الجيل الصاعد إلى ضرورة معرفة رموز الأدب والصحافة في بلده؛ لأن ذلك الجيل الذي ينتمي إلبه أبو مدين لم يجد طرق العلم والثقافة مُيسرةً كما هي اليوم، بل كانت تضطرهم إلى الحفر على الصخر أو النقش على الرمل الذي كثيراً ما أدمى أقدام السائرين عليه. عبدالفتاح أبو مدين من بقية جيل رواد الصحافة، فله الفضل في إنشاء أول صحيفة في جدة في العهد السعودي وهي مجلة «أضواء» سنة 1377 ه بعد أن نزح من المدينةالمنورة، حيث تلقى العلم في واحدة من أعرق المؤسسات العلمية وأعني العلوم الشرعية، إذ تلقى العلم فيها من علماء موسوعيين من أمثال عبدالرحمن عثمان ومحمد الحافظ، وأمين الطرابلسي، ولا ننس دوره كذلك في الإسهام في الصحافة الأدبية، إذ أنشأ مجلة «الراية» عام 1379ه في جدة، والتي كتب فيها كبار الأدباء آنذاك، ثم واتته الفرصة ليتسلم رئاسة مجلس نادي جدة الأدبي بعد رحيل الأستاذ العواد فاحتضن برحابة صدر جيل الحداثة التي شكلت انعطافةً مهمةً في تاريخنا الأدبي والثقافي وكان من أوائل الذين أدركوا ضرورة إفساح المجال أمام جيلٍ آخر يقوم بدوره الثقافي، فاستقال هو ورفاقه ليُسلم الراية لجيل آخر أبلوا كما أبلى أبو مدين نفسه. معجب العدواني: علامة مميزة في ثقافتنا كان الأديب عبدالفتاح أبو مدين رئيس نادي جدة الأدبي الأسبق ولا يزال من الشخصيات التي تستحق التكريم من مؤسساتنا الثقافية، بل هو من الشخصيات التي يستحقها التكريم؛ كونه يمثل تاريخاً من الجهود والإنجازات المتواصلة في أثناء تسنمه ذروة العمل في المؤسسات الثقافية والأكاديمية؛ تحديداً تجربته الثرية في نادي جدة الذي تميز بإصداراته الحديثة؛ المتمثلة في دوريته الرصينة «علامات»، ودورياته الناشئة حينذاك: «الراوي» و«عبقر» و«جذور»، إلى جانب فعالياته ومناشطه، ولاسيما ملتقى «قراءة النص» الذي لا يزال يعقد بصورة دائمة حتى الآن، وكان يقف وراء ذلك شخص واحد هو (عبدالفتاح أبو مدين)؛ رجل القرار الجريء المبني على أنموذج من الخبرة بالإدارة وفلسفة الحياة، إلى جانب الحكمة التي اكتسبها من ثقافة واسعة. كان أبو مدين لا يشرف على تلك الأعمال فحسب، بل يباشرها بنفسه من دون كلل أو ملل. يقضي أوقاتاً طويلة في قراءة تلك الإصدارات ومراجعتها، حتى تكون جاهزة للطبع، ويتابعها أثناء طباعتها في بيروت، ومن ثم يتتبع وصولها إلى النادي، ومن ثم توزيعها ووصولها إلى المستفيدين. أما الملتقيات فلم تكن تنظم لها اللجان الكثيرة، وكان عدد أولئك لا يزيد على أربعة أو خمسة أشخاص، على أن يكون الأستاذ أحدهم، وكانت إقامة النادي لتلك الفعاليات شرارة تفاعل الأندية الأدبية مع الملتقيات وبدء شيوعها في الساحة الثقافية التي كان لنادي جدة الدور الفاعل فيها ولا يزال. إن شعار أبو مدين الدائم والمعلن أمام الجميع «الثقافة مغارم وليست مغانم» يوضح لنا الهدف الذي رفعه، وأضحى هذا مرتكزاً لكثير من القيادات الإدارية الثقافية، ومن خلال هذا الشعار وتلك العزيمة توالت كتاباته، وتحققت منجزاته الفردية والمؤسساتية من دون انتظار مكاسب أو التطلع إلى مغانم، ولعل مغانمه المؤسسية التي نجح النادي فيها قد حملت علامة مميزة في ثقافتنا خلال حقبة الثمانينات والتسعينات، ويمكن أن تتلخص في كون النادي: إصدارات وفعاليات أصبح معروفاً ومرجعاً للباحثين في العالم العربي.