يسلّط مؤشر يوثونوميكس العالمي للعام 2015، الذي يصنّف 64 دولة وفق نجاحها في توفير فرص التطوّر والتقدّم للشباب فيها، الضوء على استهتار عام مقلق حيال حاجات جيل الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم وتطلعاته في العالم أجمع. والحال أن الأزمة المالية العالمية أفقرت شباب اليوم في العديد من الدول، وبنوع خاص الثرية منها، فتقلّص عددهم بشكل ملحوظ، فالشرعية الديموقراطية إلى أفول، والفجوة بين الشباب والسياسة الرسمية تتسع. وفي حين يبدو أن غالبية هؤلاء الشبان اعتادوا على المعاملة المتهاونة، فلا يتكبّد عدد متزايد منهم عناء الاقتراع، ثمة عاصفة قوية تتحضّر، فالصراع الكبير القادم لن يكون صراع حضارات أو أديان أو ثقافات، بل صراع أجيال. يفهم الشباب بالفطرة أن وراء الأخطار التي يواجهها العالم اليوم تقف المشكلة الكبرى، ألا وهي مشكلة الحكم المتجذّرة في الدولة الأمة. والحال أن الدولة الأمة هو مفهوم ترسّخ عبر العصور ولن يتلاشى في القريب العاجل، ولا يجب أن يتلاشى، فهي لطالما اضطلعت وما زالت تضطلع بدور بنّاء في مساعدة الناس على التطور من الهوية العائلية أو القبلية أو الإقليمية إلى مفهوم للانتماء بنطاقه الأوسع. إلا أن تلك هي مرحلة من تطوّرنا وينبغي النظر إليها على أنها كذلك بدلاً من اعتبارها بداية أو نهاية من الحكم الحديث. طبعاً، يميل الشباب اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التصويت لليمين الأقصى. ويعتبر هذا التصرف الانتخابي غير البديهي، الثمن الذي ندفعه كوننا نعيش في عالم من مصلحة المسؤولين المنتخبين فيه الادعاء أنه ما من بديل ديموقراطي من الدولة الأمة والنظام العالمي الذي أرسته في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهم ببساطة لن يفكروا بالتخلي وإن عن بعض سلطتهم من خلال مجالس الأمة. ومن جهة أخرى، يعي الشباب تماماً كم هو ساذج أن يعقدوا الأمل على قدرة الطاقم السياسي الحالي، الذي انتخبه لمدة أربع إلى ثماني سنوات شعب في بقعة جغرافية محصورة، على التمكن من حلّ مشاكل على غرار الاحترار العالمي، وهي كارثة تضرب الكرة الأرضية برمتها وتتطلّب بأفضل الأحوال عقود طويلة لحلّها. وهم يفهمون أيضاً أن المصالح الوطنية الضيقة هي أكثر أهمية من المصالح المشتركة بين الأمم، والأمر ينطبق على المفاوضات بشأن تقليص انبعاثات الكربون. ولأن الحلول للمشاكل الأكثر تفاقماً في العالم في السنوات التالية ستكون حلولاً تناسب الأمم كلها بهدف بناء اقتصاد عالمي يحثّ على الابتكار والديموقراطية، نحتاج إلى أن يتحرّك الناس. لقد أثبت المهاجرون عبر التاريخ، أنّهم الأكثر ابتكاراً وإبداعاً، كونهم سعوا لإيجاد طرق لسدّ الثغرات الثقافيّة والتكنولوجيّة. فعندما ينتقل الناس إلى أماكن جديدة، يحملون معهم أفضل الأفكار، ويكيّفونها مع ممارسات المكان الجديد الذي وصلوا إليه. ولا يعني ذلك أنّ الشعوب المستقرّة تفتقر إلى الابتكار، لكن فقط الشعوب المهاجرة لديها وجهة نظر مختلفة وفريدة بشأن الممارسات المحلية، وهي قادرة على انتقادها وتحليلها بطريقة أكثر عرضة للتغيير. ويبدأ ذلك على مستوى الأمم المتّحدة، عبر استحداث تأشيرة عمل عالميّة للشباب، تسمح للشبّان القادمين من أيّ دولة بتقديم طلب انتساب إلى حصّة نسبيّة من الشبّان المخوّلين العمل لمدّة قد تصل إلى سنتين في الدولة التي يختارونها. وبهذه الطريقة فقط، سنبدأ برسم معالم المُواطن العالمي الذي يظهِر العالم حاجةً ماسّة إليه لتخطّي الفوارق الظاهريّة في أماكن عدّة عالميّاً، ولتمهيد السبيل أمام نظرة مختلفة إلى العالم، تكون فعلاً ديموقراطيّة وعابرة لحدود الوطن. على صعيد الحكم، ستأتي الحلول عبر الوطنيّة الفعليّة من الهيئات عبر الوطنيّة المؤلّفة من ممثّلين عن المجتمع المدني، يتم اختيارهم بالاستناد إلى أسس مرتبطة بالجغرافيا، والجيل والجنس، بدلاً من الاعتماد على أسس أممية محضة. وسبق أن انطلقت التجارب في هذا المجال، بعد إقرار مجلس إصلاح انتخابي لمواطني كولومبيا البريطانيّة في العام 2004، وكان مؤلّفاً من 160 مواطناً تمّ اختيارهم بصورة شبه عشوائيّة، بالاستناد إلى أعمارهم وجنسهم. وفي أيسلندا، عمدت الحكومة، عقب الانهيار المالي في العام 2008 وثورة «القرع على الأواني» التي تلته، إلى إنشاء مجلس دستوري لصوغ دستور جديد. وجمع البرلمان مجلساً وطنياً مؤلفاً من 100 شخص تمّ انتقاؤهم من السجلّ الوطني عشوائياً باعتماد نموذج طبقي، بهدف ضمان التوازن على صعيد جنس هؤلاء الناس، وأعمارهم، والمناطق التي قدموا منها، وقد طُلِب منهم مناقشة المواضيع التي يودّون إدراجها في الدستور الجديد. وبعد ذلك، تمّ انتخاب مجلس دستوري مؤلّف من 25 عضواً، جمع نخبة متنوّعة من المواطنين، من بينهم مزارع، وكاهن، وممرّضة، وفيلسوف، ومدير مسرح، إلى جانب محامين وخبراء علوم سياسيّة وسياسيّين، لصوغ الدستور الجديد. وبفضل سطح بينيّ على شبكة الإنترنت، تسنّى للعموم قراءة الحيثيّات والتعليق عليها. وتمّت المصادقة على القانون النهائي بواقع 25 صوتاً إلى صفر في ظرف أربعة أشهر وحسب. لا شكّ في أنّ هذه الأمثلة محدودة القيمة. لكنّ القيمة التي تحملها والتكنولوجيا تجعلانها قابلة للنشر على نطاق متزايد. يُظهر الشبّان ردود فعل مختلفة حيال التبدّل المناخي، وحيال عدد كبير من المسائل العالميّة، علماً بأنّ مواقفهم ليست مرتبطة باعتبارات أممية. فهؤلاء الشبّان لا يبذلون جهوداً ليعاد انتخابهم، ولا يملكون أسهماً في شركات نفط أو شحن كبرى، كما أنّ المسألة ليست على صلة بالجيل الشاب بحدّ ذاته، فالواقع أنّ مستقبلنا جميعاً بين أيدي مواليد الألفيّة، الذين سيُطلَب منهم تنفيذ سياسات معقّدة استحدثها أشخاص رحلوا منذ وقت طويل ولن يروها تُطبَّق على أرض الواقع. وفي غياب توافق على هذه السياسات، لن يتمّ تنفيذها، بكلّ بساطة. وبالتالي، ستسمح آليّات على غرار التأشيرة العالميّة للشبّان والتصويت عبر الوطني، تستند كلّها إلى أسس على صلة بالجغرافيا، والجيل، والجنس بدلاً من الأسس الأممية المحضة، بتمكين الشبّان ليكونوا جزءاً من هذه الحلول. * مؤسس مركز «يوثونوميكس» للبحوث الرئيس التنفيذي لموقع «مايغريشن» الإلكتروني mYgration.com