أثارت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس لتقديم التهنئة بعيد الميلاد، احتفاء واسعاً بين الأقباط، خصوصاً أنها المرة الثانية التي يشارك فيها بصفته الرئاسية. وأطلق السيسي من الكاتدرائية خلال زيارته مساء أول من أمس، دعوة إلى «ترسيخ التعايش وقبول التنوع»، مكرراً تحذيره للمصريين من «انشقاق الصف»، فيما احتفل الأقباط الأرثوذكس بعيد الميلاد وسط استنفار أمني عالٍ تحسباً لحصول عمليات إرهابية. وكان بطريرك الأقباط في مصر البابا تواضروس الثاني ترأس مساء أول من أمس قداس عيد الميلاد الذي أقيم في الكاتدرائية القبطية في حي العباسية (شرق القاهرة)، في حضور عدد من المسؤولين والسياسيين والشخصيات العامة. وقطع الرئيس مراسم القداس بحضوره لتقديم التهنئة. ورسخت الزيارة تقليداً غير مسبوق، وهو حضور رأس الدولة القداس سنوياً، إذ أنها المرة الثانية بعدما حضر السيسي قداس العام الماضي بعد شهور من تنصيبه. وقوبل السيسي بعاصفة من التصفيق، ما أبرز خصوصية علاقته بالأقباط. وكان السيسي دخل من باب جانبي، حيث كان في استقباله عدد من قيادات الكنيسة قبل أن يصل إلى المنصة الرئيسة ويصافح البابا تواضروس الثاني، ويلتقط مكبر الصوت ليوجه حديثه إلى المصلين، قائلاً: «أقدم لكم التحية والتهنئة. كل عام وأنتم بخير... وكلنا بخير». وذكر بدعوته العام الماضي إلى «أن نحترم بعضنا (بعضاً) ونحب بعضنا (بعضاً) بجد». وأضاف: «أوصيكم وكل المصريين بهذه المناسبة، لا يفرق بيننا أحد. هذا مهم جداً، وليس أنا فقط الذي أحرص على فعل ذلك، وإنما كلنا. لا بد من أن نعود، ليس فقط مثل الماضي، وإنما أكثر». وشدد على أنه «لن تستطيع جهة أو فرد تفريق المصريين... ربنا يديم الحب». وقاطع المصلون الرئيس أكثر من مرة بالهتاف له والتصفيق، ما دعاه إلى مداعبة بطريرك الأقباط قائلاً: «قداسة البابا سيغضب»، قبل أن يستكمل حديثه، مشدداً على أن «لا شيء سيؤذينا، لا ظروفنا السياسية ولا الاقتصادية. كلها أمور نستطيع التغلب عليها، إلا أننا نختلف». وشدد على «ضرورة ترسيخ قيم التعايش»، قائلاً: «سنن الله في الوجود والتنوع والاختلاف. مافيش (لا توجد) حاجة واحدة. خلقنا مختلفين: أديان وأشكال وألوان ولغات وعادات وتقاليد. لا أحد يمكنه جعل الناس شيئاً واحداً. لن يستطيع أحد... مصر علمت البشرية والحضارة، وتعلم الناس الآن... وحتى تستمع الدنيا وتفهم وتنفذ ويصبح ما تعلمته منا عادات وتقاليد سيستغرق ذلك عشرات السنين». وداعب المصلين بقوله: «خلونا نسقف (نصفق) على طول»، تعليقاً على التصفيق المستمر له أثناء كلمته، وأضاف: «لو اتحدنا سنعطي المثل والنموذج للمحبة الحقيقية بين الناس». ولفت إلى أنه كان تحدث قبل يومين مع أحد المفكرين، الذي لم يذكره بالاسم، «وطرحت عليه إصدار مجموعة من الكتب التعليمية للطلاب في مراحل التعليم المختلفة، ترسخ التعايش والتنوع، لأن ربنا خلقنا هكذا. لو وصلنا إلى ذلك سنعطي المثل والنموذج للمحبة الحقيقية بين الناس، ولن يؤلمنا أو يعذبنا شيء أبداً». وأقر ب «تأخير ترميم وإصلاح الكنائس والمباني التي تم إحراقها» عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في العام 2013. ووعد ب «إنهاء الأمر هذا العام»، قبل أن يقدم «اعتذارنا عما حدث». وقال إن «في العام المقبل لن يكون هناك منزل واحد ولا كنيسة واحدة إلا ويكون انتهى ترميمها... ليس هذا تفضلاً منا، وإنما هذا حق. ولن ننسى أبداً لكم ولا لقداسة البابا الموقف الوطني المشرف العظيم الذي اتخذ خلال تلك الفترة». وتابع: «أشكرك قداسة البابا وأشكركم كلكم... وكل عام وأنتم طيبون والعام القادم يكون عام خير وسلام واستقرار». واختتم بقوله: «تحيا مصر بكم. تحيا مصر بكم. تحيا مصر بأهل مصر وليس بالسيسي». وعقب إنهاء كلمته، عجت القاعة بالتصفيق والهتاف «بنحبك يا سيسي». ولوحظ أن الرجل حرص على الخروج من الكاتدرائية وسط الحضور الذين تسابقوا على مصافحته، والنداء عليه، والتقاط الصور معه وسط عاصفة من التصفيق. وزار أمس عدد من كبار المسؤولين الكاتدرائية القبطية لتقديم التهنئة، بينهم عدد من الوزراء ورئيس جهاز الاستخبارات خالد فوزي وزوار أجانب، فيما علق بطريرك الأقباط على زيارة السيسي قائلاً انه «عبر في كلمته عن محبة كبيرة ومشاعر صادقة... مشاعرنا تجاه زيارة الرئيس السيسي للكاتدرائية لا يمكن وصفها بالكلمات». واعتبر أن «وحدتنا هي المفتاح الصحيح لبناء الوطن».