استنفرت أجهزة الأمن المصرية أمس لتأمين احتفالات الأقباط الأرثوذكس بعيد الميلاد اليوم والقداس الذي ترأسه مساء أمس بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني وحضره عدد من كبار المسؤولين. ولوحظ الانتشار الكبير لقوات الجيش، لا سيما قوات التدخل السريع، في الشوراع والميادين الرئيسة، فيما تولت قوات مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة مهمة تأمين الكنائس. وهنأ الرئيس عبدالفتاح السيسي الأقباط بالعيد، مشدداً على ضرورة «أن يظل المصريون، مسلمين وأقباطاً، يداً واحدة وصفاً واحداً». وترأس البابا تواضروس الثاني مساء أمس قداس الميلاد في الكاتدرائية المرقسية في حي العباسية (شرق القاهرة)، في حضور مسؤولين وعدد من الشخصيات العامة والحزبية ومثقفين ونواب في البرلمان الجديد. وأقيم القداس وسط إجراءات أمنية مكثفة، إذ أغلق الطريق الرئيس المؤدي إلى الكنيسة، ومُنع مرور السيارات، فيما كان الزوار يتوافدون مترجلين إلى مقر الكنيسة. وجرت عمليات تفتيش وانتشر رجال المفرقعات، وهو الأمر نفسه الذي تكرر في محيط غالبية الكنائس، لا سيما في المناطق الملتهبة أمنياً حيث كثفت قوات الشرطة من انتشارها. وعززت قوات مكافحة الإرهاب من المكامن والحواجز الحديد في محيط الكنائس، وتوعدت ب «ردٍ قاسٍ على أي محاولات لتعكير صفو احتفالات الأقباط بالعيد». ولوحظ انتشار واسع لقوات الجيش في الشوارع والميادين الرئيسة، لا سيما قوات التدخل السريع المخصصة لمكافحة الإرهاب. وفي شمال سيناء حيث يتمركز الفرع المصري لتنظيم «داعش»، عززت أجهزة الأمن من انتشارها لإحباط أي محاولات لاستهداف منشآت أو دور عبادة، ونشرت عدداً كبيراً من الحواجز والمكامن الأمنية الثابتة والمتحركة في محيط المدن وداخلها. وكثفت قوات الأمن إجراءات التفتيش على الحواجز والتحقق من هوية القادمين إلى سيناء والمغادرين منها. وأعلنت الحكومة اليوم إجازة بأجر كامل للعاملين في الدولة لمناسبة العيد، وقرر البنك المركزي وإدارة البورصة اعتبار اليوم عطلة رسمية. وسعى مسؤولون إلى تأكيد تماسك العلاقات الطائفية في مواجهة فتاوى أطلقها سلفيون بتحريم تهنئة الأقباط، فأصدر الرئيس السيسي بياناً أعرب فيه «عن خالص التهاني وأطيب الأمنيات للإخوة المصريين المسيحيين لمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، ميلاد السيد المسيح عليه السلام رمز السلام والمحبة. كلمة الله التي ألقاها إلى السيدة العذراء مريم البتول التي طهرها العلي القدير واصطفاها على نساء العالمين». وأضاف أن «أرض مصر الطاهرة تشرفت باستضافة العائلة المقدسة. مصر التي اختارها الله الحميد المجيد لتكون ملاذاً آمناً للسيد المسيح وأمه العذراء الطاهرة»، معتبراً ان «في ذلك دلالة بالغة على ما أراده الله سبحانه وتعالى لمصر لتظل منبعاً للسلام والمحبة وموطناً للأمن والاستقرار، وهي قيم نبيلة يقتضي الحفاظ عليها أن نظل جميعاً، مسلمين ومسيحيين، يداً واحدة وصفاً واحداً». وأعرب عن «الثقة الكاملة بأننا سنظل دوماً هكذا شعباً واحداً يبني ويعمر وينشد الخير والسلام لأبنائه وللإنسانية بأسرها»، مجدداً تمنياته عشية عيد الميلاد «لأبناء مصر جميعاً، مسلمين ومسيحيين، بكل الخير والتوفيق، وأتوجه إلى الله الحميد المجيد ليجمعنا دوماً معاً، وليوحد صفوفنا ويحمي وطننا من كل مكروه وسوء، ويتلطف علينا بنِعم الأمن والسلام والمحبة». وزار وزير الدفاع صدقي صبحي ورئيس أركان الجيش محمود حجازي الكنيسة القبطية على رأس وفد عسكري ضم كبار جنرالات الجيش. وأكد صبحي أن تزامن الاحتفال بذكرى ميلاد السيد المسيح مع الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف «يمثل إحياءً للقيم السامية والمبادئ النبيلة التي دعت إليها الرسالات السماوية لنشر الخير والمحبة والتسامح بين شعوب الإنسانية ونبذ الفرقة والتشدد والخلاف»، مؤكداً أن «مصر بنسيجها الوطني القوي ستظل نموذجاً فريداً بين الشعوب وموطناً للأديان ورمزاً للتماسك والتسامح والوحدة الوطنية من جيل إلى جيل». وأعرب عن «اعتزازه بعطاء وتضحيات أبناء الجيش من الأقباط الذين يساهمون بكل كفاءة واقتدار في دعم مسيرة القوات المسلحة والوفاء بمهماتها ومسؤولياتها المكلفة بها في الدفاع عن الوطن وصون مقدساته». وأشاد البابا تواضروس الثاني ب «الدور الوطني للجيش المصري ودوره في خدمة الوطن وحماية أمنه واستقراره»، مؤكداً أن «عيد الميلاد المجيد يمثل انبعاثة لأمل جديد ومستقبل مشرق لمصر التي تحتاج جهود أبنائها المخلصين في الميادين كافة». وبعث وزير الداخلية مجدي عبدالغفار ببرقيات تهنئة إلى بابا الأقباط تواضروس الثاني ورئيس الطائفة الإنجيلية في مصر القس أندريه زكي لمناسبة العيد، اعتبر فيها أن «مشاركتنا في الاحتفال السنوي تعكس حقيقة ما تجسده مشاعرنا من تماسك بروابط الانتماء وروح الإخاء للمصريين لتحقيق أسمى الأهداف النبيلة نحو حياة كريمة مليئة بالإنجازات البناءة لوطننا الغالي». وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب زار أول من أمس الكنيسة القبطية على رأس وفد إسلامي ضم مفتي الجمهورية شوقي علام ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، والتقى البابا تواضروس الثاني لتقديم التهنئة. وأكد «العلاقات الطيبة التي تقوم على المودة والاحترام بين الأزهر والكاتدرائية المرقسية، والتي تمثل حائط صد أمام الأخطار التي تهدد مستقبل مصر، وتسعى إلى النيل من وحدة أبنائها». ورأى أن زيارته للكنيسة القبطية «تؤكد أن الشعب المصري بكل أطيافه ومكوناته هو شعب ونسيج واحد يستعصى على التمزق والفرقة»، الأمر الذي رد عليه البطريرك بتأكيد أن «الزيارات المتبادلة بين الأزهر والكنيسة اللذين يمثلان النسيج الوطني لمصر تعمق روح المحبة والتآلف بين أبناء مصر كافة»، مشدداً على أن العلاقات التي تربط الأزهر بالكنيسة «تمثل نموذجاً فريداً في العالم كله».