انخفضت نسبة التردد على دور العرض الفرنسية خلال العام الفائت وفق إحصاءات المركز الوطني للسينما في فرنسا، فوصل عدد البطاقات المباعة إلى 206 مليون، بانخفاض مقداره 1,4 في المئة مقارنة بعام 2014 الذي اعتبر استثنائيا للسينما في فرنسا في شكل عام وللسينما الفرنسية في شكل خاص. لكن ذلك العدد ما زال أعلى من معدل السنوات العشر الأخيرة والبالغ 200 مليون بطاقة. وهبطت حصة الفيلم الفرنسي في دور العرض في شكل واضح، فلم تتجاوز ال35 في المئة إلا بقليل بعد أن كانت تقترب من 45 في السنة التي سبقتها، فيما ارتفعت حصة الفيلم الأميركي بمقدار 19 في المئة عن 2014 لتتجاوز ال54 في المئة وهي النسبة الأعلى له منذ عام 1958. ويعود الفضل في ذلك إلى صدور «حرب النجوم 2» في نهاية العام، وإلى وجود أفلام أميركية أخرى جذبت الجمهور العريض مثل «مينيونس» Minions و «عالم جوريسيك»، والتي احتلت المراكز الأولى في نسبة الإقبال على دور السينما خلال العام المنصرم. أما السينما الفرنسية، فعلى رغم وجود أفلام حققت مبيعات ضخمة خلال العام المنصرم مثل «المغامرات الجديدة لعلاء الدين» لآرثر بن زكوان و «الأساتذة 2» لبيار فرنسوا لافال... فإنها لم تستطع أن تجاري الإقبال الذي لاقته الأفلام الفرنسية عام 2014، لا سيما مع «ماذا فعلنا بحق الإله؟». هذا الفيلم الفكاهي المليء بالمواقف المضحكة والمحرجة حققه فيليب دي شوفرون تجاوز عدد تذاكره المباعة الاثني عشر مليوناً وهو عن قصة عائة برجوازية كاثوليكية من مدينة فرنسية تجد نفسها أمام امتحان عسير، حين تختار بناتها الأربع أزواجاً من خارج أجوائها التقليدية المحافظة. فكان هناك العربي واليهودي والآسيوي والأسود. حيوية متواصلة مع ذلك، فإن الحديث عن «حيوية» السينما الفرنسية لا يزال متداولاً، فعدد كبير منها حصد الجوائز العام الفائت كما لاقى النجاح في الصالات. وقد شاركت أربعة أفلام فرنسية في مهرجان «كان» الأخير، «الواجهة الراقية» للفن السابع كما يقال، «ديبان» لجاك أوديار الذي فاز بالجائزة الكبرى، «قانون السوق» لستيفان بريزيه الذي فاز بطله فنسان لندون بجائزة التمثيل و «ملكي» لمايوان، فيما اختير الرابع «الرأس العالي» لإيمانويل بيركو لافتتاح المهرجان. واعتبر رئيس المركز الوطني للسينما أن العام الفائت كان «جيداً» سينمائياً، وأن فرنسا «بلد يحب السينما»، بخاصة مع معدل التردد على دور العرض الذي هو الأعلى مقارنة ببلدان الاتحاد الأوربي، وتباع في أوروبا سنوياً 911 مليون تذكرة منها 209 مليون في فرنسا وحدها، تليها ألمانيا فإيطاليا فإسبانيا فإنكلترا. ويوجد في فرنسا 5653 شاشة عرض بمعدل 8.5 شاشة لكل 100 ألف شخص. واعتبرت السنة الماضية ناجحة على صعيد تصدير الفيلم الفرنسي، لا سيما مع «الأمير الصغير» لمارك أوسبورن الذي بيع في أكثر من أربعين بلداً وأصبح فيلم التحريك الفرنسي الأكثر نجاحاً عالمياً منذ عشرين سنة. وبهذا استمرت في العام الماضي حيوية أفلام التحريك التي بدأت في 2014 مع 29 فيلماً. الآخرون... أما السينمات الأخرى، فما زالت حصتها ثابتة في السوق الفرنسية وتتراوح نسبتها بين 10 و11 في المئة، مع ملاحظة انخفاض واضح في حصة الأفلام العربية والإيرانية وارتفاعها للأفلام الإسرائيلية والصينية والأميركية اللاتينية. وكان عدد ما عرض من الأفلام العربية في صالات «فن وتجريب» وفي الصالات التجارية الكبرى عام 2013 عشرة أفلام، فيما عددها لم يتجاوز الخمسة عام 2014، والسبعة في العام الماضي ومعظمها أفلام تبرز واقعاً قاتماً يعبر عن البؤس الإنساني في المنطقة بتجلياته كافة. استهل هذه الأفلام الفيلم السوري «ماء الفضة» لأسامة محمد ووئام بدرخان، والفيلم المؤثر مرثاة شعرية لسورية ويوميات من حمص المحاصرة. وجاءت فكرته من سؤال على الإنترنت وجهته بدرخان للمخرج السوري «لو كانت عدستك هنا في حمص ما كنت لتصور؟». وجاءت كل الأفلام الأخرى من المغرب العربي، وكان أبرزها «شلّاط تونس» لكوثر بن هنية الذي تناول إشاعة انتشرت في تونس قبل الثورة عن شخص يدور على دراجته النارية وهو مسلّح بموسى حلاقة ليشرط به مؤخرات النساء اللواتي يصادفهن. عشر سنوات بعدها وبعد الثورة انطلقت الألسن، إنه تحقيق للمخرجة حول الغموض الذي لفّ هذه القضية وهل كانت مجرد جرائم أخلاقية أم لها خلفيات سياسية؟ وعرض فيلم «السطوح» للجزائري مرزاق علواش ويحكي عن شخصيات تتناوب على سطوح العاصمة الجزائرية كأنها في أمكنة مغلقة بسماء مفتوحة على التناقضات والعنف واللاتسامح والخلافات التي لا تنتهي... ولم يكن ختام هذه الأفلام «مسكاً» لناحية سوداويتها، ففيلم المغربي الفرنسي نبيل عيوش «الزين لي فيك» الذي أثار الجدال والغضب والمنع في المغرب كان إدانة للمجتمع المغربي وكشفاً فاضحاً للنفاق والفساد والاستغلال من خلال يوميات فتيات يعملن بالبغاء. أما «على حلة عيني» الفيلم الروائي الأول للتونسية ليلى بو زيد، فقد تناول تلك الأجواء التي سبقت الثورة في تونس من خلال حكاية الشابة التواقة للحرية «فرح». نظرات من الخارج وكان من اللافت في الموسم المنصرم إلى هذا عرض أفلام عدة تتناول أوضاع المنطقة لمخرجين غير عرب مثل «شباب اليرموك» لأكسل سلفاتوري، وكذلك أفلام أخرجها فرنسيون بعضهم من أصول عربية تتناول أحوال الفرنسيين من أصول مهاجرة. كفيلم «جاهزة حالاً» لبايا قاسمي عن أسرة جزئراية في فرنسا بين التأقلم والرفض والتفكير الدائم في الجذور. وكان فيلم «فاطمة» لفيليب فوكون الذي فاز بواحدة من أرفع الجوائز السينمائية بفرنسا وهي «لويس ديلوك»، واحداً من أجمل أفلام العام وهو لوحة معبرة لثلاث شخصيات نسائية من أسرة واحدة في فرنسا، الأم من أصول جزائرية امرأة مكافحة ذكية ترعى شابتين وتواجه الحياة وصعوبات العمل والتقاليد والتأقلم مع مجتمع جديد بمفردها.