تصدر المشهد السوري واجهة الحدث السياسي في لبنان، وتنقل أمس ما بين دمشق التي رعت أول اجتماع من نوعه للمديرين العامين والخبراء اللبنانيين ونظرائهم السوريين شارك فيه ضباط من قيادة الجيش اللبناني خصص لتقويم ومراجعة الاتفاقات المعقودة بين لبنان وسورية بموجب معاهدة الأخوية والتعاون والتنسيق تمهيداً للزيارة المرتقبة لرئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري للعاصمة السورية ليرأس ونظيره السوري محمد ناجي عطري الهيئة المشتركة بين البلدين، وبين قاعة الاحتفالات في «البيال» في الوسط التجاري لبيروت التي شهدت حضوراً سياسياً حاشداً ومميزاً في الحفلة التي أقامها السفير السوري في لبنان علي عبدالكريم وعقيلته لتقبل التهاني لمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الجلاء والعيد الوطني للجمهورية العربية السورية. وكان لافتاً أن الحضور السياسي في أول احتفال تقيمه السفارة السورية في لبنان منذ قرار إقامة العلاقات الديبلوماسية وتبادل السفراء، تجاوز الانقسام السياسي القائم في لبنان وتخطى انقطاع التواصل بين القيادة السورية وأطراف لبنانية، أبرزها حزبا الكتائب و «القوات اللبنانية» اللذان تمثلا بوفدين رفيعين. ومثّل رئيس الجمهورية ميشال سليمان وزير الخارجية علي الشامي، فيما حضر رئيس المجلس النيابي نبيه بري شخصياً، وحضر الوزير عدنان القصار ممثلاً رئيس الحكومة سعد الحريري، ونواب وشخصيات سياسية من «تيار المستقبل» وتكتل «لبنان أولاً». وفيما لم تعرف الأسباب التي أملت على السفارة السورية في بيروت استثناء عدد من النواب المنتمين الى تكتل «لبنان أولاً» و «المستقبل» من توجيه الدعوات إليهم مع أن الحريري شخصياً أوعز لنوابه بحضور الاستقبال، فإن مجرد شمول الدعوات نواب حزبي الكتائب و»القوات» يعني انها تنم عن وجود رغبة سورية في إنهاء القطيعة وكسر الجليد المسيطر على علاقة الحزبين بدمشق حتى لو تأخر التواصل لبعض الوقت، وإلا لما كانت وجهت الدعوات لنواب الحزبين باعتبار أن لا شيء في السياسة اسمه علاقات عامة فقط. لذلك فإن الاستقبال السوري لم يقتصر على «أهل البيت» من اللبنانيين الحلفاء لسورية ولا على السفراء العرب والأجانب المعتمدين في لبنان، وإنما تمدد باتجاه بعض خصوم سورية في لبنان وهذا يحمل بحد ذاته تطوراً جديداً حتى لو اقتصر حضور هؤلاء على تقديم التهاني. وعلى صعيد زيارة وفد المديرين العامين والخبراء اللبنانيين لدمشق التي تزامنت مع بدء محادثات الحريري في روما والتي استهلها مساء أمس بلقاءين مع السفراء العرب المعتمدين لدى إيطاليا وأركان الجالية اللبنانية فيها، على أن يلتقي اليوم برؤساء الجمهورية والحكومة والنواب ومجلس الشيوخ، لا بد من الإشارة الى أن عطري التقى رئيس الوفد اللبناني الوزير جان إوغاسبيان في حضور الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني – السوري نصري خوري قبل بدء المحادثات الموسعة التي رأسها عن الجانب السوري رئيس هيئة التخطيط للدولة عامر لطفي. ولوحظ أن الوفد اللبناني ضم نائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش اللبناني العميد الركن عبدالرحمن شحيتلي وضابط التخطيط في قيادة الجيش العقيد بطرس معز ومدير الداخلية بالوكالة العميد نقولا الهبر وأمين عام الخارجية بالوكالة وليم حبيب ما يعني أن مراجعة الاتفاقات المعقودة بين البلدين لم تقتصر على المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية والبيئية والمياه والطاقة والعدل ممثلة بمديرها العام القاضي عمر الناطور، وإنما حملت معنى سياسياً يتعلق بوجود رغبة مشتركة في تأكيد ضرورة التنسيق في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسة الخارجية، إضافة الى التعاون في حقول التربية والصناعة والسياحة والزراعة والنقل العام. وامتدت الاجتماعات المشتركة الى الليل، وشهدت لقاءات ماراثونية برعاية أوغاسبيان ولطفي، كانت أحياناً ثنائية ضمت فرق العمل في كل وزارة من الوزارات المشاركة والمعنية بالتنسيق. وكان عطري عرض مع أوغاسبيان في حضور لطفي وخوري وسفير لبنان في سورية ميشال الخوري، «علاقات التعاون وأواصر الأخوة التي تجمع بين الشعبين الشقيقين والرغبة في تطويرها». واعتبر نصري خوري في كلمته في الجلسة الافتتاحية أن «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق حددت المفاصل الأساسية التي تتمحور حولها عملية التعاون بين البلدين في مجالات السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد والتربية والقضاء»، فيما لفت لطفي الى التحولات الاقتصادية الكبيرة التي حصلت في الاقتصاد السوري، والتي أكدت ضرورة مراجعة الكثير من الاتفاقات المعقودة مع الدول العربية ومن بينها لبنان، وضرورة تجديدها بما يتناسب مع هذه التحولات. بدوره دعا أوغاسبيان الى «تأسيس مرحلة مقبلة واعدة وزاهرة لتحقيق التقارب الاقتصادي بين البلدين تمهيداً لتحقيق التكامل الاقتصادي». من جانبه، ذكّر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط أن في الجلسة الأخيرة للحوار شددت على أهمية «سحب كلمة السلاح من التداول الإعلامي والتركيز بدلاً من ذلك على الخطة أو الاستراتيجية الدفاعية التي تحتم التنسيق بين الجيش اللبناني والمقاومة من أجل حماية لبنان من أي عدوان إسرائيلي الى أن يأتي الوقت المناسب، إقليمياً ومحلياً، للاستيعاب والانصهار التدريجي للمقاومة في الدولة»، وقال: «حتى يحين ذلك الأوان، من الأفضل ألا يتم التداول بموضوع السلاح عبر وسائل الإعلام لأن ذلك لا يؤدي سوى الى زيادة التوتر على المستوى الداخلي من دون أن يؤدي الى نتيجة عملية في أي مكان». وزاد: «أما للذين يقولون إن وجود السلاح قد يؤدي الى العدوان فنحيلهم الى التجارب التاريخية السابقة التي أفرغت فيها إسرائيل حقدها ضد لبنان مرات ومرات قبل وجود هذا السلاح أو أي سلاح سابق للمقاومة السابقة. كما أن تزامن هذا الطرح مع أوج الاتهامات الإسرائيلية بنقل صواريخ سكود من سورية الى لبنان واتهام حزب الله بامتلاكها إنما يثير أكثر من علامة استفهام».