لم تحقق لجنة التواصل النيابية المكلفة إعداد قانون انتخاب جديد أي تقدم وأوشكت على السقوط في مأزق المراوحة وهذا ما يعزز الاعتقاد السائد لدى أطراف سياسيين أساسييين بأن ربط انتخاب رئيس جمهورية جديد للبنان بالتوافق على القانون يدفع في اتجاه تمديد الشغور في الرئاسة الأولى، خصوصاً أن إدراج إنجاز الاستحقاق الرئاسي يكون من ضمن سلة متكاملة يعني أن من يتبنّى مثل هذا الربط يبحث عن عذر تلو الآخر للهروب إلى الأمام مع أنه غير دستوري. ويسعى فريق أساسي في «قوى 8 آذار» الى تحقيق مثل هذا الربط وإن كان يحاول أن يلقي المسؤولية في هذا الخصوص على لقاء باريس الذي جمع زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري بزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية والذي يفترض أن يؤسس لخريطة طريق لانتخاب الرئيس. وتؤكد مصادر نيابية ان بعض الأطراف في «8 آذار» وعلى رأسهم «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون أبدوا انزعاجهم من اللقاء في ضوء اعلان الحريري عن رغبته في اطلاق مبادرة لإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى بدعم ترشح فرنجية لرئاسة الجمهورية. وتقول المصادر ذاتها إن اللقاء أحدث إرباكاً داخل «التيار الوطني الحر» وأوقعه في حيرة من أمره، وهذا ما انعكس على مجريات النقاش في لجنة التواصل النيابية المكلّفة إعداد قانون انتخاب جديد وإلا لماذا بادر الى شن حملة اعلامية منظمة ضد فرنجية ومن خلاله ضد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي. وتكشف ان الفريق المعترض على ترشح فرنجية يراهن على كسب الوقت لعل الظروف تتغير وتصب في مصلحة انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وتقول إن المراوحة التي ترزح تحت وطأتها لجنة التواصل النيابية تكمن في أن «التيار الوطني» لا يعترض على التمديد للفراغ في الرئاسة الأولى ظناً منه انه سيدخل تعديلاً على جدول الأولويات. وبكلام آخر، فإن عون - وفق المصادر ذاتها - يعتبر ان تأخير انتخاب الرئيس سيفرض الانصراف الى اعداد قانون انتخاب جديد يدفع في اتجاه تدعيم وجهة نظره القديمة - الجديدة القائمة على اجراء الانتخابات النيابية أولاً على ان توكل مهمة انتخاب الرئيس الجديد الى البرلمان المنتخب لا الى البرلمان الممدد له والذي تنتهي ولايته في 20 حزيران (يونيو) 2017. لكن عون في رهانه لن يصل الى مبتغاه لأن لبنان - كما تقول المصادر النيابية - لا يحتمل استمرار الفراغ الرئاسي في ظل وجود برلمان يعاني من الشلل وأيضاً حكومة معطلة، على رغم استعداد البعض للقيام بعملية إنعاش لها من خلال تفعيل عملها الذي سيصطدم كما في السابق بالاختلاف على آلية إصدار القرارات في مجلس الوزراء. كما أن عون سيفتقد لمن يناصره في أن تكون الأولوية لانتخاب مجلس نيابي جديد اضافة الى انه لن يكون في منأى عن الضغوط الدولية والإقليمية التي تدعم الإسراع في انتخاب الرئيس من خلال تحييد لبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة وعدم ادراجه على طاولة المفاوضات التي ما زلت تتعثر. وعون يدرك جيداً ان الحراك الدولي والإقليمي لقطع الطريق على ربط انتخاب الرئيس بالأزمات المشتعلة في المنطقة سيقول كلمته في الوقت المناسب ومن اعلى المنابر الدولية بعد ان تبرّع عدد من السفراء الأجانب المعتمدين لدى لبنان بمكاشفته بأن البلد اقترب من حافة الانهيار الاقتصادي والمالي وأن صمام الأمان لمنعه من الغرق في الفوضى والفلتان هو بيد القوى الأمنية الشرعية وعلى رأسها مؤسسة الجيش والإدارة المالية المتمثلة بحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف. حكومة إدارة أزمة وفي هذا السياق تقول المصادر النيابية ان حكومة النأي بالنفس تشرف على ادارة الأزمة السياسية ولا دور لها في توفير الحماية لشبكة الأمان المالية والأمنية نظراً الى انها تحولت الى مربعات سياسية وأن الشعار الذي اختارته لنفسها بأن تكون حكومة مصلحة وطنية لا يصرف في مكان طالما انها عاجزة عن توفير النصاب السياسي لعقد جلسات مجلس الوزراء. ولم يتسن للحكومة - وفق المصادر - التوصل الى مقاربة لإعادة تفعيلها ووقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء. لأن «التيار الوطني» يصرّ على ممارسة الضغط عليها ولن يسلّم بآلية اتخاذ القرارات أي بالنصف زائداً واحداً للتصويت على العادية منها وبثلثي عدد الوزراء لاتخاذ القرارات الكبرى. وبالعودة إلى لجنة التواصل النيابية لإعداد قانون انتخاب جديد، علمت «الحياة» من مصادر في داخل اللجنة أن بعض الأعضاء فيها لا يتقيّدون بحصر النقاش في قانون يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي. وتؤكد المصادر أنه كان يفترض بلجنة التواصل ان تناقش في هذا الخصوص مشروعين، الأول مقدم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري وينص على المناصفة بين هذين النظامين - أي انتخاب 64 نائباً على أساس الأكثري مقابل 64 آخرين استناداً الى النسبي. أما المشروع الثاني فقد تقدم به تيار «المستقبل» و «اللقاء النيابي» الديموقراطي برئاسة وليد جنبلاط وحزب «القوات اللبنانية» وينص على انتخاب 68 نائباً على أساس الأكثري و60 وفق النظام النسبي. وتقول ان أصحاب المشروع الثاني يلتزمون به وإن الاختلاف بين الحريري وسمير جعجع حول ترشيح الأول لفرنجية لم ينعكس سلباً على موقفي ممثليهما في لجنة التواصل (أحمد فتفت وجورج عدوان). وكأنهما توافقا على تحييد قانون الانتخاب عن الاستحقاق الرئاسي. وتضيف أن المداخلات التي أدلى بها عدوان لم تحمل أي تبدّل في موقف حزب «القوات» في خصوص مشاركته و «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» في وضع مشروع موحد... بينما يصرّ ممثل «حزب الكتائب» على تقسيم لبنان الى دوائر انتخابية صغيرة. وبالنسبة الى الضفة الأخرى أي 8 آذار و «التيار الوطني» فإن ممثل رئيس المجلس النائب ميشال موسى لا يزال يلتزم المشروع الذي أعدته كتلة «التنمية والتحرير» بينما يدعم ممثل «حزب الله» في اللجنة النائب علي فياض موقف حليفه عون، من خلال ممثله النائب ألن عون الذي يطرح تقسيم لبنان الى 15 دائرة انتخابية على ان تجرى الانتخابت على أساس النظام النسبي. ويقترح فياض - كما تقول المصادر - اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحد تأخذ بالنظام النسبي، هذا في حال قوبل اقتراح «التيار الوطني» بالرفض. «حزب الله» يريد صيدا لكن الجديد في موقف فياض يكمن في إصراره على ان تكون دائرة صيدا الانتخابية خاضعة للنظام النسبي ما يعني ان «حزب الله» يصرّ على عدم إخلاء الساحة ل «المستقبل» وبالتالي يريد أن يتمثل بمقعد نيابي من خلال النائب السابق أسامة سعد. وتنقل المصادر النيابية عن فياض قوله: «خلينا نرمي حبل الغسيل ويقوم كل واحد بنشر غسيله عليه، ونحن من جانبنا سننتقي المشروع الذي نرتاح إليه»... وتقول إن المقصود بكلامه أنه «يطحش» لمصلحة إقرار قانون انتخاب يضعف تمثيل «المستقبل» في مناطق نفوذه، وهذا يعني ان بعضهم يستخدم نفوذه لإقرار قانون هدفه إضعاف خصومه لا تحقيق التمثيل النيابي المتوازن. وعلى كل حال، فإن أي مشروع يمكن أن تتوصل إليه لجنة التواصل، مع أن هذا لا يزال يواجه صعوبة، لن يكون ملزماً للهيئة العامة في البرلمان التي يعود لها أن تقول كلمة الفصل في أي مشروع انتخابي، ناهيك بأن لجنة التواصل لم تعد قادرة على القيام بالمهمة التي أوكلها إليها الرئيس بري بوضع قانون انتخاب جديد بعد مشاوراته التي أجراها مع الكتل النيابية وبالتالي أصبحت في مأزق الآن خصوصاً أن «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» لا يحبذان اعتماد النظام النسبي إذا كان يستهدف تقليص نفوذهما في البرلمان، وإلا ما هو التفسير المنطقي لإصرار بعضهم على ان ينتخب النائب الكاثوليكي عن الشوف على أساس النظام النسبي. كما ان جنبلاط لا يؤيد أي قانون لا يجمع قضاءي الشوف وعالية في دائرة واحدة اضافة الى اصرار «المستقبل» على ان تبقى الدوائر الانتخابية التي تضم مقعدين خاضعة للنظام الأكثري وهذا ما يلقى معارضة من «التيار الوطني» و «حزب الله». لذلك تغرق لجنة التواصل، كما تقول المصادر، في طبخة بحص ولن تصل إلى برّ الأمان في ضوء استمرار «الكباش السياسي» حول الرئاسة الأولى وتعامل الأطراف مع أي قانون على قاعدة حصد المزيد من المقاعد النيابية. وعليه، تسأل هذه المصادر في ظل اجماع الأطراف على تمسكهم باتفاق الطائف، عن الموانع التي ما زالت تؤخر البحث في استحداث مجلس شيوخ على أساس طائفي في مقابل مجلس نيابي لا يخضع للشروط أو المواصفات ذاتها، كما تسأل أيضاً عن الجدوى من استمرار لجنة التواصل التي تبحث الآن في مشاريع أقل ما يقال فيها إنها من كل واد عصا؟ وبالتالي تدفع في اتجاه العودة إلى نقطة الصفر.