بمشاعر مختلطة بين الفرحة والحزن، أحيا الفلسطينيون من جميع الفصائل امس «يوم الأسير» الذي يعد يوماً من أهم أيام السنة لديهم، يوماً يستعدون له طويلاً كي يوجهوا رسائل للأسرى تقول: «ما زلتم في عقولنا وقلوبنا»، و «سنبقى معكم ولن نهدأ من دون الإفراج عنكم جميعاً». ابتسمت أم أحمد حرز، زوجة الأسير «الفتحاوي» نافذ حرز (55 سنة)، لأنها وجدت نفسها أمس تُحيي «يوم الأسير» في خيمة أقيمت أمام مقر بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة، مع آلاف الفلسطينيين في أجواء من الوحدة شارك فيها «فتحاويون» و «حمساويون» و «جبهاويون» وغيرهم. لكنها تنهدت لأنها ما تزال تعتقد أن مسألة الوحدة الوطنية بالنسبة الى الفصائل لم تغادر مربع «الشعارات ولم تطبق على أرض الواقع». وبالنسبة الى أم أحمد، الأسرى جميعاً «إخوتي ولا أميز بين أسير وأسير، لكن اسرائيل استغلت الانقسام وسحبت امتيازات من الأسرى وفصلت أسرى فتح عن أسرى حماس». وكانت ام احمد أنجبت بعد زواجها من نافذ أواخر عام 1977 ناهد وأحمد وبسمة وسهير ومحمد، فيما كانت حامل في شهرها الأول بطفلتها سها عندما اعتقلته قوات الاحتلال في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1985. ومنذ اعتقاله، تحملت وحدها صعوبة الحياة، وعاشت على راتب بسيط دأبت منظمة التحرير الفلسطينية على صرفه لها بعد عام على اعتقاله بلغت قيمته 80 ديناراً أردنياً. وعلى رغم ذلك، زوجت أبناءها الستة، وخرّجت ابنتين في الجامعة في ظل غياب زوجها. وقالت أم أحمد ل «الحياة» وهي تجلس الى جانب مئات النسوة والرجال في خيمة الاعتصام والهم يرتسم على وجهها: «قلبي مجروح، لم أفرح يوماً عندما زوّجت أولادي وبناتي، أو عندما تخرّجت ناهد وسهير في الجامعة، فنافذ لم يكن موجوداً». وأضافت أن «الحياة صعبة في وجود الزوج، وتصبح أكثر صعوبة في غيابه خلف الجدران الرطبة». وتابعت: «عرض علي أبو أحمد بعد اعتقاله أن يطلقني، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً، وقلت له: حتى لو رميت أنت علي اليمين، سأبقى مع أولادي، ولن أدع امرأة اخرى أو أي أحد يمشط شعر بناتي غيري». هكذا تفهم أم أحمد معنى الوفاء والتحدي، ويعينها على ذلك حفيدها نافذ (4 سنوات) ابن أحمد الذي «يذكّرها باستمرار بجده، فهو يشبهه الى حد كبير، ودائم السؤال عنه، فيما تجلس شقيقته الكبرى سناء (12 سنة) تكتب الرسائل لجدها الغائب منذ أمد بعيد بعيد». 70 ألف معتقل منذ عام 2000 ويعتبر أبو أحمد واحداً من سبعة آلاف أسير تعتقلهم سلطات الاحتلال الاسرائيلي في نحو 30 سجناً ومركز توقيف، وهم من بين 750 ألف فلسطيني اعتقلتهم منذ عام 1967، من بينهم نحو 12 ألف مواطنة وعشرات آلاف الأطفال، حسبما قال الباحث في شؤون الأسرى عبدالناصر فروانة ل «الحياة»، مضيفاً أن سلطات الاحتلال اعتقلت 70 ألفاً منذ اندلاع انتفاضة الأقصى اواخر عام 2000، من بينهم 850 امرأة، وثمانية آلاف طفل. وأشار الى أنه لا يزال قيد الاعتقال سبعة آلاف أسير، من بينهم 35 أسيرة، و337 طفلاً، و257 معتقلاً إدارياً، و15 نائباً ووزيراً وقائداً سياسياً، أبرزهم الأمين العام ل «الجبهة الشعبية» أحمد سعدات، وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» مروان البرغوثي. ولفت فراونة الى وفاة 197 أسيراً بسبب الإهمال الطبي والتعذيب وغيرها. وقال إن هناك 70 أسيراً سقطوا نتيجة التعذيب، فيما قتل 70 أسيراً عمداً بعد اعتقالهم مباشرة، إضافة إلى 7 أسرى استشهدوا نتيجة استخدام إطلاق الرصاص الحي عليهم. خيمة الاعتصام التضامنية وعلقت صور سعدات والبرغوثي وعشرات غيرهما من الأسرى في خيمة الاعتصام التي أقامتها لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأمها أمس الآلاف من المنتمين للفصائل والقوى الفلسطينية الذين تعاقبوا على القاء كلمات وحدوية قل نظيرها وغابت عن المشهد السياسي الفلسطيني منذ سيطرت حركة «حماس» على القطاع أواسط عام 2007. وأكدت القوى الوطنية والإسلامية ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية من أجل إعادة الاعتبار لقضية الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة العمل الجدي من أجل الإفراج عنهم. كما عبرت عن وفائها وتضامنها مع الأسرى والأسيرات في ذكرى «يوم الأسير» الفلسطيني. وأقام المعتصمون الى جانب خيمة التضامن خياماً أحاطوها بأسلاك شائكة في ما يشبه السجن الاسرائيلي، فيما قيد شبان أيديهم بالسلاسل، ووضعوا قطعاً من القماش الأسود على عيونهم، في محاكاة لأوضاع الأسرى وآلامهم، ورفعوا شعارات تطالب بالوحدة الوطنية لإنقاذ الأسرى مما يتعرضون له من انتهاكات داخل السجون، ومن بينها: «بالوحدة والمقاومة يتحرر أسرانا»، و «بالصبر والصمود تنكسر القيود»، و «بخطف الجنود سنحرر أسرانا». ويخوض الاسرى منذ مطلع الشهر إضراباً كلياً عن الزيارات، وجزئياً عن الطعام، في كل السجون احتجاجاً على أوضاعهم المتردية وتجاهل حقوقهم الإنسانية ومنع ذويهم من زيارتهم. وأضرب عشرات الغزيين أمس عن الطعام تضامناً مع الأسرى، فيما أضاءت لجنة الأسرى ومنظمة أنصار الأسرى «شعلة الوفاء للأسرى» من أمام منزل عميد الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة سليم علي الكيال المعتقل منذ الثاني من ايار (مايو) عام 1983، والذي يدخل في الأيام المقبلة عامه ال 28 في السجن. هنية يزور الخيمة وزار رئيس حكومة غزة التي تقودها «حماس» إسماعيل هنية خيمة الاعتصام. ومن مدخل الخيمة التي تزينها صور الرئيس الراحل ياسر عرفات وسعدات والبرغوثي وغيرهم من الأسرى، اعتبر هنية أن احترام الأسرى وتقديرهم ورفع شأنهم يتم من خلال استئناف المقاومة وتحقيق المصالحة الوطنية وتوفير الدعم اللازم لقضيتهم على كل المستويات. وأضاف: «لا بد أن من نحقق المصالحة، بمساعدة أشقائنا العرب، وذلك برفع اليد الأميركية عن المصالحة التي يجب أن تتحقق وفق مقتضيات الرؤية الوطنية الفلسطينية». وجاءت كلمات هنية استكمالاً لما قاله في كلمته في جلسة خاصة للمجلس التشريعي عقدت أمس في مقر وزارة الأسرى في مدينة غزة، دعا خلالها إلى استئناف المقاومة في الضفة الغربية حتى تلتحم مع المقاومة في قطاع غزة. واعتبر أن «المقاومة ما زالت في الميدان، وترفع قضية الأسرى إلى سلم أولويات العمل الوطني وفي قمة اهتماماتها»، مشدداً على أن «الخيارات كافة متاحة للإفراج عن الأسرى». ورأى أن «الحديث عن المقاومة الشعبية أمر جيد، ولا أحد يمكنه أن يحط من قدر حركة الشعب في هذا السياق، لكن المقاومة الأنسب هي التي يمكن أن توجع الاحتلال». وأشار إلى أن «الأسرى يخوضون الإضراب والاحتجاجات في شكل موحد، وهذه رسالة من أجل استعادة الوحدة وتحقيق المصالحة»، داعياً إلى «توفير الدعم اللازم لقضية الأسرى شعبياً وفصائلياً وإنسانياً وإعلامياً ومالياً». التشريعي يعقد جلسة خاصة للأسرى وقال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر إن «فكرة عقد الجلسة في ذكرى يوم الأسير، جاءت برغبة من جميع النواب»، معتبراً أن «الأسرى بحاجة إلى خطوات جدية من أجل التصدي لسياسة الاحتلال في حقهم». وثمن إقامة الخيمة التضامنية مع الأسرى بمشاركة الفصائل، مطالباً النواب والبرلمانيين العرب ومنظمة المؤتمر الإسلامي بطرح قضية الأسرى على سلم أولوياتهم واجتماعاتهم.