مذكرة تفاهم بين محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    إزالة مبانٍ لصالح جسر الأمير ماجد مع «صاري»    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وبحضور دولي.. انطلاق المُلتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية    1000 شركة محلية ودولية تشارك في ملتقى بيبان 24    "الإحصاء" تنشر مؤشر الرقم القياسي لأسعار العقارات    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الرابعة عشرة إلى لبنان    بيان دولي يحثّ إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها تجاه «الأونروا»    الحزب الحاكم في اليابان يخسر أغلبيته في البرلمان للمرة الأولى منذ 2009    «ميتا» تكافح الاحتيال بميزة بصمة الوجه    الأنظار تتجه لباريس في حفل جوائز الكرة الذهبية.. فينيسيوس يحسمها.. وغوارديولا ينافس أنشيلوتي كأفضل مدرب    في دور ال 16 من كأس خادم الحرمين الشريفين.. الاتحاد يواجه الجندل.. وديربي بين الرياض والشباب    وزير الخارجية ونظيره الصومالي يبحثان المستجدات    المملكة ودعم الشعب اليمني    تجسّد العمق التاريخي للمملكة.. اعتماد 500 موقع في سجل التراث العمراني    الصمت في لغة الأدب والحب    عبدالرحمن المريخي.. رائد مسرح الطفل في السعودية والخليج    السرطان يصيب هارفي واينستين داخل السجن    كبسولة النمو المالي    شتّان بين الضغائن والخصومات    8 أمور إذا شعرت بها.. غيِّر أصدقاءك فوراً !    مطار دولي يفرض حداً زمنياً للعناق    5 أطعمة غنية بالدهون الصحية    «خير المملكة» يتواصل في اليمن وسورية    أمير الرياض يستقبل السفير الياباني.. ويعزي الدغيثر    السيولة في الاقتصاد السعودي تسجل 2.9 تريليون ريال    الفقيه: مشروعات الاستزراع السمكي منوعة    "موهبة" تطلق فعاليات أولمبياد إبداع 2025    قيمة استثنائية    الطائف: أساتذة وخريجو معهد المراقبين يعقدون لقاءهم العاشر    "اتحاد القدم" يختتم دورة الرخصة التدريبية الآسيوية "A"    القيادة تهنئ حاكم سانت فنسنت وجزر الغرينادين    الهيئة العامة للعقار تدشن مبادرة مركز بروبتك السعودية لتمكين التقنية العقارية    وكيل الأزهر يشيد بجهود مجمع الملك فهد لطباعة المصحف    نائب أمير حائل ينوه بدعم القيادة لقطاع التعليم    سعود بن جلوي يستقبل مدير الدفاع المدني بجدة    «التنفس المخلوي».. الوقاية بالتوعية    إنقاذ حياة فتاة بتدخل جراحي    مستشفى الأسياح يدشن مبادرة "نهتم بصحة أسنانك"    «موسم الرياض» يطرح تذاكر منطقة «وندر جاردن»    السني مديراً للموارد البشرية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    إسعاف القصيم الجوي يباشر اصابة راعي إبل في الصحراء    انتخاب ناصر الدوسري رئيساً للجنة العمالية بسابك    كيف يستعد الأوروبيون لترمب؟    الشرق الأوسط.. 500 عام من الصراعات!    أنا والعذاب وهواك في تكريم عبدالوهاب..!    9.7 ملايين عقد عمل موثق عبر منصة قوى    «بلان» أمامك أسبوع امتحان    إسرائيل.. ولعنة لبنان!    صلاح يقود ليفربول لتعادل مثير مع أرسنال بالدوري الإنجليزي    أهلاً بعودة رينارد    5095 ساعة تطوعية بجمعية العوامية    إطلاق 15 ظبياً في واحة بريدة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    وزير العدل يبحث مع نظيره القطري سبل تعزيز التعاون    جلوي بن عبدالعزيز يواسي آل سليم وآل بحري    ختام الدورة العلمية التأصيلية للدعاة والأئمة في المالديف    تكريم الفائزين بجائزة الأمير محمد بن فهد في دورتها الثالثة لأفضل أداء خيري في الوطن العربي    سموه عقد اجتماعًا مع رؤساء كبرى الشركات الصناعية.. وزير الدفاع ونظيره الإيطالي يبحثان تطوير التعاون الدفاعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين مروان عبد العال عبر واقعية سحرية
نشر في الحياة يوم 02 - 01 - 2016

يتخذ مروان عبد العال في «60 مليون زهرة»، روايته السابعة، (دار الفارابي)، من الواقعية السحرية إطاراً لتفكيك الواقع الفلسطيني. وهو واقع معروف للقاصي والداني، ومطروق من الرواية العربية بعامة والفلسطينية في شكل خاص. وتتمظهر مفرداته، على المستوى الإسرائيلي، بالعدوان، والقتل، والقمع، والاعتقال، والتهجير، ونسف البيوت، والإذلال، ومصادرة الأرزاق، وإقفال المعابر...، وتتمظهر، على المستوى الفلسطيني، بالمقاومة، والتضحية، والاستشهاد، وابتكار وسائل الصمود، والصراع بين الإخوة، والعجز عن اجتراح الحلول... على أن ما يختلف فيه مروان عبد العال عن الآخرين هو أنه يفكك هذا الواقع في إطار تغلب عليه الواقعية السحرية. ولعل غرابة الواقع ومأساويته، منذ حوالى سبعة عقود، على الأقل، تجعل الإطار المختار مناسباً للواقع المفروض.
في «60 مليون زهرة»، لا توجد حكاية واحدة تتوالد فيها الأحداث، وتتعاقب، وتنمو، وتتشابك، وتتعقد وصولاً إلى حل معين، بل نحن إزاء مجموعة من الحكايات الفردية، الأفقية المسار، المتناثرة على مدى النص، فلكل شخصية حكايتها ومسارها. على أن العلاقة بين الشخصيات / الحكايات تقوم على التزامن والتماكن أكثر مما تقوم على التفاعل، فتتجاور معظم الشخصيات الرئيسية في المكان الروائي من دون أن تنخرط في علاقات في ما بينها، حتى وإن تمحورت اهتماماتها حول بؤرة واحدة أحياناً، والكاتب ينثر شذرات الحكاية الواحدة وجزئياتها على مساحة واسعة من النص، وينتقل من خيط سردي إلى آخر، ضمن الصفحة الوحدة، بسبب ومن دون سبب، لا سيما في النصف الأول من الرواية، ما يعكس قدرةً على التصرف بالخيوط المختلفة، ويجعل عملية القراءة محفوفةً بالاستنفار والتركيز، وإن كان تكرار الوقائع يخفف من هذا الاستنفار أحياناً.
يسند مروان عبد العال عملية الروي في روايته إلى تمثال للجندي المجهول ينتصب في مكان عام، في غزة، ويطل على البحر، فيروح يروي مشاهداته في المكان، ويرصد حركة الناس حوله، ويسمع حكاياتهم وشكاواهم، ويخيل إلى بعضهم أنه يحكي. وهكذا، نكون إزاء راو مشارك، هو شخصية رئيسية في الرواية، غير أن توسيع هذا الراوي صلاحياته، وقيامه بروي حكايات الشخصيات الأخرى التي تتردد إليه، وتوغله في ذاكراتها وتخيلاتها وأفكارها وأحلامها، وتعريجه على محطات تاريخية، واستغراقه في ذلك، يجعل منه راوياً عليماً بامتياز، ولولا قيام الكاتب باستخدام صيغة المتكلم يقطع بها صيغة الغائب، على فترات متباعدة، لنسينا أن ثمة راوياً مشاركاً هو التمثال. وعليه، نكون إزاء صيغة مركبة للروي يتجاور فيها المشارك والعليم في الراوي الرئيسي. وثمة رواة مشاركون آخرون، في مساحات ضئيلة، في الفصول الأخيرة.
تمثل شخصية التمثال الضمير الفلسطيني ورمز التضحية والشهادة، كما هي الحال في الدول الأخرى. غير أن تمثال عبد العال، وفي إطار الواقعية السحرية، ينهض بوظائف متعددة في النص، فهو المراقب، والمستمع، و»حائط المبكى»، ومشكى الضيم، ومنصة الاعتراف، والمحاور، والمتكلم. وهو الذي يغادر مكانه في نهاية الرواية غاضباً. وهكذا، يتحول التمثال من شاهد إلى شهيد.
إلى ذلك، يمكن تصنيف الشخصيات الرئيسية في الرواية إلى نوعين اثنين؛ الأول هو أقرب إلى الإطار، والثاني هو أقرب إلى المحتوى. على أنه يمكن أن نقع ضمن النوع الواحد على الإيجابي والسلبي في آن.
في النوع الأول المتعلق بالواقعية السحرية، نقع على شخصيات غريبة الأطوار، تفتقر إلى التوازن النفسي، وتعيش داخل أوهامها وتصوراتها وأحلام يقظتها، وتحيط الغرابة بولادتها أو نشأتها أو سلوكها؛ فكولومبو مخبر يقوم بكتابة التقارير اليومية لسيد متخيل هو الطاووس، الموجود في رأسه، يمضي وقته بين المقهى حيث يكتب، والمقبرة حيث يقرأ، والتمثال حيث يراقب ويتكلم. ويسعى إلى الحصول على خريطة الأنفاق التي طلبها منه الطاووس. تساوره رغبة في الانتحار يشفى منها بقراءة الأوراق التي عثر عليها في المقبرة والإفضاء بمكنوناته إلى التمثال، فتشكل القراءة والبوح نوعاً من علاج نفسي له، هو المهووس بالمراقبة والمراسلة والحالم برضى الطاووس الذي يكتشف في نهاية الرواية أنه مجرد شخصية وهمية...، ولعل قيامه ببيع حبوب «الفياغرا» من ذوي الرتب العالية في أجهزة السلطة إشارة روائية، مغلفة بالعجز الجنسي، إلى العجز السياسي الذي تعاني منه تلك الأجهزة.
على النقيض من هذه الشخصية السلبية، وفي النوع نفسه، تندرج شخصية عازف الأكرديون، المولود من نطفة مهربة لوالده المحكوم بالمؤبد الذي قضى في السجن، وهو مصاب بجنون الارتياب في الآخرين. علاقته بالنساء مضطربة. ينام في المقبرة عازفاً للأموات. يختلف إلى التمثال يعزف له، لعله يرقص. يمارس حريته بالعزف، ويشكو بالموسيقى لعجزه عن ابتكار الفرح. وينتهي به الأمر شهيداً حين يواجه العدو بالموسيقى مقتحماً بوابات غزة. وبذلك، تكون الموسيقى فضاء حرية، من جهة، وسلاح مقاومة، من جهة ثانية. على أن هذه الشخصية تطرح سؤال ملاءمتها العالم المرجعي الذي تحيل إليه؛ فالعازف في الأماكن العامة قد يكون شخصيةً تلائم العالم المرجعي الغربي أكثر مما تلائم العالم المرجعي العربي.
وفي النوع نفسه الغرائبي، تندرج شخصية «العنكبوت»، وتحضر في النص في شكل غير مباشر، من خلال الشخصيات الأخرى، وتتموضع بين خضوعها للقمع، على أنواعه، والتغيير البيولوجي، وبين نسبة أفعال سلبية إليها، فتتحول من ضحية إلى جلاد، وتتم شيطنتها وتهجينها بتحويلها من كتلة لحمية إلى كائن عجائبي هجين مصنوع مخبرياً، حتى إذا ما ظهرت في نهاية الرواية يتزامن ذلك مع اختفاء التمثال، في إشارة روائية إلى عدم إمكانية التجاور بين الرمزي والشيطاني.
في النوع الثاني من الشخصيات، المتعلق بالمحتوى الواقعي، تبرز شخصية جبر الجيلاني، الديناميكي، الذي ينخرط في أعمال المقاومة، ويعتقل، حتى إذا أفرج عنه، يمارس زراعة الزهر وتصديره إلى الخارج. وبذلك، تغدو الزراعة آلية أخرى من آليات الصمود ومقاومة الاحتلال. تتكامل هذه الشخصية مع شخصية دليلة بالزواج والزراعة والمقاومة، وتشكلان معاً ثنائياً متناغماً يجترح آليات الاستمرار لا سيما أن دليلة التي تربت على خالها، وتدربت على الصبر والاحتمال، وتشبعت بروحه النضالية، تروح تبحث عنه بعد اختفائه حتى إذا ما أعجزها العثور عليه، تراه في جبر الجيلاني، فتقترن به، ويشكل الأخير بدلاً عن ضائع من الخال المفقود.
إلى جانب هذه الشخصيات الرئيسة، بنوعيها الغرائبي والواقعي، ثمة شخصيات هامشية تلعب أدواراً ضئيلة سلبية على مسرح الأحداث؛ ومنها: جليلة التي تشكل النقيض لأختها دليلة، منسقة الزهور، في تنسيقها مع الاحتلال. والمهرب الذي يقتل زوجته، ويتاجر في الممنوعات.
وإذا كان قيام الكاتب بتجنيس بعض الشخصيات، وتسميتها باسم الجنس بدلاً من اسم العلم، كالطاووس، والعنكبوت، والديناميكي، والمفتش، والعازف، والمهرب، والمخبر، من شأنه إضاءة الشخصية الروائية جزئياً، فإن قيامه بتحديد الهوية الإثنية أو المذهبية أو الوطنية لبعض الشخصيات العابرة، المتعاونة مع الاحتلال، من شأنه الانزلاق، غير المقصود بالتأكيد، إلى الفخ الذي ينصبه المحتل، بتصوير الشعب الفلسطيني مجموعات متناحرة في ما بينها، فالعميل لا إثنية ولا طائفة ولا وطن له، وهذا المنزلق كثيراً ما انزلقت إليه الرواية الفلسطينية.
في نصه، يراعي مروان عبد العال التنوع في الشكل والمضمون؛ ففي الشكل، يكسر نمطية السرد بالحلم، والحكاية، والأسطورة، والأغنية، والرسالة، والورقة الذاتية...، وفي المضمون، يفتح نصه على حقول معرفية شتى، كالتاريخ، والجغرافيا، والأدب، والأنتروبولوجيا، والأسطورة، وعلم النفس، والسياسة، والأيديولوجيا... ما يغني النص، ويفتحه على دلالات متعددة. على أن هذا النص يتناص مع روايات أخرى في بعض الوقائع كواقعة انتقال التمثال من مكانه، والتفكير بمقبرة إلكترونية.
وبعد، وعلى رغم الواقع المأسوي، العبثي، الغرائبي الذي ترصده الرواية، فإن الانسحاب المفاجىء من المستوطنات، وإصرار مزارعي غزة على زراعة الزهر وتصديره، إنما يشكلان واقعتين تؤشران إلى إرادة الصمود الفلسطينية، وترهصان بحتمية التحرير. وبذلك، تلعب الرواية دورها في إضاءة الواقع واستشراف المستقبل. وهل للأدب من دور بعد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.