المدينة: 62 ألف غرفة ضيافة مرخصة    ابن سلمة زار عدة مصانع والتقى مستثمرين.. تمكين الصناعات السعودية وتحفيز استثماراتها    230 مليون سهم تداولات السوق السعودي    تأهيل الرعاية الصحية بالقطاع.. عبد العاطي: مصر والأردن تدربان الشرطة الفلسطينية لنشرها بغزة    تأمينا لخطوط الملاحة البحرية وحركة التجارة العالمية.. أمريكا تواصل ضرباتها لإفقاد الحوثيين القدرة على استهداف السفن    الصين تحذر تايوان من الخطاب الانفصالي    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره الصيني    "الثلاثي السعودي آسيوياً وفرق الشرق"    الاتحاد السعودي للهجن يختتم دورة تدريبية لمنسوبيه    ظاهرة غياب الطلاب والطالبات في رمضان    الأردن يدعو مواطني ومقيمي دول مجلس التعاون الخليجي لاكتشاف روائع المواقع التراثية المصنّفة ضمن قائمة اليونسكو    "هدية" تخدم مليوني مستفيد في النصف الأول من رمضان    جهاز داخل الرحم (2)    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير صندوق تنمية الموارد البشرية "هدف"    محافظ الطائف يكرّم 43 طالبًا وطالبة فائزين بجائزة "منافس"    محافظ الأحساء يرعى ختام أنشطة جمعية "قبس"    عبدالعزيز بن سعود يرأس الاجتماع السنوي ال 32 لأصحاب السمو أمراء المناطق    أمانة حائل تطلق فعالية "بسطة خير السعودية" ضمن موسم رمضان    بوتين وترمب يبحثان اليوم هاتفياً إنهاء حرب أوكرانيا    الشهري مدرباً للاتفاق حتى 2027    بتوجيه الملك وبناء على ما عرضه ولي العهد.. صرف أكثر من ثلاثة مليارات ريال معونة رمضان لمستفيدي الضمان الاجتماعي    من شارع الأعشى إلى بوسطن الأمريكية    إرث عمراني وثقافي    الشيخ سعد بن مريع أبودبيل يتبرع لجمعية آباء لرعاية الأيتام بمحافظة أحد رفيدة    تكفينا جنة الأعرابي    لن يكون الإسلام صحيحا حتى يكون نظيفا    وشاح الملك عبدالعزيز لسفيري فلسطين ومصر    "البديوي": إعادة إعمار سوريا واستقرارها ضرورة إنسانية وأمنية للمنطقة بأسرها    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق تداولاتها على ارتفاع    تطبيق العِمَارَة السعودية على رخص البناء الجديدة    %70 نمو ممارسة المشي    5 أحياء تستقطب زوار جدة والإيجار اليومي نار    الأربعاء.. الأهلي يواجه القادسية في نهائي كأس السيدات    العتودي مساعدًا لرئيس بلدية بيش    الموهبة رائد عسيري: الصدفة قادتني إلى النجومية    أمسية شعرية ضمن أهلا رمضان    بداية من الأربعاء أمطار رعدية على معظم المناطق    78 مليونا لمستفيدي صندوق النفقة    غلفها بزيادة لتعزيز سلامة الغذاء والصحة العامة    8 خدمات نوعية للقطاع الوقفي    مسجد "عِتبان بن مالك الأنصاري" مَعْلمٌ تاريخي يرتبط بالسيرة النبوية في المدينة المنورة    هدف لاعب الرياض "إبراهيم بايش" في شباك الاتحاد الأجمل في "جولة العلم"    تتبع وإعادة تدوير لوقف هدر الأدوية    صقور نجد يتوج بكأس بطولة الوسطى للهوكي ويحصد الميداليات الذهبية    إقبال على فحوصات صم بصحة في نجران    إرشادات لمرضى الربو خلال رمضان    الاقتصاد السعودي يحقق أهدافه    العلم الذي لا يُنَكّس    الحوثيون يستهدفون حاملة طائرات أميركية للمرة الثانية    18 ألف مستفيد من مركز الزامل للعيون بمستشفى الملك سعود بعنيزة في 2024    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة تجارية لإنقاذ الموسم والسينما الكبيرة ما زالت تقاوم
نشر في الحياة يوم 01 - 01 - 2016

خلال الجلسة العائلية، كان الحديث يدور حول الثلاثة أو الأربعة أفلام المعروضة في الصالات، والتي لا تزال في الإمكان مشاهدتها حتى نهاية العام. تنوعت الاختيارات بين الحضور فمن راغب في مشاهدة ما يعرض الآن من أفلام المهرجانات التي أقيمت خلال العام، وراغب في التمتع بأفلام ترفيهية ومضطر لاصطحاب صغاره إلى أفلام المغامرات طالما أنهم في إجازة رأس السنة. فيلم واحد توافق الجميع على مشاهدته وربما ليس كعمل سينمائي كبير، بل كمنتج بات ظاهرة اجتماعية: هو الجزء الجديد البادئ عرضه حديثاً من سلسلة «حرب النجوم» التي ستحتفل بعد عامين بذكرى مرور أربعين عاماً على ولادتها على يد جورج لوكاس. والمرجح أن القرارات المتخذة في ذلك الاجتماع العائلي أتت شبيهة بما يحدث في ملايين البيوت: «حرب النجوم» لا بد من مشاهدته... لكل الأعمار... لكل المستويات الثقافية... لكل الذهنيات، وإلا فكيف نفسر إضافة منتجيه ما يزيد عن مليار دولار من العائدات إلى خزائنهم خلال أقل من أسبوعين؟
مع مثل هذه الأخبار لا يعود الحديث حديث فن سينمائي، بل حديث أكبر عملية ترويج في تاريخ العولمة. والحقيقة أننا إذا أخذنا باريس مثلاً، فسنجد «حرب النجوم» تحاصرنا في كل مكان: على واجهات صالات السينما، في إعلانات الطريق، في الباصات ومحطات المترو، في محال بيع الألعاب والقمصان الرياضية... ثم في المكتبات، بخاصة في المكتبات حيث كرست رفوف بأكملها، ليس فقط لبيع عشرات الكتب والألبومات حول الفيلم الجديد وسابقيه، بل كذلك لعرض عشرات الأجهزة والأدوات والتماثيل الصغيرة ونماذج الأسلحة التي تمكن مشاهدتها في الفيلم. كل هذا يجعلنا ننتبه إلى أن فيلم «حرب النجوم» لم يعد موجوداً على الشاشات بمقدار ما هو موجود في الحياة والتجارة والثقافة. وهذا إلى درجة أن مجلة فرنسية شديدة الجدية مختصة بالتحليلات الفلسفية – عنوانها تحديداً «الفلسفة» – خصصت غلافها وملفاً كاملاً لتحليل الظاهرة اجتماعياً وفلسفياً واستهلاكياً وعولمياً. غير أننا هنا سنترك هذا الموضوع عند هذا الحد لنعود إلى ما يمكن أن نكون قد نسيناه: سينما العام المنقضي!
ثلاثة أفلام مدهشة
في الحقيقة أن «حرب النجوم» أتى عند نهاية العام ليساهم مع فيلمين آخرين، يمكننا تعسفاً أن نربطهما به، في إنقاذ العام السينمائي 2015 من بلادة كاد ينتهي عليها. فخلال الشهور السابقة من العام وعلى الصعيد العالمي، كانت ثمة شكوى عامة من تراجع غير معهود في ارتياد صالات السينما، حيث لم تعرف هذه الصالات أي أفلام – ظواهر من النوع الذي اعتاد أن يخرق البلادة هنا أو هناك. أما الضجيج الإعلامي فكات كالعادة يدور حول بضعة عشر فيلماً تعرض أو عرضت في نحو دزينة من مهرجانات عالمية يفضل معظمها تأخير عرضها إلى موسم الخريف. ثم عند هذا الموسم، وفي وقت راحت تطل فيه الأفلام المهرجانية، عاجزة على أية حال، عن إقناع كثر من المتفرجين بدخول الصالات، راحت تطل الأفلام الثلاثة التي نشير إليها: «حرب النجوم» طبعاً، وجيمس بوند الجديد في عنوان «سبيكتر» من بطولة دانيال غريغ الذي كان الأكثر توفيقاً منذ شون كونري في تجسيد شخصية جاسوس صاحبة الجلالة الشهير، ثم «ماد ماكس» الذي لم يكن لفت الأنظار كثيراً حين عرض خارج المسابقة الرسمية في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان». كانت أفلام ثلاثة راحت بسرعة – و «حرب النجوم» على رأسها - تقفز بأرقام شباك التذاكر مجتذبة عشرات ملايين المتفرجين. فهل يمكننا حقاً أمام مثل هذا التدفق، أن نقول أن الفن السابع يبدو حقاً في خير؟
ليس بالتأكيد. والحال أننا لا نحاول في هذا أن ننتقص من قدر هذه الأفلام ولا من «سينمائية» متفرجيها. كل ما في الأمر أن المرء في حاجة إلى أن يشغل ذاكرته قليلاً ليدرك أن ليس ثمة ما هو جديد في أي من الأفلام الثلاثة. ذلك أن الجامع المشترك في ما بينها يبدو أكثر من واضح: هي ليست أكثر من حلقات متجددة في سلاسل. هي مجرد إعادات إنتاج لأعمال قديمة أثبتت نجاحاتها التجارية دائماً، وربما الإبداعية أيضاً، في بعض الأحيان. ما من جديد هنا ولا شيء يمكنه أن يفاجئ. ونحن نعرف أن الفن الحقيقي، لكي يكون فناً، يجب أن يقدم جديداً وأن يفاجئ. أما هنا، فنحن أمام صناعة حقيقية. صناعة مدهشة تستفيد أيما استفادة من أحدث التقنيات التي توصلت إليها السينما صوتاً وصورة ومؤثرات وخدع بصرية، ليربط هذا بوصفات سبق أن أثبتت نجاحها طوال ما يزيد عن خمسين عاماً – بالنسبة إلى أفلام جيمس بوند – وأربعين – بالنسبة إلى النجوم وحروبها – وثلث قرن بالنسبة إلى السلسلة الأسترالية الصحراوية ذات البطل ماكس المشهور بجنونه وعنفه. فكيف تريدون بعد هذا ألا تتدفق المليارات إلى جيوب المنتجين والموزعين؟ ثم ألا يخرج المتفرجون راضين سعداء بتغريب مدهش أمنته لهم السينما لساعتين أو نحو ذلك؟
النقاد ولوائحهم
ترى هل سيأبه أحد من هؤلاء المتفرجين الذين أسعدتهم هذه السينما سعادة لا مثيل لها، إن راحوا يقرأون بعد ذلك تلك اللوائح الشديدة الصرامة والجدية التي يضعها النقاد تحت عنوان عام ودائم هو «العشرة الأفضل في العام السينمائي المنصرم» ليكتشفوا أن أي قائمة لأي ناقد لا تضم أياً من هذه الأفلام الثلاثة (مع استثناء مدهش قوامه ورود اسم «ماد ماكس» في بعض لوائح المجلة السينمائية الأكثر تخصصاً وجدية في العالم - «لي كاييه دو سينما» الفرنسية – وهو أمر جعل عدداً من قراء المجلة يتساءل في جلسة باريسية عن «السر الكامن وراء ذلك». لينتهي أحدهم قائلاً ما معناه «إن لله في خلقه شؤوناً». المهم في النهاية أن أفلاماً لا يعيرها النقاد اهتماماً في العادة، عرفت كيف تنقذ موسماً سينمائياً بأسره، ولكن من دون أن تتسم بأية سخافة كما اعتادت السينما الجماهيرية الناجحة أن تكون. فالحقيقة التي لا يمكن إغفالها، على رغم أن لائحتنا الخاصة بأفضل أفلام العام – راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة - تخلو من أي واحد من هذه الأفلام، هي أن «حرب النجوم» و «ماد ماكس» و «سبيكتر» تقدم أفضل ما قدمته سلاسلها حتى الآن. ما يعني أن إعادة الإنتاج في أي منها لم تأت ولا حتى على صعيد السيناريو والأداء، متراجعة، بل مميزة وتفتح وعوداً مستقبلية. إنما دائماً من دون أن يعني هذا بالنسبة إلينا أنها تنتمي إلى الفن الكبير. إنها تنتمي إلى الصناعة المتقنة لا أكثر ولا أقل.
«فضيحة» في مهرجان «كان»
أما الفن الكبير، الفن الذي قُدّم معظمه في المهرجانات الكبيرة طوال العام – لا سيما في مهرجان «كان» بالنسبة إلى لائحتنا الخاصة - فهو في ذلك المكان الآخر، المكان الذي لا تزال تُصنع فيه الأفلام التي تقدّم الجديد والمفاجئ. الفن الذي يفتح آفاقاً عريضة على مستقبل لا يزال حافلاً بالوعود لهذا الفن الذي لا يزال يعرف كيف يقاوم. وحتى لو لم يكن عدد الأفلام الجيدة المميزة هذا العام كبيراً، فإن ما قُدّم منها يكفي لعام بأسره، وربما يمكننا القول أن النجاحات النقدية وربما الجماهيرية أيضاً لمعظم هذه الأفلام – وعلى رأسها الفيلمان اللذان يتصدران لائحتنا: «كارول» للأميركي تود هاينز، و«أمي» للإيطالي ناني موريتي - تكفينا لكي نقول أن السينما لا تزال في خير. ولكن، من دون أن ينطبق هذا بالطبع، على ما تسفر عنه الحفلات الختامية للمهرجانات من إعلان لجوائزها. وفي هذا الإطار ثمة ما يبدو فاقعاً في شكل غريب – وصحي على الأقل – هذا العام: ففي اختتام الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، بوغت النقاد جميعاً بذهاب «السعفة الذهبية» إلى الفيلم الفرنسي «ديبان» لجاك أوديار. ونقول «بوغتوا» ونحن نعني تماماً ما نقول. فهذا الفيلم البائس بل الشديد العادية كان منذ عرضه في المهرجان ومسابقته الرسمية، أثار تساؤلات مقلقة عن سبب عرضه؟ وكيف قيض له أن يكون هنا؟ كالعادة يومذاك خرج من يقول: انتظروا... مثل هذا الأمر يحدث دائماً، حيث يُرفض فيلم ما ليعاد اعتباره لاحقاً ويُعتبر عملاً كبيراً! لكن هذا لم يحدث هذه المرة. فالنقاد الفرنسيون والإنكليز، كما عبروا عن أنفسهم في اللوائح التي وضعوها لتنشر - على الأقل في مجلتي «لو كاييه دو سينما» الفرنسية و «سايت إند صاوند» الإنكليزية وهما تعتبران إنجيلي النقد السينمائي الأوروبي - لم يوردوا هذا الفيلم في أي من اللوائح. واضح أن ثأرهم من سذاجة محكّمي «كان» لهذا العام، كان كبيراً وفصيحاً.
هي هنا دائماً
مهما يكن من أمر، فقد عرفت السينما كيف تقاوم ما ترسمه لها الظروف الأمنية على صعيد العالم، ولكن كذلك ما ترسمه لها التقنيات الحديثة التي لا تفتأ في كل مرة تهدد السينما بالزوال، ثم لا شيء. فالسينما لا تزال هنا، فناً شعبياً من الطراز الرفيع، على مستوى العالم كله. أفلامها في مقدمة وسائل الترفيه والتفكير حتى على صعيد العالم. التفكير لأن ما لا بد من ملاحظته واختتام الكلام به هنا، هو أن السينما، من دون الفنون والآداب جميعاً، ومن دون أدوات الاستعراض كافة، لا تزال وستبقى الإبداع الأكثر حساسية إزاء ما يحدث في العالم وفي كل زاوية من هذا العالم، والأكثر قدرة على التعبير عما يحدث في العالم ومجتمعاته، وفي التقريب بين الشعوب والأفكار والتطلعات على رغم كل الظواهر النافرة – من إرهاب معمّم، ورفض للآخر لدى فئات عدة، وحروب حضارات وهمية - السينما هي المكان الذي لا يزال قادراً على تلمّس إنسانية الإنسان والتشديد، بالصوت والصورة، على أن الإرهاب ليس أكثر من قتل مجاني لا هدف له، وأن الذين يكرهون الآخر أناس لا علاقة لهم بالسينما لا من قريب ولا من بعيد، وأخيراً أن من يدمن مشاهدة السينما يعرف بالتأكيد أن ما نعيشه ليس حروباً بين الحضارات، بل عدواناً لا مستقبل له تشنه الهمجية على الحضارة، الهمجية الكأداء، على حضارة الإنسان كل إنسان. ومن لا يصدق هذا حسبه أن يشاهد تلك الأفلام التي اختارها النقاد بوصفها الأفضل لهذا العام – ومرة أخرى نحيل إلى لائحتنا الخاصة في مكان آخر من هذه الصفحة – فعندها الخبر اليقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.