«كارول»: مكان للعواطف حين عرض فيلم تود هاينس الجديد «كارول» ضمن إطار المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي، لم يتوقع له أحد أن يكون واحداً من أبرز أفلام العام. فالعام 2015 كان لا يزال يعد بالكثير، و «كارول» على رغم قوته التعبيرية وإخراجه الإنطباعي وحكايته المأخوذة من رواية مثيرة للجدل للراحلة باتريشيا هايسميث لم يكن يكشف كل قوته من أول مشاهدة. ومع هذا، ما إن مرت شهور العام متلاحقة حتى وجد هذا الفيلم الذي يروي حكاية افتتان بين امرأتين في نيويورك الخمسينات وقد عثرت كل منهما على ما اعتقدته شريكة روحها، وجد مكانته بين أفضل ما في العام. وبخاصة بفضل الأداء المتميز لبطلتيه كيت بلانشيت وروني مارا – هذه الأخيرة حازت في النهاية، شراكة على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان»-. مهما يكن أكد «كارول» أن ثمة بعد مكاناً للعواطف في سينما اليوم. «أمي»: الذات في شكل موارب ناني موريتي مخرج يمكن للمتفرج أن يتوقع منه أي شيء إلا أن يقدم شيئاً من سيرته الذاتية في فيلم يكون الدور الأول فيه – دور المخرجة السينمائية – لامرأة، لكنه فعلها ليقدم في فيلم «أمي» واحداً من أفضل أعماله» على الأقل منذ «غرفة الابن». كان واضحاً في الفيلم ومنذ البداية ان موريتي جعل من المخرجة التي تنجز فيلمها الجديد، مرآة لمشاكله الفنية والحياتية، هي التي تريد إنجاز عمل فني متقن لكن جملة من المشاكل تجابهها، فمن ناحية هناك أمها التي تحتضر في المستشفى ثم هناك ابنتها التي تحاول ان تشفى من إدمان على المخدرات، ثم هناك أيضاً حياتها العاطفية الخاصة التي تبدو متدهورة، من دون أن ننسى نزوات بطل فيلمها الذي أتت به من هوليوود فلم يتنبه الى انها تريد منه أداء فنياً خالصاً. فيلم كبير «أمي» كان يستحق أكثر كثيراً مما أُعطي له في «كان» لكن النقاد والجمهور أنصفوه لاحقاً. «ماكبث»: عنف وشر وسط طبيعة دموية ليس جديداً أن يقدم سينمائي على إعادة تحقيق مسرحية لشكسبير على الشاشة الكبيرة. ونعرف أن «ماكبث» بالذات كثيراً ما حظيت بتفضيل كبار السينمائيين. من هنا كان الترحيب النقدي كبيراً بالمحاولة الجديدة التي قام بها الأسترالي جاستن كارزل لأفلمة المسرحية. وكانت النتيجة متميزة، بل تفوق في عنفها وشكسبيريتها ما كان توصل اليه، على الأقل، كبيران من أهل السينما في تاريخ الفن السابع، أورسون ويلز ورومان بولانسكي. من هنا كان من الطبيعي ان يكرَّم كارزل بالحديث عنه في معية سلفيه، بل يجد البعض ان حداثة سينماه والتربة الاسكتلندية الطبيعية والدامية التي صور الفيلم عليها مكناه من أن يقدم عملاً شكسبيرياً أميناً وكبيراً يحكي عن العنف والنهم الى السلطة. مقدماً في طريقه الى مايكل فاسبندر والغرنسية ماريون كوتيار ما سيعتبر دوري حياتهما. «جسر الجواسيس»: حرب باردة على طريقة سبيلبرغ بعد غياب لم يدم سوى ثلاث سنوات تلت تحقيقه فيلمه الكبير عن «لنكولن»، ها هو ستيفن سبيلبرغ يعود عند نهاية العام بفيلمه الجديد الذي اختار له موضوع الحرب الباردة التي تكاد تكون منسية اليوم. والحقيقة أن نجاح سبيلبرغ في أفلمة حكاية التبادل على جسر كما على تشارلي تشيكبوينت في برلين بين الطيار الأميركي غاري بويرز المأسور لدى السوفيات بعد اسقاطهم طائرته التجسسية وجاسوس سوفياتي قبض عليه الأميركيون –إضافة الى طالب هندسة قبض الألمان عليه ظلماً -، نجاحه هذا نابع من قدرته على أنسنة موضوعه وحتى بأكثر مما كان قد سبق له أن فعل في «ميونيخ» ثم في «لنكولن» وحتى في «لائحة شندلر» حيث حاول ان يبحث عن الإنسان فيما وراء الأحداث السياسية الكبرى. وسبيلبرغ قدم في طريقه دوراً لتوم هانكس قد يرشحه للأوسكار مفتتحاً بهذا سباقاً يبدو أنه قد بدأ... «عيب موروث»: أفلمة أدب الحداثة يطرح حضور هذا الفيلم في لائحتنا هنا، من جديد، مشكلة الإنتماء الزمني للأفلام. ف «عيب موروث» عُرض عالمياً قبل انتهاء العام 2014 لكنه مع هذا يحسب على العام الذي يليه. ومن هنا سيسرنا احتسابه هنا لمجرد اتاحته الفرصة لنا للحديث عن العلاقة المتجددة بين الأدب الحديث الذي اشتهر بصعوبة أفلمته، والسينما. هذه المرة من جديد نجح بول توماس اندرسون في مشروع أخفق من دون تحقيقه كثر: تحويل رواية صعبة من كتابة توماس بنشون الى فيلم عن كاليفورنيا الستينات والجريمة والحب والمخدرات، الى فيلم يكاد يكون في إمكاننا أن ندرجه في عداد نوع مميز من السينما الشعبية وذلك على غرار ما كان فعل كروننبرغ في «كوزموبوليس» ووالتر ساليس في أفلمته تحفة جاك كيرواك «على الطريق» بنجاح أسلوبي لافت في الحالات الثلاث. «الليالي العربية» لميغويل غوميز: من عندنا كما حال اقتباس شكسبير سينمائياً، ليس جديداً ولا مفاجئاً ان يقوم سينمائي مرة كل فترة قصيرة من الزمن على الأقل باقتباس «ألف ليلة وليلة». الدور هذه المرة كان للبرتغالي غوميز الذي قدم في أربعة أفلام متسلسلة يبلغ مجموع زمن عرضها ثماني ساعات، عملاً سينمائياً جذاباً متألقاً حيّاه النقاد والمتفرجون في كل مكان ومناسبة، إنطلاقاً من عدد من حكايات «الليالي العربية». بل أن ثمة من النقاد من قال بعد مشاهدة أجزاء الليالي الأربعة في لغة غوميز السينمائية الملونة والغنية، ما لم يقل حتى حين حقق الإيطالي بازوليني لياليه العربية قبل عقود: أخيراً صار لليالي العربية معادلها السينمائي، وصار في إمكان المتفرج أن يتحمل الجلوس ثماني ساعات لمشاهدة مثل هذا العمل. «شباب»: ليته يعود يوماً حين طلع فيلم «شباب» للإيطالي باولو سورنتينو من مولد «كان» الماضي بلا حمص، كان التعليق الوحيد الممكن ابداؤه ان هذا المخرج لا حظ له مع مهرجان الجنوب الفرنسي حيث لم تكن المرة الأولى التي يُظلم فيها هناك فيلم له. وهذه المرة بدا الظلم فادحاً لأن صاحب «الجمال العظيم» الذي كان المهرجان قد ظلمه قبل أعوام، قدم هذه المرة أيضاً عملاً سينمائياً كبيراً ولئيماً عن مبدعين عجوزين يحاولان في آخر سنوات حياتهما كتابة عمل سينمائي وموسيقي فيما هما ملتجئان الى مصح للأثرياء مملوء بالحكايات وبالفاتنات لكنه خالٍ مما يبعث فيهما حياة جديدة. فيلم سوداوي بالتأكيد لكنها السوداوية التي تندفع منها الحياة. «ما وراء الجبل» لجيا جانكي: تاريخ بلد وامرأة في أفلامه السابقة اعتاد هذا المخرج الصيني ان يتجه تارة الى السينما الروائية وتارة أخرى الى السينما التسجيلية وهدفه دائماً تقديم صورة معينة لتاريخ التطورات العميقة التي يشهدها بلده، الصين، خلال العقود الأخيرة من السنين. هذه المرة في هذا الفيلم الذي يكاد يختصر وحده كل ما كان يريد قوله في سينماه، مال جيانكي ناحية العمل الروائي ليقدم عبر ممثلته المفضلة وامرأته في الحياة، نوعاً من السيرة لها ممزوجة بسيرة الصين، منذ كانت هي في شرخ الصبا تعيش بداية التحولات الكبرى في الصين، وصولاً الى الزمن الراهن حيث تعايش هي ونعايش نحن التغيرات المعولمة عبر علاقتها بابنها الشاب فنكتشف عن الصين ما يعجز عن قوله عدد كبير من الكتب والدراسات التحليلية. «طهران تاكسي» لجعفر باناهي: يحدث في إيران الآن يأتي هذا الفيلم من حيث لم يكن أحد يتوقع. فباناهي ممنوع من أن يصور أفلاماً في إيران، بل يكاد يكون ممنوعاً من الحركة. ومع هذا تمكن من تحقيق هذا الفيلم الذي صوّره كله في شوارع طهران، كم تمكن من إيصاله الى مهرجانات عالمية. كيف؟ ربما هي مرة أخرى معجزة السينما. المهم أن باناهي جعل من نفسه في «تاكسي طهران» سائق سيارة عمومية مثبتاً أكثر من كاميرا في السيارة – تقريباً على غرار ما كان فعل استاذه وصديقه عباس كيارستمي قبل سنوات في تحفته «عشرة» – وراح ينقل ركاباً ليستعرض من خلال أحاديثه معهم أوضاع إيران وربما أيضاً علاقة الناس بالسينما في إيران لا سيما حين كان بعض الركاب يتعرفون إليه ويدهشون. في اختصار ربما يكمن بعض جمال هذا الفيلم في كونه فيلماً عن السينما أيضاً. «الرجل اللاعقلاني»: الجريمة على طريقة وودي لنعترف بداية أنهم لم يكونوا كثراً أولئك الذين مثلنا أحسوا بشيء من التعاطف مع هذا الفيلم الذي قدمه وودي آلن في العام المنقضي. فبشكل عام لم يثر الفيلم إعجاباً كبيراً. ومع هذا لا بد من القول ان له مزاياه ومكانته في مسار سينما هذا المبدع الذي يعود الى منطقته الأثيرة: عالم المثقفين والجامعات في الولاياتالمتحدة ليقدم حكاية أستاذ للفلسفة متحذلق ويعتقد نفسه زير نساء فمفكراً أخلاقياً يريد إصلاح العالم فلا يجد طريقة لذلك إلا ارتكاب جريمة قتل مجانية تضع «الرجل اللاعقلاني» في سياق «ضربة المباراة» ولكن ليس في مستواه بالطبع.