وجدت شركات كثيرة في الصين أن الأمر لا يتعلق بمجرد الرواتب والترقيات والمستقبل المهني فحسب لاجتذاب العاملين والإبقاء عليهم في وظائفهم... بل إنها في حاجة ماسة لتوفير الهواء النظيف في المكاتب. وشهدت جودة الهواء تدهوراً شديداً في شمال الصين وشرقها بما في ذلك بكينوشنغهاي، فيما تنفق الشركات، لا سيما المتعددة الجنسية في هاتين المدينتين، عشرات الآلاف من الدولارات لتركيب أجهزة تنقية الهواء ومعدات للتعرف الفوري على جودته في المكاتب الإدارية. وبالفعل قامت شركات دولية في مجال بحوث السوق بتركيب أجهزة لتنقية الهواء في مكاتبها ببكينوشنغهاي وحذت حذوها شركات أخرى في مجالات المراجعة والإعلانات. وقالت ياو هوي وهي من سكان شنغهاي التي قررت ترك العمل في شركة صينية لصناعة الأثاث بعدما أمضت فيها أربعة أشهر ووجدت من خلال جهاز معها، أن مكاتبها تعاني أعلى نسبة من التلوث «إذا قامت شركة ما بخفض التلوث داخلها فإنها تظهر بذلك أنها على قدر المسؤولية وستحقق نمواً». وأضافت ياو البالغة من العمر 24 عاماً والمتخصصة في التسويق «ما زلت أطمح في الترقي في مجال التسويق لكن الهواء النظيف عامل مهم». وأفادت دراسة حديثة عن الثقة في قطاع الأعمال أجرتها الغرفة التجارية الأوروبية بأن عائدات الهيئات المتعددة الجنسية العاملة في الصين ورواتبها، مرتفعة نسبياً فيما تمثل جودة الهواء تحدياً في مجال استقدام المهارات والحفاظ عليها في مثل تلك الشركات. وتشير تقارير حديثة إلى أن 90 في المئة من المباني الإدارية في بكين لم تحقق خفضاً ملموساً في مستوى الجسيمات الدقيقة الملوثة في الجو بالاستعانة بأجهزة التنقيات الحالية، وأن ثلث هذه الشركات لم يبدأ في معالجة التلوث في المكاتب. وبلغ مستوى التلوث بالضباب الدخاني في مدينة شنغهايالصينية في الآونة الأخيرة أعلى مستوياته منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، فيما قلصت السلطات حجم العمل بالمواقع الإنشائية والمصانع مع انتشار تلوث الهواء في شتى أرجاء البلاد. وأصدرت العاصمة الصينية الأسبوع الماضي أول «تحذير أحمر» من تلوث الهواء وحذر مجلس بلدية بكين السكان من أن مدينتهم سيغلفها ضباب دخاني، ما استلزم منع سير المركبات الثقيلة والحد من عدد السيارات المارة عموماً على الطرقات، وتنبيه المدارس بتأجيل الدراسة موقتاً ووقف أنشطة العمليات الإنشائية. وهبطت الثلثاء الماضي موجة رمادية كثيفة من الضباب الدخاني على شنغهاي العاصمة التجارية للصين التي يقطنها 20 مليون شخص، ما عرقل الرؤية وقلل من مؤشر جودة الهواء إلى مستوى 300 وهو حد «خطير» يحمل آثاراً ضارة على الصحة. وأشارت بيانات جمعتها وزارة الخارجية الأميركية إلى أن مستوى انتشار الجسيمات المجهرية (بيام 2.5)، التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر الذي يعادل جزءاً من مليون جزء من المتر والتي يمكنها اختراق الرئة، بلغ 281 وهو أعلى مستوى منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، ما يسبب الربو وأمراض الجهاز التنفسي. ودفع الضباب شنغهاي إلى إعلان «التحذير الأصفر» الذي يمثل ثالث أعلى مستوى للإنذار، ونصحت السلطات كبار السن والمرضى عموماً بألا يبرحوا منازلهم مع إغلاق النوافذ. وتعهدت القيادة الصينية التعامل مع الأخطار البيئية ومنها تلوث الهواء الذي يغلف الكثير من المدن الكبرى في الصين في أعقاب عقود من النمو الاقتصادي الجامح. يذكر أن الصين تشن حملة على التلوث منذ العام 2014، وتعهدت بالتخلي عن نموذج اقتصادي مضى عليه عقود لتحقيق النمو على حساب أي اعتبار آخر، ما أدى إلى الإضرار بمعظم موارد المياه وبالجو والتربة.