"انفلونزا الخنازير غيت" Swine Flu Gate. شرعت هذه التسمية بالظهور في بعض وسائط الاعلام العام عالمياً، خصوصاً المُدوّنات الالكترونية. والتقطها بعض الاعلام العربي، الذي مال كثير منه للتعامل بنوع من التشفي، في ما لم يخف بعضه الآخر ميله لتصديق "نظرية المؤامرة" بخصوص مجريات وباء أنفلونزا الخنازير. وعلى غير فضائية عربياً، ظهر من يتحدث بمنطق "ألم نقل لكم"؟ مستنداً الى ما صدر عن "منظمة الصحة العالمية" أخيراً، عن "قصور والتباس في التعامل مع جائحة أنفلونزا الخنازير"، إضافة الى تشكيل لجنة تحقيق بشأن ضغوط شركات الأدوية العملاقة على قرارات تلك المنظمة. وفي ظل الصخب الكلامي عن هذه "الفضيحة"، ضاعت الرؤية عن أمور أساسية مثل السؤال عن المشكلة الأساسية التي يدور حولها هذا النقاش، ومحاولة فهم ما هو الخلل فعلياً، والتعمق في فهم العلاقة بين مؤسسة علمية دولية وشركات صناعة الأدوية العملاقة ذات السطوة الهائلة، ومحاولة التفكير في الدور الذي لعبته السياسة (خصوصاً الدولة) والاعلام، وتلمس الفارق في طرق تعامل الدول المختلفة مع هذه المسألة، والتدقيق في الفهم العام للعلم وغيرها. تناثرت الإجابات عن هذه الاسئلة على ألسنة كثير من العلماء الذين يحضرون مؤتمر "بيوفيجن الاسكندرية 2010"، الذين تسربت إليهم أيضاً بعض ما يتردد في الاعلام عربياً عن هذه المسألة. وعلى عكس الإعلام، مال علماء "بيوفيجن الاسكندرية" للتروي، مُلاحظين أن الوقائع لم تتجمع بصورة كافية للحصول على خلاصات قوية يمكن الاستناد إليها لاحقاً، ما يزيد في أعمال لجنه التحقيق أيضاً. وظهر ميل الى اعتراف واقعي بأن شركات الأدوية العملاقة تمارس تأثيراً قوياً على قرارات المؤسسات العلمية عالمياً، مثل "منظمة الصحة العالمية". ربما يعود ذلك التشابك بين استراتيجيات عمل تلك المنظمة، مثل اعتمادها الكبير على اللقاحات في الوقاية من الأوبئة، وبين هذه الشركات التي تهيمن على صناعة اللقاحات دولياً. وفي المقابل، ظهر اتفاق واسع على عدم قبول "المؤامرة" ونظرياتها، مع السعي لوضع سياق لفهم مجريات القصور. ولخّص الإختصاصي في اللقاحات البروفسور جاك- فرانسوا مارتان وجهة نظره إنطلاقاً من العلاقة بين وبائي الطيور والخنازير. "جاء وباء الخنازير بعد موجة انفلونزا الطيور، التي تميّز فيروسها "اتش 1 أن5" بالضراوة. في البؤرة الأولى وساد انطباع ان الأمر يتعلق بوباء مماثل، مع خشية شديدة من أن امتزاج الفيروسين، أحدهما قاتل قوي والآخر سريع الانتشار، قد يطلق وباءاً أبوكاليبسياً يحصد ملايين الأرواح. وزاد في التوتر ان الأرقام بالأولى للوباء، التي جاءت من المسكيك، تميّزت بارتفاع نسبة الوفيّات فيها. وليس معروفاً سبب هذا الأمر، الذي قد يعود الى سوء الوضع الصحي (سوء تغذية، ضعف الرعاية الصحية، تكاثر الامراض...) في المنطقة الريفية التي انطلق منها وباء الخنازير. حملت الأرقام الأولى لإنتشار الوباء في الولاياتالمتحدة على الخوف، لأنها أشارت الى سرعة كبيرة في انتشار الوباء. تصرفت المنظمة والحكومات بموجب تلك المخاوف. لا يستطيع أحد ان يتنبأ بمسار الأمور بالنسبة لفيروسات الانفلونزا التي تغيّر تركيبها باستمرار. ربما لا يبدو كلامي مُطمئناً، لكني أعتقد ان بعض الأخطاء ستكرّر إذا حدث وباء مماثل. ربما يجب تغيير طريقة وضع درجات الوباء، لأن الإنتشار الجغرافي لم يعد عاملاً حاسماً في صورة الوباء، في عالم محكوم بسرعة انتشار الميكروبات. وشخصياً، أفكر أن العلم ما زال يعمل يعمل بالاستناد الى الوقائع، ولكن الوصول الى تصوّر عن وباء يتضمن الكثير من الإفتراض. نعرف الكثير، ولكن ما لانعرفه أكثر بكثير". ويصعب تجاهل ان كثيراً من الاعلام العربي يتعامل العلم وكأنه مصدر لحقائق ثابتة ونهائية، في ما يميل أهل العلم الى اعتباره محلاً لحركة العقل البشري، وانه قابل للنقد والتغيّر والنقض. وتجعل هذه الأمور مسألة اتخاذ قرار في الأمور المتعلقة بالعلم، أمراً شديد التعقيد. وهذا نقاش يحتاج الى مزيد من التعمّق.