تصريحات متبادلة جرت في الأيام الماضية بين كل من الدكتور محمد النجيمي والإعلامية والناشطة الكويتية عائشة الرشيد، وذلك على خلفية مشاركة الأول في مؤتمر الذكرى المئوية ليوم المرأة العالمي في دولة الكويت وقد شاهدت مقطعين مصورين من تلك المشاركة على موقع اليوتيوب، أولهما احتفاء وتكريم للشيخ على مشاركته في يوم المرأة العالمي بحضور مجموعة من النساء، إذ وصفت مقدمة وعريفة التكريم والاحتفال حينها مشاركة وحضور الشيخ بقولها: «إن من ينادون بحرمان المرأة من حقوقها التي منحها الله لها وكفلتها لها القوانين والدساتير غالباً ما يحتجّون بمخالفة ذلك للدين، وفي هذه الحال دائماً ما نستنجد بالمستنيرين من المفكرين والعلماء بأن نبحث لنا عن ضياء أمل أمام ذلك الظلام الذي يشتت الجهود، فكانت معنا اليوم هذه الشخصية من تلك الشخصيات المستنيرة وعالم من علماء المملكة العربية السعودية، ليثبت ويقدم لنا عدم وجود تحفظات دينية على تواجد المرأة مع أخيها الرجل في مشاريع التنمية»، وبعدها تم تسليمه الدرع التكريمي من قبل الشيخة فريحة الصباح. أما المقطع الآخر فكان عن مشاركة للشيخ في إحدى جلسات المؤتمر، التي جمعته بمجموعة من النساء على طاولة واحدة وكان يتحدث عن تسلط الرجل على المرأة وظيفياً بقوله: «أنا لدي الكثير من الزميلات والعاملات في قطاع المستشفيات ممن يعانين من التسلط الرجالي، وأنا لا أدعو لمستشفى رجال وآخر للنساء، بل يعمل الطبيب والطبيبة في مكان واحد، ولكني أريد نوعاً من الفصل، بألا يكون للرجل السلطة المباشرة في ترقيتها ونحو ذلك، وإنما تكون له السلطة العامة». تلك المشاركة من قبل الشيخ فتحت باباً كبيراً من الاتهامات والتصريحات المتبادلة بين النجيمي وعائشة الرشيد على الصعيد الإعلامي، التي اتسمت بالتصديق والتكذيب والنفي والاتهام لدرجة بلوغها حد التقاضي، إذ علق النجيمي وفقاً لتصريحه لصحيفة المدينة «بأن معظم النساء اللآتي جالسهن من القواعد من النساء، وأن القاعة كانت مقسومة أولها للرجال وآخرها للنساء ولكل منهما مخرج منفصل، وأنه تبادل النكات مع كبيرات السن اللاتي كن يمثلن 90 في المئة من النساء، وأن الرشيد لا تحترم الآخرين، وأن معظم الصور المنشورة له مفبركة»، وفي المقابل اتهمت الرشيد الشيخ بالزور والبهتان بادعائه أن بعض النساء قد اعترفن له بأنهن عاصيات، وأنهن من القواعد من النساء، وأن القاعة لم تكن مقسومة كما ادعى، وأنه الرجل الوحيد الذي تواجد في القاعة وكان يمازح معظم النساء وصور معهن العديد من الصور التي يزعم أنها مفبركة، وأنها بصدد رفع دعوى قضائية بتهمة الإساءة والتشهير. لقد حاول الشيخ النجيمي أن يقنع محبيه بعد هذه الموجة العاصفة من التصريحات الملتهبة بأن حضوره ومشاركته في ذلك المؤتمر واختلاطه مع النساء إنما هو من قبيل ما أسماه بالاختلاط العارض المقابل للاختلاط المنظم أو المقنن، وهو تقسيم قد ابتكره بعض المفكرين والشرعيين، وهم يقصدون بالاختلاط العارض أو العابر ما كان عفوياً وغير مقصود لذاته كالاختلاط في الطواف والأسواق والطرقات، وهو جائز لديهم، وأما الاختلاط المنظم فهو الاختلاط الواقع بين الرجال والنساء بصورة دائمة في التعليم والعمل ونحو ذلك فهو محرم لديهم بالاتفاق كما يزعم معظم أصحاب هذا التقسيم، ومثل هذا التقسيم على وجه العموم لم يعمد بعض القائلين به إلا للخروج من مأزق الأدلة المتكاثرة المبيحة للاختلاط، التي بدت ظاهرة على السطح خصوصاً في الآونة الأخيرة، إضافة إلى العديد من المتغيرات والتحولات الاجتماعية والتنوع المعرفي، فلم يكن أمامهم من خيار إلا عبر هذا التقسيم الذي يبقيهم على صلة بالحراك الاجتماعي لاسيما في هذه المرحلة الحاضرة. فمن خلال هذا التقسيم المبتكر يتم التحكم من وجهة نظرهم بأدلة الاختلاط، فما وافق توجهاتهم جعلوه ضمن الاختلاط العارض وما خالف رغباتهم من الأدلة المبيحة للاختلاط جعلوه ضمن الاختلاط المنظم. وهذا المسلك والتقسيم قد يعكسان للوهلة الأولى عند التأمل تغيراً وتطوراً في الوعي لدى من يتبنى تحريم الاختلاط في كل صوره وأشكاله، وهو أمر قد يصدق على فئة قليلة منهم، ولكنه قد يعكس لدى نسبة أخرى ليست بالقليلة حالة من الارتباك في مواجهة الرؤى المتعددة والمتغايرة، مما يشير ويؤكد عدم توافر القناعة الحقيقية لديهم به، أضف إلى أن المقصد لديهم من ذلك التقسيم إنما هو إيجاد الوسيلة والمخرج من أسر النصوص المبيحة للاختلاط، وفي الوقت ذاته السعي لتحقيق العديد من المكتسبات الاجتماعية، وذلك كله أدى إلى وقوعهم في التناقض في الاستدلال وفي تنزيل الأدلة على مثل ذلك التقسيم المخترع، ولذلك تجدهم يحتجون في تحريم الاختلاط الدائم بأدلة وحجج هي في الوقت ذاته تحرم الاختلاط العارض والمباح من وجهة نظرهم. إن الدعوة إلى تقسيم الاختلاط إلى عارض ودائم تقسيم لا أصل له في الشريعة وهو تحكم في النصوص المبيحة للاختلاط من غير حجة واضحة أو برهان قاطع أو حاسم، فالمجتمع الإسلامي لم يقم على أساس المجتمعات المنفصلة ولم تكن العلاقة فيه بين الجنسين تقوم على أساس الفصل والعزل في نواحي الحياة اليومية، بل كانت العلاقة بينهما تقوم على أساس العفوية الجادة والرقابة الذاتية والتعاون على الخير وتحمل المسؤولية، وأما تصوير واقع المجتمع المسلم بناء على مثل تلك التقسيمات والاصطلاحات المتكلفة فهو مما لا يمكن قبوله شرعاً وعقلاً. * كاتب سعودي. [email protected]