لم يكن غريباً أن تسجل الشاعرة ملاك الخالدي نفسها أول امرأة من منطقة الجوف تخرج ديوان شعر فصيح، وهي التي فاجأت المشهد الثقافي في منطقة الجوف قبل نحو عامين بمداخلاتها «العميقة» في أنشطة نادي الجوف الأدبي. ولتفوز بعدها بأحد المراكز العشرة الأولى على مستوى المملكة في مسابقة الوطن في عيون الشعر، على رغم أنها في بداية العشرينات من عمرها. وقالت في حوار مع «الحياة» إنها كانت واثقة من أصالة الشعر حين أصدرت ديوانها الشعري «غواية بيضاء»، فلم تخشَ أن يطغى الاتجاه النسائي تجاه الروايات على الإقبال على الشعر. وحول التحريض على مشاركة النساء في أنشطة «أدبي الجوف»، أكدت الخالدي وجود تحريض لأولياء أمور النساء لمنعهن من المشاركة في النادي. إلى نص الحوار: خرج ديوانك الشعري الأول «غواية بيضاء» في ظل توجّه نسائي لإصدار الروايات، هل حسبت لهذه «الظاهرة» قبل إصدار الديوان؟ - صحيح ثمة توجّه قوي نحو إصدار الروايات من الأديبات الشابات، وهناك الكثير من الأسباب التي دعت لذلك، منها وجود مساحة عريضة في الرواية للتعبير عن الرأي أو سرد أحداث بشكل صريح أو موارب وبوجود الفضاءات الإلكترونية التي احتضنت هذا البوح، وربما لاحظ النقاد ضعف فنية ولغة هذه الروايات، بل إن البعض منها كان أشبه بالفضفضة الإلكترونية. الإقبال على الروايات أمر لافت، إلا أنه لا يعني انعدام الإقبال على الدواوين الشعرية، وثقتي بأصالة الشعر وبقاء مكانته العريقة دفعتني لأتجه بقوة إلى إصدار الديوان، من دون أن أتوجس من تنامي شعبية الرواية، وربما ساعدني في ذلك كونه سيصبح سابقة أدبية في منطقة الجوف، لكونه أول ديوان للشعر الفصيح لشاعرة من منطقة الجوف، وكان لصدوره أثر محمود ومبهج لدى الأخوات المثقفات والأديبات، ولقد لمست هذا أثناء لقائي بهن في معرض الرياض الدولي للكتاب أو على هامش مهرجان الجنادرية. لا يعكس عنوان ديوانك «غواية بيضاء» محتوى القصائد المكتسية بمسحة حزن وألم وتشاؤم، ما ردك؟ - العنوان «غواية بيضاء» عنوان محايد إلى حد بعيد! فهو لا يعكس الحزن كما أنه لا يعكس فرحاً يجول بين الصفحات، والديوان هو تعبير عن روح وقلب عانى وابتلع الألم لكنه مازال يتطلع لأملٍ ينبثق من بين التفاصيل الموجعة. كيف تقوّمين تجربتك مع نادي الجوف الأدبي الذي أصدر الديوان؟ - نادي الجوف متعاون جداً، وهو يرحب بالأقلام الهادفة والجميلة ويعمل حثيثاً على تشجيعها، هذا ما لمسته خلال تجربتي معه. ورد في الديوان أنه أول عمل لشاعرة من الجوف، أليس غريباً أنك الوحيدة في منطقة معروفة بعمقها التاريخي؟ - صحيح الأمر مؤسف جداً، فالجوف بتاريخها وحضارتها لم تعانق ديوان شعرٍ فصيح لابنة من بناتها قبل ديوان «غواية بيضاء»، والجوف لا تعدم شاعرات فصيحات، فالإشكالية ليست في عدم وجود الموهوبات إنما في ظهور نتاج الموهوبات والذي يعود في كثيرٍ من الأحيان لأسباب اجتماعية، مؤسف أن يتأخر ظهور الشعر النسائي الفصيح إلا أنه من الجميل أن يظهر حتى وإن كان متأخراً! يندر إهداء الأعمال الأدبية للأم، فما الدور الذي لعبته والدتك في حياتك، حين أهديت ديوانك الأول لها؟ - لأمي العزيزة أطال الله في عمرها وقفات لا تُنسى وبالأخص في ما يتعلق باهتماماتي الأدبية، والدتي ليست لها علاقة بالشأن الثقافي والأدبي، إلا أنها بعقل المرأة الجوفية الحكيمة كانت سنداً لي في كثير من المنعطفات في مسيرتي الأدبية. ترجمتِ قصائد إنكليزية إلى اللغة العربية، فهل ترجمة القصائد تتطلب مهارات خاصة؟ - نقل الكلمات من لغة إلى لغة مهمة سهلة، لا تتطلب إلا إجادة لغة أو لغتين، إلا أن الترجمة الأدبية تحتاج لبُعد ثقافي ورؤية ولغة أدبية. لفتت ملاك الخالدي في مداخلتها «العميقة» في أنشطة «أدبي الجوف» النظر إليها، ما دورك في تشجيع مثقفات المنطقة للمشاركة في الفعاليات الثقافية؟ - الانخراط في الحراك الثقافي أمر ضروري لإثراء الجانب الثقافي وصقل الجانب الأدبي إن كان موجوداً، حين نشارك فنحن نصدعُ بروح وعقل الذات ونثبت وجود المرأة كجزء لا يتجزأ من الحياة بكل جوانبها. هل صحيح أن سبب اعتراض «المتشددين» على نشاطات «أدبي الجوف»، ليست مشاركة العنصر النسائي من خارج المنطقة، بل مشاركة «بنات الجوف» في تلك الفعاليات ما دفع أحدهم إلى تحريض أولياء أمورهن على النادي باعتباره «معول هدم»؟ - بالتأكيد لا أتفق مع هذا الرأي، فمن اعترض اعترض على شخصيات نسائية من خارج المنطقة وليس لأجل مشاركة المرأة الجوفية، المرأة الجوفية شاركت في الحوار الوطني وكثير من المحافل الفكرية والثقافية بجانب أخيها الرجل وكانت ومازالت محل افتخار واعتزاز أبناء الجوف، إلا أن هناك فئة لا تمثل المجتمع الجوفي قامت بالتحريض ضد النادي الأدبي، وبالفعل وصل التحريض حتى لأولياء أمور النساء لمنعهن من المشاركة في النادي، إلا أن ذلك لم يؤثر كثيراً لأن مجتمعنا أصبح أكثر وعياً. يحصل في أندية أدبية اعتراضات على الأنشطة الثقافية النسائية لا تصل إلى حد إحراق مقار تلك الأندية، فما الذي دفع «المتشددين» في المنطقة لحرق خيمة «أدبي الجوف»؟ - أن يصل الأمر للإحراق فهذا يبرهن على ضحالة وضيق أفق الجاني أياً كان، ومن يملك أفقاً ضيقاً وفكرة ضحلة فيجب أن تتوقع منه أي شيء!. هل تحد الاعتداءات الأخيرة على «أدبي الجوف» من مشاركة النساء في المنطقة في أنشطة النادي؟ - إلى حدٍ ما، لكن ليس بدرجة كبيرة فمجتمعنا أصبح أكثر وعياً. هل تفكرين بإصدار رواية؟ - الرواية واردة جداً، أنا قارئة نهمة للروايات وأحب الإبحار في عالمها، إلا أنني وجدتُ نفسي في الشعر، وحين فزت بأحد المراكز العشرة الأولى على مستوى المملكة بمسابقة الوطن في عيون الشعر شعرتُ بأنني أكثر قوة وأنني قادرة على طرح نتاجي بشجاعة وثبات، ولهذا أقدمت على إصدار ديواني وحين أشعرُ بالشعور ذاته تجاه الرواية فسأقدم على هذه الخطوة بلا شك.