وقف الطالب الجامعي علاء (19 سنة) مشدوهاً وعيناه تمعنان النظر في وجه عمه الذي فاجأه بحضوره إلى مبنى القبول والتسجيل في الجامعة. تساؤلات كثيرة دارت في رأسه وهو يترقب عمه في زيارة غير متوقعة. ومن دون أي مقدمات سارع الشاب الى الاستفسار عن السبب، فنزلت الأجوبة كالصاعقة عليه. قال له عمه: «أبوك أرسلني للاستفسار عن أقساطك الجامعية وما إذا كنت ملتزماً بتسديدها، وعن الساعات التي سجلتها منذ أن التحقت بالجامعة». عمّهُ كان يتأبط مجموعة من الأوراق، وبدا واضحاً أنها صادرة من الدائرة المالية، ما أصاب علاء الذي يدرس في إحدى الجامعات الأردنية الخاصة بإرباك شديد التزم حياله الصمت. وفي تلك اللحظة تأكد الشاب أن عمه اكتشف الحيل التي أفلح في تمريرها على والده طيلة سنتهُ الدراسية الأولى ويشرحها علاء بقوله: «الساعات الدراسية التي سجلتها للفصل الحالي لا يتجاوز قسطها 700 دينار أردني (أي ما يعادل الف دولار) فيما المبلغ الذي طلبته من والدي لغايات السداد يتجاوز 1000 دينار». ويشكو علاء من أن الحوالة المالية التي يتلقاها شهرياً من والده الذي يعمل خارج الأردن لا تكفي لتغطية مصاريف الأكل والشرب والتنقل، خصوصاً إذا أضيفت اليها فواتير اخرى لمشتريات جانبية من ألبسة وارتياد المطاعم والاشتراك في الرحلات الجامعية، وهي مصاريف لها أولوية بالنسبة اليه وتتطلب موازنة لا يمكن جمعها باتباع سياسة التقشف وضبط الإنفاق من مصروفه الشهري. وتعد المقتنيات الشكلية والترفيهية محط اهتمام طلبة الجامعات، ويجد غالبية هؤلاء، ومعظمهم من طلبة الجامعة في سنوات الدراسة الأولى، صعوبة في الحوار مع ذويهم واقناعهم بها، فهم يعتقدون أن الأهل لا يتفهمون حاجاتهم التي تختلف تماماً عن حاجات طالب المدرسة. ولم يشعر علاء بتأنيب الضمير من فعلته، ويقول: «كل ما في الأمر أن أبادر بالاعتذار من والدي»، ويحاول في حوار مع نفسه أن يقنعها أن حيلتَهُ لا تختلف كثيراً عما يقدم عليه زملاؤه. الدكتور حسين محادين المختص في الشؤون الطالبية، وأستاذ علم اجتماع التنمية في جامعة مؤته يرى أن «الاستهلاك المظهري في الجامعات يحفز الطلبة على البحث عن مصادر تمويل إضافية لتغطية النفقات الترفيهية والمظهرية». ويصف تلك السلوكيات بأنها نتيجة تحولات تقوم على القيم الفردية وقيم المنفعة بمعنى أن يحصل الطالب على كل ما يريده بغض النظر إذا كانت الوسيلة مشروعة أو غير مشروعة». ويصف «الاحتيال» بأنه سلوك تراكمي يدل على تنشأة الطالب منذ صغره وأن علاقته مع ذويه لم تقم أساساً على الثقة والصراحة. ولا ينكر محادين أن التربية في الأسرة الأردنية لا تعطي فرصة للأبناء ليعبروا عن ذواتهم بصدق، وأن تلك العلاقة تقتصر على وعظ وإرشاد موجه من الأبوين، فيما عنصر المشاركة معدوم. ومع دخول الطالب إلى الجامعة يصبح غير قادر على التعبير عن حاجاته فيلجأ للاحتيال للحصول على مكتسبات غير واضحة بالنسبة الى الأهل. وتقول منى وهي طالبة جامعية في سنتها الثانية: «صحيح نحن نكذب، لكنه كذب أبيض من أجل تحصيل مبلغ إضافي على المصروف اليومي الذي أتقاضاه من والدي». وترفض منى أن تسمي فعلتها احتيالاً بل تراها «شطارة». وتطلب منى من والدها ضعف ثمن الكراسات والكتب الدراسية مع بداية كل فصل دراسي ليتبقى لها مبلغ جانبي تتصرف به بحرية. وتقول: «الكتب التي لا يتجاوز ثمنها 3 دنانير تكلف والدي الضعف بعد أن احتسب الزيادة التي تلزمني». وتتحدث عن قائمة من الحاجات تبدأ بمشترياتها من الألبسة ومصروف ارتياد المقاهي والتزامات اجتماعية تفرضها الصحبة الجامعية. وتقول: «في المدرسة كنا ملزمين بارتداء زي موحد ولكن في الجامعة الأمر مختلف... أجد نفسي محرجة إن كررت لباسي لأكثر من يومين». منى التي تدرس الهندسة المعمارية في الجامعة الهاشمية حصلت على الأدوات الهندسية مجاناً من إحدى صديقاتها التي أنهت دراستها في التخصص نفسه، ولكنها لم تخبر والدها بهذا الأمر بل حصلت منه على ثمن الأدوات وادخرته من اجل شراء ما يلزمها من ألبسة لموسم الصيف المقبل. وتجد منى أن عدم تقبل الأهل لحاجات أبنائهم الشباب الذين يركبون موجة التقليعات في مرحلة الجامعة تجعلهم غير واضحين. وتستطرد بالقول: «يعتقد والدي أن الجامعة للدراسة فقط، ويغضب كثيراً عندما أُلِح عليه بزيادة المصروف». ويؤكد محادين أن هذه السلوكيات غير المقبولة تخلقها البيئة الجامعية التي تجمع الطلبة بمختلف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وهنا يجد البعض نفسه غير قادر على مجاراة الأصدقاء فيجهد بالبحث عن مصادر تمويل أيسرها الاحتيال على الاهل. ولكن من منظور الطالب الجامعي فهي «شطارة» لا يتقنها إلا ذوو الشخصيات المحنكة القادرون على الحصول على مبتغاهم بصرف النظر عن الأسلوب. ويعتقد بأن الشاب في الأسرة العربية يمتاز عن غيره بأنه يتلقى إعالة طويلة زمنياً، فيعتمد على ذويه طيلة سنوات الجامعة، ومنهم من يلجأ إلى الاستجداء لتدبر حاجاته المالية، وما يعزز ثقافة الاستجداء والاستعطاف لدى بعض الطلبة هم الأهل بالدرجة الاولى. ويوضح محادين أن غالبية الأسر العربية المقتدرة ترفض أن يتوجه أبناؤها للعمل أثناء الدراسة الامر الذي يعزز قيم الاستهلاك على حساب الانتاج، فكل ما ينتظرونه من الابناء التقدم في التحصيل الدراسي، وبالتالي يعززون اتكاليتهم وقدرتهم على الابتزاز، ليتركز همهُم على تحقيق مبتغاهم المالي.