حين نطرح موضوع عمل المرأة في المنطقة العربية وحتّى منطقة الشرق الأوسط ككلّ، تتراءى لنا من دون شك صورة تشاؤمية في هذا المجال، فصحيح أنّ هناك مجتمعات خطت خطوات نوعية في مجال تحفيز المرأة لدخول مجال العمل، الا أنّ ذلك لم يتحوّل بعد إلى ثقافة مجتمعية يمكن الارتكاز عليها. وحين تصبح التصورات لدينا أرقاماً وإحصاءات مثبّتة، فذلك يساعد على فهم حقيقة المشكلة خصوصاً أنّ هناك حالة نكران في مجتمعات عربية عدة لوضع المرأة المهني الصعب ومدى وجود عقبات أمامها لتدخل ميدان العمل متسلّحة بعلمها وشهاداتها. وربما يكون الرقم الأكثر دلالة على هذا الموضوع هو ما صرّحت به منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنّ أقل من امرأة واحدة من بين كل ثلاث تعمل في الشرق الأوسط، وذلك على رغم التقدّم الذي شهدناه إقليمياً طوال العقود الماضية في مجال المساواة بين الجنسين في التعليم. مخاوف في سوق العمل لا يمكن لمثل هذا المؤشر أن يمرّ مرور الكرام، فهو يظهر حجم المشاكل التي تعاني منها المرأة لدخول سوق العمل وإثبات نفسها ومهاراتها، لذا أصدر موقع «بيت.كوم» أكبر موقع للتوظيف في الشرق الأوسط بالتعاون مع مؤسسة يوغوف (YouGov) ومؤسسة التعليم من أجل التوظيف (EFFE) تقريراً عنوانه «الوظائف الأولى للشابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: التوقعات والواقع». وركّز التقرير على الشابات من ضمن الفئات العمرية للنساء باعتبار أنّهن يستعدن للدخول إلى سوق العمل، وفي حال واجهن عقبات كثيرة يمكن أن تثنيهن عن خوض المجال المهني طيلة حياتهن. وشملت الدراسة الباحثات عن عمل والشابات اللواتي انطلقن في حياتهن المهنية، إضافة إلى المهنيين المسؤولين عن اتخاذ قرارات التوظيف في شركاتهم. وأجريت الدراسة عبر المسح الكمي على الإنترنت لجمع آراء 2319 شخصاً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأفضى عن نتائج معبّرة تتطلّب الوقوف عندها لما تحمله من دلالات. فهناك 44 في المئة من الشابات الباحثات عن عمل في بلدان المشرق العربي يتوقعن مواجهة صعوبة أكبر في الحصول على أول وظيفة لهن بدوام كامل، و4 في المئة فقط من المستطلعات اعتقدن بأنّه لا توجد تحديات أمامهن لدى دخول سوق العمل في مجال اختصاصهن. وفي ضوء هذه التحديات المتوقعة، لجأت شابات إلى تفعيل العلاقات الشخصية أو ما يُعرف ب «الواسطة» للحصول على وظيفة، حيث وصلت نسبة الموظفات في منطقة الشرق الأوسط اللواتي أشرن إلى أنّ معرفة موظف في الشركة ساهم في حصولهن على أول وظيفة لهن، إلى 32 في المئة وهي نسبة لها دلالاتها. وما يلفت أكثر أنّ 18 في المئة فقط من أصحاب العمل في الشرق الأوسط أشاروا إلى أنّ أبرز الآثار الجانبية أو المهارات التي تقدّمها المرأة لنمو الشركة وتطورها هي القيادة والولاء، فيما اعتبر 11 في المئة أنّ زيادة الإنتاجية هو التأثير الإيجابي، ما يظهر الخلل الكبير في النظرة إلى عمل المرأة وأدائها المهني. ولا شك في أنّ الأمر يرتبط أساساً في القلق لدى أصحاب العمل من تأسيس المرأة لعائلة وانشغالها بها، ف 46 في المئة من المستطلعات اعتبرن أن خوف المديرين من ترك المرأة عملها عند تأسيس عائلة هو التحدي الرئيس لهن. وتظهر بعد ذلك تحديات أخرى لا بدّ من الإضاءة عليها، فبالنسبة إلى 59 في المئة من المستطلعات، ترتبط المشكلة الرئيسة بعدم توافر وسائل النقل. وهنا يبرز الخلل الفعلي في تأمين بيئة داعمة لعمل المرأة حيث يمكن أن توفر الشركات وسائل النقل المشتركة لإيصال العاملات إلى عملهن. وهناك تحدي الرواتب، وقد وجدت 42 في المئة من المستطلعات أنّه تحدٍ رئيس لهن، خصوصاً إذا كانت المقارنة برواتب الرجال حيث يمكن للمرأة أن تؤدّي العمل والمهمات ذاتها وتنال أجراً منخفضاً في الوقت عينه. ضرورة إزالة العقبات تبرز من خلال هذه الدراسة عقبات تستوجب الاهتمام من قبل صانعي القرار، فهي تحول دون دخول المرأة مستندة إلى شهاداتها فقط في سوق العمل لتثبت مهاراتها. وفي هذا السياق، تؤكد نائبة الرئيس للشؤون الإستراتيجية والشراكات في مؤسسة التعليم من أجل التوظيف ياسمين نحاس دي فلوريو، أنّ أكثر من نصف خريجي المؤسسة هم من الشابات، وهنّ قادرات على إحداث تأثير عميق في الشركات التي يعملن فيها ومجتمعاتهن. وبالتالي فإنّ إزالة العقبات من أمامهن وتحفيزهن للدخول الى سوق العمل مهم لبناء مسيرة مهنية ناجحة بدل الشعور دائماً بالتهميش، أو إن الحصول على الوظيفة المناسبة أمر شبه مستحيل. ويتم هذا التحفيز بالتعاون بين المؤسسات الرسمية والخاصة لإيجاد سياسات إشراكية للمرأة ضمن المجالات المهنية، وهي سياسات لا تزال مفتقدة في معظم بلدان المنطقة. النموذج اللبناني تتلاقى النتائج التي توصلت اليها الدراسة السابقة مع احصاءات صادرة في البلدان العربية ومنها لبنان، الذي يعتبر من البلدان المتقدّمة على صعيد عمل المرأة. لكن الأرقام تظهر أنّ هذا التقدّم ليس واقعياً كما نتصور. فوفق «الدولية للمعلومات»، تبلغ نسبة الالتحاق الجامعي للنساء 54.4 في المئة في مقابل 45.6 في المئة للذكور بسبب ميل المرأة أكثر إلى الدراسة. لكن بالنسبة إلى الإنخراط في سوق العمل، تتغيّر النسب تماماً إذ تبلغ مشاركة المرأة 25 في المئة في مقابل 75 في المئة للرجل. ولا شك في أن لبنان قام بنقلة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية رفعت النسبة من نحو 13 في المئة في سبعينات القرن ال 20 إلى 25 في المئة اليوم، لكن الانخراط لا يزال ضعيفاً. وعلى رغم أنّ بعض النساء يأخذن بأنفسهن قرار عدم العمل لتأسيس أسرة، الا أنّهن لسن الفئة الأكبر، بل هناك نساء يسعين يومياً إلى ايجاد وظيفة ملائمة لمهاراتهن، وهن يدركن كيفية التنسيق بينها وبين المسؤوليات المنزلية. لكن المشكلة تكمن في ضعف ثقة أصحاب العمل بقدرات المرأة وكفاياتها، لتكون الوظائف التي تعهد إليها غالباً متوسطة ولا تتطلب اتخاذ قرارات كثيرة.