لم يقف بهم قطار المعاناة عند حد، بل ركض بهم منذ نعومة أظفارهم إلى المجهول وحلم ليل لم يتحقق. قلّبتهم السنون على كفي أوجاعها، بعد أن هجرهم والدهم وتركهم يعيشون بلا هوية ولا إثبات، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، قوتهم حليب الماعز وفتات التمر والخبز.كان بكر الأسرة المحطمة فتاة وبعد موتها انضم ابنها وابنتها اليتيمان إلى جدتهما لأمهما التي تصارع من أجل لقمة عيش أبنائها الذين تجاوزت أعمارهم سن البلوغ ومع ذلك رفضهم التعليم فهم لا يحملون هوية، حتى المستشفيات هي الأخرى لم تقبلهم مرضى فيها. «الحياة» وقفت على واقع هذه الأسرة وعاشت فصوله الحزينة. تقول أم مخلد: «لدي ثلاثة أبناء وثلاث فتيات، وأعول إضافة إليهم طفلاً وطفلة هما ابنا ابنتي المتوفاة». وتضيف: «لم أعد أرى زوجي منذ سنوات ولا أعلم أين هو، تركنا نعيش في هذه الأرض الفضاء في خيمة وصندقة واحدة ومطبخ نغسل ملابسنا على أيدينا، ودارت علينا الأيام والسنون حتى مزّقتها العواصف والأتربة»، لافتة إلى أنها أجبرت أبناءها على جلب حجارة كبيرة وتثبيت الخيمة الممزقة لتقيهم لهيب الشمس وبرودة الجو. وتتابع: «انقشعت الخيمة مع الوقت فقمت ببيع ما تبقى لنا من أغنام ومواشٍ كانت كفيلة بشراء مواد البناء والأسمنت، فقد كانت توازي ستة آلاف ريال، فجعلت أسوي الخلطة أنا وأبنائي وبناتي ونشيد الجدران والحوائط حتى قامت، وساعدنا فاعل خير في تغطية سطح البناء». توقفت أم مخلد عن الكلام لتمسح دموعاً لم تتوقف، ثم واصلت قائلة: «غياب زوجي حرم أبنائي من الدراسة والتعليم وحتى من العلاج في المستشفيات، وعندما وقع لنا حادث مروري وانكسرت رجلي كادت تعيب لولا لطف الله ثم تقديم أحد فاعلي الخير في أم الدوم شمال الطائف المساعدة لي، فالمستشفيات الحكومية لا تقبلنا». وتؤكد العجوز أنها تقدمت بشكوى ضد زوجها الهارب لدى أحد مراكز وزارة الداخلية شمال الطائف، مستدركة: «فاجأني المركز بعبارة بحثنا عنه ولم نجده». وتستطرد: «تقدمت بشكوى أخرى إلى جهة حكومية أخرى، طلبت مني إرفاق ما يثبت أنني سعودية، وهنا علمت أنه لا يوجد أمل، فعدت إلى منزلي وأبنائي»، مضيفة: «حرمنا من الخدمة الكهربائية على رغم قربنا منها، والسبب في ذلك يعود إلى عدم وجود ما يثبت ملكية المنزل، ومع أن الموظفين شاهدوا الواقع المنكسر الذي نعيشه، إلا أنهم ذكروا لنا أنه ليس لديهم حل سوى إحضار الإثباتات ودفع الرسوم». ولم تعد أم مخلد تملك إلا رأسين من الماعز، وتؤكد أنهم يعتمدون على «موتور» كهرباء بسيارة لإنارة منزلهم لساعتين في الليل فقط. وتطالب أم مخلد الجهات المعنية ذات العلاقة بالتدخل لإثبات هوياتهم السعودية وتسليمهم ما يحتاجون إليه من وثائق رسمية، مع العمل على إحضار زوجها ونقلهم من حياة العوز في الصحراء إلى المدن حتى يحصل أبناؤها وبناتها على الدراسة والعلاج المجانيين.