خرج مئات أمس في مدينة المنصورة كبرى مدن دلتا النيل لاستقبال المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي الذي بدأ حملة في مصر للمطالبة بإصلاحات دستورية وسياسية، في أولى جولاته خارج القاهرة. ورفع نحو 1500 من أنصار البرادعي لافتات تدعوه إلى الاستمرار في حملته، فيما ردد العشرات هتافات مؤيدة له بينها: «يا بلدنا يا منصورة، البرادعي بقى (أصبح) في الصورة، و «يا برادعي قلها قوية، مصر محتاجة ديموقراطية». وكان البرادعي توجه صباح أمس إلى مدينة المنصورة (نحو 140 كلم شمال القاهرة)، مع عدد من قيادات «الجمعية الوطنية للتغيير» التي دشنها البرادعي لدى عودته إلى القاهرة قبل نحو شهر، واستقبله رائد زراعة الكلى في مصر الدكتور محمد غنيم الذي اصطحبه في جولة على مركز الكلى الذي أسسه في المنصورة، قبل أن يؤديا صلاة الجمعة وسط مئات من أنصار البرادعي في مسجد النور، أحد أكبر مساجد المدينة. ورأى البرادعي أن الاستقبال الحافل الذي لقيه «يؤكد أن التغيير والإصلاح السياسي ليسا مطلباً نخبوياً، أو حركة مقصورة على الإنترنت». وشهدت الزيارة أول مواجهة بين أجهزة الأمن وأنصار البرادعي، إذ منعت الشرطة أعضاء في «الجمعية الوطنية للتغيير» من دخول مركز الكلى، ما قوبل باعتراضات كبيرة من قبل اعضاء الجمعية، قبل أن يتدخل غنيم ليسمح الأمن بدخول أربعة منهم، هم الدكتور محمد أبو الغار ومؤسس حركة «كفاية» جورج إسحاق وعلي البرادعي والمنسق السابق لحركة «كفاية» الدكتور عبدالجليل مصطفى. ويعتزم البرادعي تكثيف جولاته الميدانية في المحافظات، بهدف كسب مزيد من المؤيدين لما طرحه من إصلاحات دستورية وتشريعية. واعتبر إسحاق أن زيارة البرادعي للمنصورة «في غاية النجاح، وعبرت في شدة عن رغبة ملحة لدى المصريين في التغيير... مشهد استقبال المئات للرجل كان معبراًً عن أن هذه الرغبة باتت مطلباً ملحاً لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة قبل النخبة». وأضاف أن البرادعي يعتزم «تكثيف زياراته إلى المحافظات خلال الفترة المقبلة للالتحام بالجماهير وحشد مزيد من المناصرين». وبدا أن البرادعي يسعى إلى طمأنة التيار الديني وكسب تأييده لمساعيه، عبر بدء جولاته الميدانية من رموز دينية، إذ أدى صلاة الجمعة الأسبوع الماضي في مسجد الحسين في القاهرة القديمة حيث تجول مصافحاً المارة الذين التف بعضهم حوله، فيما يعتزم حضور قداس عيد القيامة الذي يحييه الأقباط مساء اليوم ويشهد أولى المواجهات بين البرادعي وأمين السياسات في «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم نجل الرئيس جمال مبارك. وكشفت مصادر كنسية ل «الحياة» أن الكنيسة خصصت للبرادعي مقعداً في المنطقة المخصصة لكبار الشخصيات، ومن هنا قد يجد جمال مبارك الذي اعتاد حضور قداس القيامة سنوياً نفسه على بعد خطوات من البرادعي. لكن إسحاق أكد ل «الحياة» أن بدء الجولات من هذه الأماكن «ليست له أي دلالة دينية، فالبرادعي ملتزم بالدولة المدنية». وأضاف: «المصريون عموماً متدينون، وهو يلتقي الناس العاديين في أماكن العبادة... هذه ثقافة مصرية ليست لها أي دلالة دينية». غير أن مساعد مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» نبيل عبدالفتاح اعتبر أن اختيارات البرادعي جاءت «محاولة لتوظيف فائض التدين لمصلحة تدعيم حملته من أجل تغيير الدستور». وقال ل «الحياة» إن «البرادعي ومستشاريه يعرفون تماماً أن للتدين دوراً كبيراً في الحياة السياسية، خصوصاً للتعبئة والحشد وتوجيه الرأي العام نحو قضايا معينة... وهو يريد أن يستفيد مثل بقية القوى، خصوصاً الإخوان المسلمين، من فطرة المصريين المتدينة». ورأى أن «البرادعي يريد أيضاً التأكيد على التزامه بالإرث الديني الإسلامي - المسيحي المصري، وأيضاً يشير إلى اهتمامه بمخاطبة القوى السياسية المؤثرة على السوق الدينية مثل الكنيسة وجماعة الإخوان التي لها باع طويلة في هذا». واعتبر أن «المسألة تتصل بالتكتيك السياسي لا الدولة المدنية... أراد أن يذهب إليهما بهدف طمأنة القوى ذات التوجه الديني في البلاد من طرحه فكرة الدولة المدنية». لكن «الجماعة الإسلامية» التي كانت مسؤولة عن غالبية عمليات العنف التي شهدتها البلاد في التسعينات من القرن الماضي قبل أن تعلن تلقي السلاح وتطلق السلطات سراح قياداتها، هاجمت البرادعي في شدة. وقال منظر الجماعة الدكتور ناجح إبراهيم ل «الحياة» إن «التيار الإسلامي عموماً متخوف من البرادعي لأنه لا يزال شخصية غامضة». واعتبر أن «البرادعي يريد طمأنة الإسلاميين بأنه لن يحارب الشريعة بعد تصريحات أعلن فيها أنه يريد فصل الإسلام عن الدولة وأثارت قلقنا كثيراً». وأضاف: «اعتقد أن من حوله نصحوه بأن يغير هذه الاستراتيجية كي يرضي فطرة التدين عند المصريين، وبالتالي ذهب إلى الحسين كما يزور الكاتدرائية لطمأنة الأقباط». بيد أنه رأى أن «معظم من يحيطون بالبرادعي يساريون يهاجمون الدين، وهذا أثار تخوفنا من توجهاته... وهو لم يذكر شيئاً إيجابياً عن الدين. كل كلامه عن الفصل بين الدين والدولة، نحن متخوفون من تشجيعه العلمانية المتطرفة مثل الاتاتوركية في تركيا، لا سيما أنه ليست له مظاهر إسلامية، ولدينا تخوفات كثيرة منه». وأضاف: «زيارة البرادعي مسجد الحسين لا ترضي الإسلاميين، فمثل هذه الزيارات يقوم بها الحكام في المناسبات الرسمية ولا تدل على أنه سيعطي الحركة الإسلامية الحرية... وأرى أن هذه الزيارة محاولة للتصحيح». وأشار إلى أن الجماعة تنظر إلى البرادعي على أنه «رجل قضى معظم سنوات حياته خارج مصر وولاؤه الأكبر ليس للإسلام... لا نعرف عنه أي شيء. هو شخصية غامضة تماماً، لا تعرف أي شيء عن أي قضية إسلامية، وهمومه خارجية». وطالب البرادعي بأن «يوضح موقفه من الشريعة والحركة الإسلامية».