بات لبنان مُمتثلاً للمعايير الجديدة التي تعتمدها الهيئات الدولية الراعية لممارسات العمل المصرفي والمالي الدولي، وتصبّ في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرّب الضريبي. وستتبلغ هذه الهيئات إقرار هذه التشريعات التي لا تستهدف أساساً لبنان ولا قطاعه المصرفي والمالي، وفق أوساط السلطة النقدية وجمعية مصارف لبنان، لأن الجهات العالمية المعنية مسؤولة عن مكافحة الجرائم المالية، ولأنها الإجراءات المنصوص عليها في التشريعات معتمدة ومطبقة في كل دول العالم التي التزم معظمها تأطير هذه المعايير في تشريعات وطنية سارية المفعول. وأجمعت الأوساط اللبنانية المعنية على أن هذه القوانين لا تمسّ السرية المصرفية بل تحميها، لأن مفهومها وُضع لحماية المال النظيف وليس ذلك غير المشروع. وقال نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري ل «الحياة»، إن لبنان وقطاعه المصرفي «ليسا مستهدفين»، جازماً ب «تمسّك لبنان والسلطة النقدية والقطاع المصرفي بالسرية المصرفية، انطلاقاً من حماية القطاع المصرفي والمالي من خطر الأموال القذرة التي يجب عدم دخولها تحت مسوّغ السرية، لأنها وُضعت ويُعمل بها للحفاظ على الأموال النظيفة فقط». وقال الأمين العام لجمعية مصارف لبنان مكرم صادر ل «الحياة»، إن مفهوم السرية المصرفية «يقوم أساساً على حماية الحقوق المدنية من تعسّف السلطات في دول في العالم الثالث، وهي معتمدة لحماية الأموال النظيفة وليست تلك غير المشروعة». ولفت بعاصيري، إلى أن القوانين التي أُقرّت هي التعديلات في القانون 318 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، «وتمثّلت بإضافة جرائم جديدة ليصبح القانون شاملاً مكافحة 21 جريمة بدلاً من سبع، ومتوافقاً مع توصيات «غافي». ويقضي قانون «نقل الأموال عبر الحدود»، ب «التصريح عن المبالغ النقدية التي يحملها الأفراد عبر الحدود في حال تخطت قيمتها 15 ألف دولار، وهو لا يمسّ حرية نقل الأموال ولا يحدّ منها، إذا كان مصدرها مشروعاً». وأكد بعاصيري أن معظم دول العالم «باتت ملتزمة هذه الإجراءات ولا مفرّ من اعتمادها». وأُقرّ انضمام لبنان إلى اتفاق الأممالمتحدة الخاص بتجفيف منابع تمويل الإرهاب الصادر عام 1999، وأشار بعاصيري إلى أنه يستند في تعريف الإرهاب إلى «ذلك المعتمد من جامعة الدول العربية وهو مقبول». أما قانون تبادل المعلومات حول التهرّب الضريبي، فهو «مطلوب من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ويلتزمه معظم دول العالم». ولفت بعاصيري إلى أن الاجتماع المقبل ل «مجموعة العمل المالي من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» (غافي) سيُعقد في شباط (فبراير) المقبل، ويستغرق درس التقرير الخاص بلبنان نحو شهر لصدور النتائج واتخاذ القرار». تمسّك بالسرية المصرفية وأكد بعاصيري ان إقرار هذه القوانين «يضع لبنان في مصاف دول العالم الملتزمة أيضاً متطلبات الهيئات الدولية، حفاظاً على سير عمل مؤسساته المصرفية والمالية واستمرار تعاملها مع نظيراتها العالمية». وعن آلية التنفيذ، كانت الخطوة الأولى بعد إقرار القوانين وفق بعاصيري «الاتصال بالجهات الدولية المعنية وإطلاعها على ذلك وتحديداً غافي، ما يجعلنا على مستوى الامتثال». ولم يغفل أن هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان المركزي التي يترأسها الحاكم رياض سلامة «كانت تطبّق معظم المعايير الجديدة وتتعامل مع نظيراتها الخارجية من خلال القانون 318 في شكل مطاط، أي بمعالجة جرم معيّن غير منصوص عليه في القانون قبل إقرار التعديل في بند قائم ينسجم مع طريقة التدقيق والتحقيق وأهدافه». وجزم بعاصيري بأن «المركزي» هو «الذي وضع القوانين كما هيئة التحقيق الخاصة، فيما واكبت جمعية المصارف هذا العمل حفاظاً على مصلحة القطاع وأموال المودعين». وأوضح أن هذه القوانين «التزمت المعايير وحافظت في الوقت ذاته على السرية المصرفية، وتُناط بهيئة التحقيق الخاصة فقط تولّي درس أي تقرير يرد من أي مصرف أو مرجع خارجي يطلب التعاون في التحقيق بموضوع يتصل بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والتي يترأسها حاكم مصرف لبنان وهو يناقشه مع أعضاء الهيئة المؤلّفة من قاض ومحامين واستشاريين، ويُحال الطلب على أمانة السر الممثلة بالسيد عبد منصور. وبعد النقاش والدرس والتحقيق الدقيق الذي يقوم به فريق المحققين المحترف في جهاز الهيئة، تُدرس النتائج وتستغرق الوقت اللازم لها، لاتخاذ أي قرار في شأنها. وإذا كانت الشبهة تقارب حدّ اليقين يُتخذ القرار برفع السرية تجاه القضاء فقط». وذكّر بأن هذه الآلية «كانت قائمة منذ العام 2001 عبر القانون 318 «. وأوضح أن «الضوابط ذاتها معتمدة في عملية تبادل المعلومات حول التهرّب الضريبي». تجميد الأموال احترازياً وأعلن صادر أن «التعديلات في القانون 318 في صيغته الأولى تمثّلت بزيادة عدد الجرائم المالية فيه، فباتت 21 بدلاً من سبع. كذلك وسّع مسؤولية الالتزام إلى فئات جديدة ليست مصارف أو مؤسسات مالية، ومُدّدت فترة تجميد الأموال احترازياً لتتماشى مع أفضل الممارسات في العالم، فأصبحت سنة قابلة للتمديد نصف سنة إضافية في ما خص العمليات الواردة من الخارج، وتُحال بعدها على الجهات القضائية الصالحة». وأوضح أن القانون «ميّز بين الفترة المتصلة بالحالات الداخلية عن تلك الخارجية، وهكذا جاءت فترة التجميد الاحترازي للعمليات الداخلية ستة أشهر قابلة للتجديد ثلاثة أشهر إضافية». أما الهدف من إطالة التمديد «إشباع الملفات تدقيقاً وتحقيقاً». وأوضح أن قانون «تبادل المعلومات حول التهرّب الضريبي» من التشريعات المطلوبة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، «بعدما صُنّف الغش والتهرب الضريبي من الجرائم المالية في العالم». وقال «باتت الدول تولي هذه القضايا اهتماماً متزايداً على مدى السنوات العشر الماضية، نظراً إلى سهولة خروج رؤوس الأموال من الدول ووضعها في جنّات ضريبية أو في حسابات مصرفية خارج البلد». وترمي هذه الدول من هذه الإجراءات إلى «رفع مداخيل الخزينة العامة لتمويل نفقاتها من دون اضطرارها إلى رفع الضرائب». وشدد على أن هذا الجهد الذي بذلته جمعية المصارف منذ العام 2001 حتى الآن، «يهدف إلى إبقاء لبنان منفتحاً على الأسواق المالية ومتعاملاً معها، لأنّ لا مصلحة لنا في عكس ذلك». وأشار إلى أن «القانون يتضمن في ما خص المصارف والمؤسسات المشمولة بالسرية المصرفية، آلية تبادل المعلومات الضريبية ذاتها المعتمدة في القانون 318، والتي تمرّ من خلال هيئة التحقيق بعد اعطاء الحق للشخص المعني بمراجعة مجلس شورى الدولة». وهذا يعني وفق صادر أن السرية المصرفية «مُصانة»، علماً أن أنظمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو إي سي دي) على هذا الصعيد تؤكد أن «تبادل المعلومات الضريبية لا يتنافى مع السرية المصرفية». لا أموال غير مشروعة وأكد صادر أن قطاعنا المصرفي «يكافح دخول الأموال غير المشروعة»، كاشفاً أن «99 في المئة من الودائع مشروعة ونظيفة، لذا لا يجوز الإساءة اليها بسبب نسبةٍ ضئيلة تجري مكافحتها». وعن قانون نقل الأموال عبر الحدود، لفت إلى أن معظم دول العالم «تعتمد إجراءات التصريح عن مصدر المبالغ النقدية التي يحملها الفرد في حال تجاوزت سقفاً معيناً 10 او 15 ألف دولار، وهو لن يمسّ حرية نقل الأموال». وشدد في هذا المجال على أن «أي مصرف لبناني سيكون أكثر حرصاً على التدقيق في مصدر هذه الأموال المنقولة، استناداً إلى قاعدة ذهبية يعمل بموجبها وشعارها «إعرف عميلك»، وتهدف إلى مكافحة كل عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب»، مذكّراً بأن المصارف تطبّق هذه الإجراءات أصلاً قبل صدور القوانين. وأكد أن هذه القوانين «ستساهم في استقطاب مزيد من رؤوس الأموال اللبنانية والأجنبية والتحويلات التي يرسلها اللبنانيون العاملون في الخارج». لكن احتمال تراجع هذه الحركة «ربما يعود إلى أسباب اقتصادية أو إلى انخفاض مداخيل اللبنانيين بسبب الظروف التي تشهدها الدول التي يعملون فيها». وعن مدى تدخل مصرف لبنان والجمعية في وضع هذه القوانين، أوضح أن الحركة «ارتكزت إلى وجود قناعة مشتركة لدى الجهتين على ضرورة التزام لبنان هذه المعايير الدولية، وحصل تعاون كبير بين الجمعية و»المركزي» باتجاه المسؤولين ورؤساء الكتل النيابية وكذلك في اللجان النيابية عندما كانت تدرس هذه القوانين». ونوّه بجهود شخصين «هما حاكم مصرف لبنان، الذي زار المسؤولين السياسيين لإطلاعهم على أهمية إقرار هذه القوانين، ورئيس الدائرة القانونية في المركزي السيد بيار كنعان، الذي أدى دوراً كبيراً ومهماً في وضع النصوص القانونية مع اللجان النيابية».