تعيش وسائل الإعلام اللبنانية على اختلاف صنوفها، مقروءة كانت أم مسموعة أم مرئية، حالاً فريدة من التبادل والتفاعل بعضها مع بعض، حتى يخال المتلقي قارئاً كان أم مستمعاً أم مشاهداً، أنها تعيش عالة بعضها على بعض. فما يكاد الصبح ينبلج حتى تتفتح «عيون» وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على عناوين الصحف وما انفردت به كل صحيفة على حدة من معلومات من مصادرها، أو كلام لمسؤول كبير او صغير خص صحيفة بتصريح او مقابلة، فتجول عليها جميعاً وتنقلها بلمح البصر إلى المتلقي في منزله حتى ان بعض الإذاعات والتلفزيونات يتلو رئيسيات الصحف والمقابلات والمعلومات جميعها، فيوفّر على القارئ عناء الخروج من منزله لشراء جريدة اضافة طبعاً إلى ثمنها، ويكون بعض الأمر ازعاجاً للمحاسبين والاداريين وبعضه فرحاً للصحافيين والكتاب الذين يسلط الضوء على أسمائهم ومقالاتهم. وإذا ما انتصف النهار وباشر الساسة أعمالهم، انهالت عليهم الاتصالات من التلفزيونات والإذاعات ليملأوا هواءها بتصريحات ومواقف يتلقفها محررو الصحف والوكالات ويحررونها بما يتلاءم مع توجهات صحفهم ويملأون بها كثيراً من صفحاتهم السياسية. بعد ذلك إذا ما حلت الثامنة مساء وبدأت نشرات الأخبار الرئيسة في التلفزيونات، تركزت عليها عيون المحررين، في الصحف والمواقع الإلكترونية التي انتشرت كالنار في الهشيم، وآذانهم، ليلتقطوا مواقف اضافية وغالباً ما تكون لقطب كبير هو أصلاً قائم على المحطة التي إن لم تكن تنطق باسمه فبتوجهه. وان لم يكن التصريح صريحاً باسمه فعلى لسان أوساطه. واللافت أن الإذاعات دخلت في هذا الأمر، وكانت اذاعة «صوت لبنان» سبّاقة إلى تخصيص فقرة لم يسبقها إليها أحد تحت عنوان «أسعد الله مساءهم». وتقوم هذه الفقرة «الذكية» على تسجيل مقدمات النشرات الاخبارية التلفزيونية، وهي كما أصبح معروفاً تشبه افتتاحيات الصحف وتعبّر عن توجه الطرف القائم على المحطة، وبثّها متتالية بعد نحو نصف ساعة من تلاوتها على الشاشات. وهذا الأمر لا يقدّم للمستمع ما فاته فحسب، بل يوّفر له في نحو نصف ساعة ملخصات محبوكة ومتلوة بنبرات مرخّمة، عن كل المواقف وكل ما جرى في لبنان ومحيطه أيضاً، ما يفسح في المجال للمتلقي، وبخاصة المحايد، أن يجري مقارنة سريعة ويعرف أي ناحية ستنحو بلاده التي لم يزل يأمل أن «تبقى بالحمام مسيجة» - على ما تغني السيدة فيروز - وكذلك أن تكون متابعة مسؤوليها لوسائل الإعلام هدفها الإصلاح وليس رصد الوقت الذي يفرد لتصريحاتهم... وكل هذا بالمجان طبعاً.