بين صورة بالأبيض والأسود لصغيرة عمرها سنتان تتوسط شقيقيها بالمنزل، وصورة ملونة في حفلة تكريمية في دبي، تقع سيرة الفنانة المصرية نجاة التي تحتفظ في خيال جمهورها بصورتها الحالمة رغم اقترابها من الثمانين. في كتاب «نجاة الصغيرة» الصادر عن دار الكرمة للنشر في القاهرة، تقول الكاتبة رحاب خالد أن نجاة محمد حسني كانت منذ سن مبكرة تقلد أم كلثوم وتردد أغانيها «وكأنها شريط مسجل»، وتوسلت إلى أبيها «أن يحملها» مع إخوتها إلى إحدى حفلات سيدة الغناء العربي حيث استمعت إليها بانتباه وبعد ذلك أصبحت «مطربة للتخت الصغير في البيت». أما أعضاء ذلك التخت المنزلي فكانوا إخوتها سميرة للعود وفاروق للقانون وعزالدين للكمان، وهو الذي سيصبح لاحقاً عازفاً في فرقة أم كلثوم. ولدت نجاة في 11 آب (أغسطس) 1936 لأب خطاط جاء من الشام إلى مصر عام 1912. وبزغ نجمها في سماء الطرب ولقبت بقيثارة الغناء العربي ووصفها البعض بصاحبة أدفأ صوت مصري ضمن الكثير من الصفات والألقاب. بدأت نجاة رحلة الغناء بالوقوف على المسرح أمام الجمهور عام 1942. ويسهل على متابع موهبتها أن يرصد نموها وتطورها مع المراحل المختلفة... من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب لتشملها رعاية كوكبة من المثقفين والفنانين في الشعر والتلحين والسينما وصارت نجمة لا تتنازل عن مكانتها ولا يشبه صوتها أياً من الأصوات السابقة أو اللاحقة. وتقول رحاب خالد في كتابها، أن والد نجاة كان له «ثمانية أبناء أذكياء موهوبون لم يعلّم أحداً منهم في المدارس لاعتقاده أنها تفسد المواهب». وإلى جانب أشقاء نجاة السبعة كانت الفنانة الراحلة سعاد حسني أختاً غير شقيقة وكذلك عازف الناي محمود عفت. والكتاب المؤلف الأول لرحاب خالد التي درست الإعلام في كلية الآداب بجامعة عين شمس في القاهرة. وهو يرصد بالصور والوثائق أعمال نجاة الغنائية والسينمائية منذ أغنيتها الأولى «غني يا كروان» في أيلول (سبتمبر) 1942 حتى أغنيتها الأخيرة «لا تنتقد خجلي» كلمات سعاد الصباح وتلحين كمال الطويل، والتي تغنت بها في حفلة بمهرجان قرطاج في 28 تموز (يوليو) 2001. ويقول ناشر الكتاب سيف سلماوي أن المؤلفة «جمعت بشغف على مدى سنين كل ما يتعلق بنجاة من وثائق وتسجيلات وأسطوانات وأفلام وبحثت في أرشيف الصحف والإذاعات العربية والتلفزيون المصري وراجعت المصادر المتوافرة والنادرة فتكونت لديها مادة غنية استطاعت أن توظفها ببراعة قل نظيرها لتقدم هذا الكتاب - المرجع» عن نجاة. ويقع الكتاب في 183 صفحة كبيرة القطع ويضم عشرات الصور لنجاة مُذ كانت في سن الثانية تجلس فوق كرسي ليقترب رأسها من قامة شقيقيها فاروق وسميرة. وتتوالى الصور بالأبيض والأسود وصولاً إلى صور ملونة إحداها في حفلة تكريمها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 1984، وصور أخرى وهي تحيي حفلتين في مهرجان قرطاج عامي 1999 و2001، علماً أنها تقلدت في المهرجان الأخير وسام الاستحقاق الثقافي التونسي من الدرجة الأولى. أما الصورة الأخيرة في الكتاب، فترجع إلى 18 كانون الأول (ديسمبر) 2006 في حفلة تكريم نجاة في دبي لمناسبة حصولها على جائزة «هؤلاء أسعدوا الناس» التي تمنحها مؤسسة سلطان بن علي العويس للرموز في الفنون والآداب. ويسجل الكتاب أن نجاة بدأت نجمة، ويورد صورة ضوئية من تقرير مصور شغل صفحتين في مجلة «الاثنين والدنيا» بتاريخ 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1942 تحت عنوان «خليفة أم كلثوم»، وجاء فيه أن «المطربة الصغيرة نجاة» وقفت في حفلة إذاعية نظمها نادي الموسيقى الشرقي لأداء أغنية «غني يا كروان» فلم يبالِ بها أحد، وبعدما تمايلت وسرى صوتها في الحفلة «استدارت الأعناق... وانتهت الأغنية ففقد الجمهور صوابه» وطالبها بالإعادة. ويضيف أن الكاتب الصحافي فكري أباظة طالب الحكومة برعايتها بعدما سمعها تؤدي أغاني أم كلثوم «سلوا قلبي» و «غني لي شوي شوي» و «حبيبي يسعد أوقاته»، وأيده عملاق الطرب محمد عبدالوهاب فأطلق عليها أشقاؤها لقب «بنت الحكومة»، ثم حملت الإعلانات عن حفلاتها في القاهرة ألقاباً منها «مطربة الجيل الجديد»، ومن ثم كان لقب «نجاة الصغيرة» تمييزاً لها عن المطربة المصرية نجاة علي (1910 - 1993) التي كانت مشهورة آنذاك وشاركت عب الوهاب بطولة فيلم «دموع الحب» عام 1935. وفي 18 كانون الثاني (يناير) 1947، نشرت صحيفة «أخبار اليوم»، إعلاناً عن اقتراب عرض فيلم «هدية» لمحمود ذو الفقار وتضمن صورة لنجاة «معجزة الجيل الجديد... نجاة الصغيرة». وتوالت أدوارها السينمائية في أفلام عدة منها «الكل يغني» لعزالدين ذو الفقار 1947، أما البطولة الأولى فكانت أمام الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين عام 1954 في فيلم «بنت البلد» لحسن الصيفي.