القضاء السويسري يضرب مجدداً، وبإيحاء أميركي، في أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، ويعتقل متورّطين بعمليات رشاوى وعمولات غير مشروعة. وحجبت «غارة» شنّتها الشرطة السويسرية فجر أمس في زوريخ، مداولات اللجنة التنفيذية ل «فيفا» واجتماعاتها على مدى يومين للبحث في رزمة إصلاحات وإقرارها، قبل عرضها على الجمعية العمومية المقرر انعقادها في 26 شباط (فبراير) المقبل، للمصادقة عليها، والتي ستنتخب رئيساً جديداً خلفاً للسويسري جوزف بلاتر، «المترنّح» بسبب زلزال الفضائح الذي هزّ أركان الاتحاد الأغنى في العالم، منذ أيار (مايو) الماضي. إذاً، تزامن إقرار الإصلاحات وسط موجة اعتقالات جديدة طاولت مسؤولين بارزين في «فيفا» هما الباراغواياني خوان أنخل نابوت رئيس الاتحاد الأميركي الجنوبي، والهندوراسي ألفريدو هاويت الرئيس الموقت لاتحاد الكونكاكاف. فبعد ستة أشهر على مسلسل الفضائح المدوّية الذي أفضى إلى توقيف مسؤولين، اعتقلت السلطات السويسرية بطلب من الولاياتالمتحدة أيضاً 12 مسؤولاً حالياً وسابقاً (جميعهم من منطقة كونكاكاف، أي أميركا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي، وأميركا الجنوبية) في الاتحاد الدولي بينهم نابوت وهاويت في ارتداد جديد للأزمة. وقد رفضا أن يسلّما إلى الولاياتالمتحدة، علماً أن شرطة زوريخ استمعت إلى إفادتهما حول ما وجّه إليهما من اتهامات واردة في طلب اعتقالهما الذي تقدّمت به الولاياتالمتحدة، وأبرزها أنهما «قبضا أموالاً لبيع حقوق تسويق لها علاقة بحقوق بيع النقل التلفزيوني لدورات في أميركا اللاتينية وتصفيات كأس العالم»، كما «وافقا على تلقي رشاوى بملايين الدولارات». وفي واشنطن، أعلن مصدر في أجهزة تنفيذ القانون، أن السلطات الأميركية ستكشف عن أسماء 16 شخصاً من المُدعى عليهم في إطار لائحة اتهام جديدة ستصدر عن وزارة العدل وتتعلّق بفضيحة الفساد التي طاولت «فيفا». في المقابل، أكد «فيفا» أنه يتعاون في شكل كامل مع تحقيقات تجريها السلطات الأميركية والسويسرية. اللافت أن مطلعين على أحوال «فيفا» تساءلوا أمس عن توقيت التوقيفات فجر أمس ومغزاها في سويسرا تحديداً، ولاحظوا أن نابوت وهاويت قدِما من ميامي حيث مقر اتحاد الكونكاكاف، فلماذا لم يوقفا هناك قبل التوجّه إلى سويسرا؟ مشيرين إلى أنهما كانا سيعودان إلى ميامي أيضاً (أمس). وأوضحوا: «ربما القصد من ذلك إحداث ضجة للحؤول دون إجراء الإصلاحات داخل فيفا وتنظيم الانتخابات الرئاسية». في المقابل، أكد الاتحاد الأميركي لكرة القدم، أن الاعتقالات الجديدة لن تؤثر في تنظيم بطولة كوبا أميركا المقررة في الولاياتالمتحدة عام 2016. وتهدف الإصلاحات التي أقرتها اللجنة التنفيذية ل «فيفا» إلى إعادة المصداقية إلى المنظمة الدولية، وأكّد عليها رئيسها بالوكالة الكاميروني عيسى حياتو والسويسري فرانسوا كارار رئيس لجنة الإصلاحات «من أجل إحداث التغيير المناسب وفتح حقبة جديدة». واعتبر عضو اللجنة واللجنة التنفيذية ل «فيفا» الكويتي الشيخ أحمد الفهد الصباح، أن المكلفين بهذا الملف «بذلوا جهداً كبيراً ومثمراً مكننا من وضع تصورات عامة تهدف إلى مزيد من الشفافية والمحاسبة والحوكمة والفصل بين الإدارات واللجان». وزاد: «بدأت مسيرة جديدة من الإصلاح فعلياً في أعقاب الأحداث المتلاحقة التي مرت بها أسرة كرة القدم العالمية». ومن أبرز ما أقرته اللجنة التنفيذية تحديد سنوات ولايات الرئيس والأعضاء ب12 عاماً (3 ولايات حسب النظام الحالي)، وإنشاء مجلس فيفا بدلاً من اللجنة التنفيذية، مهمته وضع الإستراتيجية العامة وسياسات الاتحاد، على أن تتابع الأمانة العامة الخطوات الإجرائية والتجارية المطلوبة للتنفيذ. وتنتخب أعضاء هذا المجلس الاتحادات الأعضاء في مناطقهم الجغرافية وفق القوانين الانتخابية ل «فيفا»، على أن تتولّى لجنة من الاتحاد الدولي فحص النزاهة للمرشحين. ويتعيّن على كل اتحاد قاري انتخاب امرأة على الأقل في المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي. كما أوصت لجنة الإصلاحات برفع عدد أعضاء المجلس التنفيذي (من 24 إلى 36 عضواً)، وتعزيز الشفافية بالكشف عن المكافآت التي يحصل عليها رئيس وأعضاء المجلس ونشر رواتبهم. ويبقى السؤال الأهم: ترى لو أعلن بلاتر تنحيه عقب كأس العالم العام الماضي في البرازيل، هل كانت ريح الفضائح عصفت بأركان «فيفا» ودحرجت رؤوساً كبيرة في «المسلسل المشوّق»؟