لمعت ميلاني لوران في السينما الهوليوودية والأوروبية على مدار السنوات العشر الأخيرة، مشاركة كممثلة في أفلام من طراز «إنغلوريوس باستيردز» لكوينتين تارانتينو، و «الآن تراني» من إخراج لوي لوتيرييه، و «عدو» لدينيه فيلنوف، ومتقاسمة البطولة في كل مرة مع عمالقة، مثل براد بيت وكريستوف وولتز وجيسي أيزنبرغ وجيك غيلنهال، اضافة الى إخراجها في 2014 أول فيلم روائي من تأليفها بعنوان «تنفس»، حاصدة عنه الإعجاب، لا سيما في مهرجان «كان» السينمائي. وها هي لوران تخوض تجربة جديدة بإخراجها فيلم «غداً» التسجيلي بالمشاركة مع سيريل ديون، وهو فيلم عن مستقبل البشرية التي يهددها تدمير البيئة. به. واللافت في «غداً» اعتماد مخرجته الخفة بل الفكاهة في معالجة موضوع لا يثير الضحك أساساً، وقد تناوله أكثر من سينمائي في الماضي على النمط الدرامي البحت بهدف قرع جرس الإنذار إذا لم يغير المرء سلوكه. أما سيريل ديون الذي ساهم في تنفيذ الفيلم إلى جوار لوران فهو يترأس منظمة غير حكومية لحماية البيئة بالمشاركة مع بيار رابحي. عشية نزول فيلم «غداً» إلى صالات العرض مع انعقاد المؤتمر الدولي حول المناخ في باريس، التقت «الحياة» لوران وحاورتها. ما الذي دفعك إلى إخراج فيلم تسجيلي؟ - إنها سلسلة من الظروف توالت في شكل غريب منذ العام 2011 وجعلتني في النهاية أقرر خوض تجربة تنفيذ هذا المشروع السينمائي التسجيلي الذي لا يشبه غيره. لقد كنت في ذلك الوقت مشغولة بتحضير سيناريو فيلمي الروائي «تنفس»، وشاء القدر أن أجتمع أثناء عشاء في بيت الراحلة دانيال ميتران (أرملة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران) ببيار رابحي وهو من أشد المدافعين عن البيئة، وفي خلال المحادثة بيني وبينه ورد اسم سيريل ديون مرات عدة نظراً الى كونه يترأس منظمة غير حكومية للدفاع عن البيئة، كما أنه يأمل في تنفيذ مشروع سينمائي عن هذا الموضوع لكنه لا يملك الإمكانات لذلك. وهكذا اتصل بي ديون بعد بضعة أشهر والتقينا في باريس وأطلعني على رغبته بتحويل نشاط منظمته غير الحكومية إلى فيلم تسجيلي مبني حول توقعات خبراء بيئيين في شأن اختفاء جزء من البشرية قبل حلول العام 2100، والمحاولات الممكنة من أجل تفادي وقوع مثل هذا الحدث المؤلم. وهنا قررت تولي الناحية السينمائية من المشروع؟ - لم يحدث الأمر بمثل هذه السهولة، إذ إنني كنت مشغولة بالتمثيل في فيلمين، ثم بتحضير فيلمي «تنفّس»، اضافة الى أنني عشت فترة حَمَل حدت من إمكانية إنشغالي بنشاطات مرهقة. ولكن الذي حدث بالتأكيد هو حماستي لمشروع ديون وشعوري برغبة شديدة للمشاركة فيه بطريقة أو بأخرى. وهكذا اتفقنا على ان أتولى اخراج الفيلم. كيف تم العثور على هؤلاء الأشخاص الذين يجربون الوسائل الجديدة في الزراعة مثلاً وفي عمليات تجديد الطاقة، وهم يظهرون في الفيلم ويفسرون أوجه نشاطهم؟ - هذه كانت مهمة ديون بواسطة منظمته، ونحن شكلنا فريقاً صغيراً من أربعة أشخاص وسافرنا إلى 10 بلدان من أجل لقاء أشخاص وعائلات وأصحاب مؤسسات وجمعيات، وتركناهم يشرحون لنا أمام الكاميرا ما الذي يمكن فعله من أجل تحويل التوقعات السلبية جداً عن مستقبل البشرية إلى توقعات إيجابية. صحيح أنهم في الفيلم يفسرون الأمور بأسلوب منطقي جداً وبالتالي متفائل جداً، لكن هؤلاء يشكلون أقلية، فكيف يمكن الاعتماد عليهم لتغيير مستقبل البشرية؟ - سؤالك في غاية الأهمية، إذ لا يتسنى الاعتماد عليهم وحدهم بل علينا جميعاً، عن طريق تطبيق حركات بسيطة في الحياة اليومية، كل في مجاله. أنها عملية إنقاذ جماعية وليست مسؤولية فئة من الأشخاص هنا وهناك. ونحن لم نصوّر كل الذين يمارسون النشاطات التي تستطيع تغيير بعض الأمور، وطفنا 10 بلدان على أساس أنها كافية حتى يظهر عنصر التكامل بوضوح بين ما يفعله الناس في أربع جهات الكون. وهناك الآلاف غيرهم بطبيعة الحال، غير أننا نأمل في أن تتشكل سلسلة لا أول لها ولا آخر من البشر تسعى في اتجاه واحد هو تحسين وضع البشرية بسرعة. أنت إذاً تعتبرين فيلم «غداً» بمثابة عمل إنساني يمكنه أن يغير مصيرنا في المستقبل؟ - لا أبداً، أنا لا أؤمن بقدرة السينما على تغيير مستقبل البشرية بقدر ما أعلم أنها تقدر على التوعية إلى حد ما. وما أردته مع ديون هو تقديم الواقع أو على الأقل واقع معين يسلط الضوء على كون التغيير هو ملك لنا كبشر وليس عبارة عن وهم أو شيء يسيطر عليه أصحاب السلطة دون غيرهم. يتضمن فيلم «غداً» أكثر من لقطة مرحة، فلماذا اللجوء إلى الكوميديا في تناول موضوع على درجة كبيرة جداً من الجدية؟ - لسبب بسيط يتلخص في كون كل الأفلام التسجيلية التي تتكلم عن الأخطار التي تواجهنا، تفعل ذلك معتمدة على الدراما من أجل أن يدرك المتفرج أهمية المصائب التي تنتظره. وقد رأيت شخصياً أن سرد الأحداث الجادة من طريق تلوينها بالفكاهة هو عنصر يدخل البهجة إلى القلوب وبالتالي يسمح بالتفاؤل في شأن المستقبل، لكن بشروط محددة. لقد أطلقت على الفيلم اسم «غداً»، والشيء الذي لا أتمناه اطلاقاً هو أن يغادر المتفرج صالة السينما معتقداً أن غدنا أسود. غرس أشجار هل كان من السهل العثور على شركة منتجة لتمويل هذا المشروع السينمائي؟ - لا، لأن الفيلم التسجيلي عادة لا يشكل عملية مربحة تجارياً، لذا قررنا اللجوء إلى التمويل الجماعي بواسطة موقع «كيس ميس»، حيث فسرنا تفاصيل المشروع وأعلنا عن حاجتنا إلى موازنة تبلغ 200 ألف يورو لتغطية المصاريف وتنفيذ الفيلم في شكل لائق. وماذا قدمتم للمتبرعين لقاء كرمهم؟ - إمكانية مشاهدة الفيلم في عرض خاص وذكر اسم كل منهم على قائمة الختام، إلى جانب أسماء الأشخاص المشاركين فيه فعلاً. لكن الذي حدث هو تنازل كل الذين ساهموا في الفيلم عن معظم العروض المطروحة عليهم لقاء قيامنا بغرس أشجار مثلاً في مناطق معينة، وبالتالي فعل شيء لمصلحة البيئة. وهل حصلتم على المبلغ المطلوب؟ - حصلنا على مبلغ 400 ألف يورو، أي ضعف المطلوب، في خلال 48 ساعة، وهذا أمر استثنائي في شأن فيلم تسجيلي، ويدل على مدى تضامن الناس حول مثل هذا الموضوع الحساس. هل تنوين الإستمرار في إخراج الأفلام التسجيلية؟ - لا، أنها تجربة فريدة من نوعها لمجرد أن الموضوع مسّني عن قرب، وقد عدت من بعده إلى نشاطي كممثلة ومخرجة أفلام خيالية. هل تأملين الكثير من مؤتمر المناخ المنعقد في باريس في الوقت نفسه لظهور فيلمك في الصالات؟ - أنا مرغمة على ذلك، إذا أردت أن أبقى متفائلة في شأن مستقبل أولادي.