بقدر ما احتد الجدل بين الأحزاب السياسية الفرنسية في الأيام الأخيرة حول احداث الشغب التي حصلت في ضواحي العاصمة الفرنسية وبدأت عدواها تنتقل إلى ضواحي مدن أخرى بقدر ما تباينت التصريحات والمواقف بشأن العناصر التي تقف وراءها، واذا كانت التحقيقات مع الأشخاص الذين أوقفوا واتهموا بالضلوع في هذه الأحداث لم تؤد حتى الآن إلى أي نتيجة بشأن الأطراف التي تقف وراء مثل هذه الأحداث فإن هنالك اليوم ثلاثة آراء حولها يرى أحدها أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والعزلة التي يعيشها سكان الضواحي وبخاصة من العرب والمسلمين هي التي دفعت بشبان الضواحي إلى الثورة على أوضاعهم المزرية، ويرى طرف آخر أن عناصر قد تكون منتمية إلى المجموعات الإسلامية المتطرفة هي التي تحرك على الأقل أحداث الشغب التي اندلعت قبل ايام في ضاحية كليشيه الواقعة في ضاحية باريس الشمالية واما الطرح الثالث فهو يدعو اليوم لاتخاذ موقف حذر ومتأن في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات العدلية. أما الذين يرون أن اندلاع موجة العنف الجديدة التي تطال الضواحي الفرنسية فانهم يقولون إن مقتل شابين في ضاحية كليشيه قبل ايام بعد ان صعقهما التيار الكهربائي هو العنصر الأساسي الذي حمل شبان الضواحي الى الاقدام على إحراق مئات السيارات والدخول في مواجهات مع قوات الأمن. ويضيف هؤلاء فيقولون إن شهود عيان من الشرطة نفسها تؤكد أن عناصر من الأمن رأت الشابين وهما يدخلان محلا يؤوي محولا كهربائيا ولكنها لم تحرك ساكنا ولم تتدخل لمنعهما من الدخول، ويعتبر كثير من رؤساء الجمعيات التي تعنى بشباب الضواحي الفقيرة المحيطة بالمدن الكبرى الفرنسية ان دوريات الأمن كثيرا ما تستفز شبان الضواحي وتحملهم على الرد بعنف احيانا على مثل هذا السلوك وتشاطر الأحزاب السياسية اليسارية هذه الرؤية وتقول إن احداث الشغب الحالية التي تشهدها فرنسا اليوم ليست الأولى من نوعها فقد حصلت من قبل موجات أخرى من العنف بررتها ظروف الضواحي الصعبة. والواقع أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تعنى بحقوق المهاجرين تشاطر هذا الموقف ولكنها تعتبر أن اليسار واليمين يتحملان مسؤولية تردي أوضاع الضواحي السيئة جدا منذ ثلاثين عاما، ومن ثم فإنها تفند الطرح الذي يقول أصحابه ان هنالك عناصر مرتبطة بمجموعات إسلامية متطرفة هي التي تقف وراء الأحداث الحالية أو على الأقل تحركها من بعيد، ومن دعاة هذا الطرح نيكولا سركوزي وزير الداخلية الذي قال في حديث تلفزيوني «ان ما حصل في ضاحية باريس الشمالية لم يكن عفوياً باي حال من الأحوال بل إنه كان منظما أيما تنظيم، ونحن بصدد البحث عن الأطراف التي تقف وراء ذلك وعن الطريقة التي أعد من خلالها لإحداث الشغب. أما إيريك راوول أحد الوزراء السابقين والنائب اليميني الحالي في ضاحية «سين سان دونيه» التي طالتها أحداث الشغب فانه قال بدوره انه سمع سكانا يعزون الى أشخاص متخصصين في الاستفزاز وفي اثارة الشغب الوقوف وراء ما يجري.من جهة أخرى أكد أحد ضباط الشرطة الفرنسية ويدعى برونو بشيزا ويشغل نائب نقابة يمينية التوجه في سلك الشرطة أن «إسلاميين متطرفين معروفين» تعرفهم أجهزة المخابرات قد انتهزوا احداث الشغب الأخيرة ليصبوا الزيت على النار، وأكد هذا الضابط ان هناك دوافع ايديولوجية أو مالية هي التي تدفع المجموعات الإسلامية المتطرفة إلى تحريك أحداث الشغب أو الاستفادة منها. ولكن باسكال كليمون وزير العدل فند مساء أمس الإشاعات التي تقول بأن وراء أحداث الشغب مجموعات إسلامية متطرفة وقال إنه لابد من التريث قبل إطلاق مثل هذه الإشاعات. من ناحية اخرى وجه امس الاول والدا المراهقين اللذين قتلا في محول كهربائي يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي في ضاحية كليشي الباريسية نداء الى سكان الضواحي وبخاصة الشبان ودعوهم الى الهدوء. وطالبا باجراء تحقيق شفاف في الظروف التي ادت الى هلاك ابنيهما ويدعيان زياد وبونا. وكان شهود عيان قد افادوا ان المراهقين ماتا بصعقة كهربائية بعد ان كانا يعتقدان ان الشرطة تلاحقهما وهو ما نفته اجهزة الامن. كما طالب ابوا المراهقين اللذين قضيا يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي السلطات الفرنسية بفتح تحقيق في الملابسات التي ادت الى رمي قنابل مسيلة للدموع من قبل الشرطة في أحد المساجد في ضاحية كليشي. وقد اكدت الحكومة الفرنسية امس ان عملية رمي القنبلة في المسجد قبل ايام لم تكن متعمدة. من جهة ثانية استقبل امس الاول دومينيك دوفبلبان رئيس الوزراء الفرنسي دليل بوبكر عميد مسجد باريس الكبير ورئيس مجلس الديانة الفرنسي وطلب اليه التدخل لتهدئة الاوضاع في الضواحي الفرنسية واجمعت تصريحات مختلف المسؤولين الفرنسيين امس على ضرورة التهدئة. ولكن المنظمات التي تعنى بحقوق الانسان وبأوضاع شباب الضواحي الفرنسية اكدت امس ان الحكومة الفرنسية لا تزال تلف وتدور وان الطريق الوحيدة التي من شأنها البدء في حل الازمة انما هو اعلان استراتيجية واضحة المعالم لحل المشاكل الكثيرة المطروحة في ضواحي المدن الفرنسية وفي مقدمتها مشكلتا البطالة والسكن بالاضافة إلى المشاكل الاخرى التي ادت في السنوات الثلاثين الماضية الى سوء الاوضاع المعيشية في الضواحي. وحذرت اصوات كثيرة في اوروبا من مغبة عدم تطويق الازمة بسرعة. وفي هذا الشأن قال رومانو برودي رئيس المفوضية الاوروبية السابق وزعيم المعارضة الايطالية ان انطلاق احداث شغب في ايطاليا وفي بلدان اوروبية اخرى ليس سوى مسألة داعياً الى ضرورة اعتماد استراتيجيات عملية وواضحة للقضاء على جذور هذه الاحداث.