استمرت المعارك أمس على جبهات عدة في سورية، وسط أنباء عن عشرات الغارات التي شنتها طائرات روسية أو تابعة للنظام على محافظات حلب وحماة وحمص (شمال ووسط البلاد)، في وقت تحدث النظام عن «تسوية» يجري الإعداد لها وتتضمن انسحاب المسلحين من حي الوعر وهو آخر الأحياء التي ما زالت في أيدي المعارضة في مدينة حمص «عاصمة الثورة». وتحدث تقرير حقوقي عن مقتل قرابة 500 مدني في غارات جوية منذ بدء روسيا ضرباتها ضد من تسميهم «إرهابيين» في سورية في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي. وأعلن محافظ حمص طلال البرازي لوكالة «فرانس برس» الإثنين أن ممثلين عن الحكومة السورية والفصائل المقاتلة سيعقدون اجتماعاً اليوم برعاية الأممالمتحدة لبحث تسوية تتضمن خروج «المسلحين» من آخر نقاط سيطرتهم في مدينة حمص. وقال البرازي: «يعقد اجتماع يوم غد (الثلثاء) في مكتبي بحضور وفد من حي الوعر وممثلين عن الأممالمتحدة من أجل تثبيت الاتفاقات السابقة» المتعلقة «بتسوية نهائية في حي الوعر». وأوضح انها تتضمن «اخلاء السلاح والمسلحين وعودة مؤسسات الدولة والحياة الطبيعية الى الحي في أقرب وقت ممكن». وحي الوعر الواقع في غرب مدينة حمص، هو آخر الأحياء تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في المدينة، ويتعرض باستمرار لقصف من قوات النظام التي تحاصره بالكامل. وفشلت محاولات سابقة عدة لإرساء هدنة فيه. وتمكنت قوات النظام في أيار (مايو) 2014 من السيطرة على كل أحياء حمص القديمة التي كان يتحصن فيها مقاتلو الفصائل باستثناء هذا الحي الذي يقيم فيه حالياً حوالى 75 الف نسمة مقابل 300 الف قبل بدء النزاع في عام 2011، وفق البرازي. وأفادت لجان التنسيق المحلية في حمص، وهي تجمع لناشطين على الارض، بأن اجتماعاً بين ممثلين عن النظام وآخرين عن الفصائل برعاية الاممالمتحدة قد يعقد خلال ساعات (بين الاثنين والثلثاء) في حمص. وتوقع البرازي التوصل إلى «تسويات نهائية خلال الاسابيع المقبلة» في حال نجاح المفاوضات المستمرة منذ ستة اشهر، على حد قوله. وتسيطر قوات النظام على مجمل محافظة حمص باستثناء بعض المناطق في الريف الشمالي بينها مدينتا الرستن وتلبيسة الواقعتان تحت سيطرة مقاتلي الفصائل، ومدينة تدمر الاثرية الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» منذ 21 ايار. وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان أمس بأن قوات النظام قصفت مدينة تلبيسة بينما نفذت طائرات حربية «عشرات الغارات» على مدينة تدمر ومحيطها بريف حمص الشرقي. إلى ذلك، قال المرصد في تقرير أمس إنه وثّق «استشهاد ومقتل» أكثر من 1500 مواطن مدني ومقاتل وعنصر مسلح في «آلاف الضربات الجوية» التي استهدفت محافظات سورية عدة، منذ بدء الضربات الروسية في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي. وأضاف أن من بين 1502 أحصى المرصد مقتلهم منذ 30 أيلول هناك «485 مواطناً مدنياً من ضمنهم 117 طفلاً دون سن ال 18، و74 مواطنة فوق سن الثامنة عشرة، و294 رجلاً وفتى»، إضافة إلى 419 عنصراً من تنظيم «داعش» و598 مقاتلاً من «الفصائل المقاتلة والإسلامية وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام)». ميدانياً، وفي محافظة حماة، قال المرصد السوري لحقوق الانسان إن اشتباكات عنيفة تدور بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، وتنظيم جند الأقصى وتجمع العزة وفصائل اسلامية ومقاتلة من جهة أخرى في محيط قرية البويضة بريف حماة الشمالي ... كما ارتفع الى 14 عدد الغارات التي نفذتها طائرات حربية يُعتقد بأنها روسية على مناطق في بلدات وقرى مورك واللطامنة ولطمين ولحايا بريف حماة الشمالي». أما وكالة «مسار برس» المعارضة فذكرت، أن عناصر المعارضة «انسحبوا من نقاط الرجم والمقصف وسوكة معان (في حماة) بسبب كثافة القصف من قبل قوات الأسد»، علماً أن المعارضين كانوا قد تقدموا إلى هذه المواقع خلال هجوم نفذوه الأحد قبل ان يضطروا إلى التراجع كما يبدو. وفي محافظة حلب (شمال)، تحدث المرصد عن اشتباكات عنيفة يشدها الريف الجنوبي «بين الفصائل المقاتلة والإسلامية والحزب الإسلامي التركستاني وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) من طرف، وقوات النظام و»حزب الله» اللبناني والمسلحين الموالين من جنسيات سورية وغير سورية من طرف آخر، بالتزامن مع قصف مكثف من قبل قوات النظام على مناطق الاشتباك، ترافق مع تنفيذ طائرات حربية يعتقد بأنها روسية ... ما لا يقل عن 30 غارة على قرى وبلدات خان طومان والمكحلة وخربة الزواري وزمار وبردة وحوير ورسم الصهريج ومريودة بالريف الجنوبي لحلب». وأضاف أن اشتباكات عنيفة تدور أيضاً بين قوات النظام وبين فصائل المعارضة في أطراف حي العامرية بمدينة حلب، في حين «جددت الفصائل المقاتلة والإسلامية قصفها على مناطق في حي الشيخ مقصود الذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب الكردي بمدينة حلب، ما أسفر عن سقوط جرحى». كما تحدث المرصد عن «اشتباكات عنيفة» تدور بين قوات النظام وبين عناصر «داعش» في محيط حيي الحويقة والرشدية بمدينة دير الزور ومحيط مطار دير الزور العسكري (شرق سورية). وفي محافظة الحسكة المجاورة، و أشار المرصد إلى اشتباكات بين «قوات سورية الديموقراطية» وعناصر تنظيم «داعش» في محيط قرى بريف الحسكة الجنوبي والجنوبي الغربي، ترافق مع قصف طائرات تابعة للتحالف الدولي «وسط تقدم لقوات سورية الديموقراطية في المنطقة، ومعلومات عن خسائر بشرية مؤكدة في صفوف الطرفين». وفي محافظة اللاذقية (شمال غربي سورية)، قال المرصد إن عنصراً من قوات النظام قُتل في اشتباكات مع فصائل معارضة بريف اللاذقية الشمالي. وفي محافظة ريف دمشق، قال المرصد إن مقاتلاً من الفصائل الاسلامية قضى باشتباكات مع قوات النظام في الغوطة الشرقية، كما سقطت قذيفة هاون على مدينة دوما بالغوطة الشرقية. الأسلحة الكيماويّة ونفت سورية نفياً «قاطعاً» الاثنين، أن تكون استخدمت أي أسلحة كيماوية، بما في ذلك غاز الكلور، منذ بدء النزاع عام 2011، مؤكدة أمام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، تعاونها التام مع الجهود الجارية لتدمير مخزونها من هذه الأسلحة. وقال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، متحدثاً خلال الاجتماع السنوي للمنظمة في لاهاي: «نودّ هنا أن نؤكد في شكل قاطع، أننا لم نستخدم يوماً غاز الكلور ولا أي مواد كيماوية سامّة خلال أي حوادث أو أي عمليات كانت... منذ اندلاع الأزمة وحتى يومنا هذا». ويأتي تأكيد دمشق هذا فيما يندّد عدد متزايد من الدول، بينها أعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا، بعدم بذل النظام السوري جهوداً كافية لتدمير الاحتياطي من الأسلحة الكيماوية لديه. وقال مندوب الاتحاد الأوروبي ياسيك بيليتشا، أمام ممثلي الدول ال192 في المنظمة: «هناك ارتياب كبير في خصوص موضوع تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية السوري، لا سيما الثغرات والتناقض في التصريحات». وأضاف: «هذا الارتياب يوجِد شكوكاً حول مدى احترام سورية التزاماتها بموجب الاتفاق». وهذه الشكوك «تجعل من المستحيل التصديق أن البرنامج دُمّر بطريقة لا يمكن العودة عنها». وعبّرت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الأسبوع الماضي، عن «قلقها الشديد» إزاء الاستخدام المستمر للأسلحة الكيماوية في سورية، وطلبت إحالة المسؤولين عن ذلك على القضاء.