ما هو المعيار الذي يقاس به النجاح في منشأة خدمية؟ بتحديد أكثر في منشأة صحية للقطاع الخاص، كثرة إنجازاتها الطبية؟ هكذا تفترضون، كثرة الأطباء الزائرون «خطافياً» محلياً وخارجياً؟ ربما، صعوبة الحصول على موعد؟ هكذا يعتقدون، قلة المواقف وكثرة «الصبات» من حولها؟ هكذا يتوهمون، مستوى جمال عيون و«سكسوكات» موظفات وموظفي الاستقبال؟ لم لا؟ كثرة أرباحها المالية برفع أسعارها سنويا؟ هكذا يعمل البعض. تواردت هذه التساؤلات، وأنا أتأمل الوضع في ممرات أحد أغلى المراكز الطبية في الرياض، عندما رافقت مريضاً لإجراء فحوص طبية في مسألة دقيقة، ووجدته دفع مبالغ طائلة جداً، ولم يحصل على الخدمة، فبعد أن أتم إجراءً طبياً معيناً في النهار، أفادوه بإرسال التقرير بعد ساعتين للطبيب المعالج، وأخذ موعداً يعقب الساعتين بثلاث، ولم يجد التقرير، فنزل وطلع حتى وجده في الوحدة المختصة ولم يكلف أحد نفسه العناء بإرساله للطبيب أو الملف. تفاصيل أخرى عاشها المريض ذلك اليوم، ربما لا تعنينا، ما يعنينا قوله بحسرة: «إن هذا المركز كان يمكن أن يكون صرحاً طبياً محترماً يحقق الربحية والصيت معاً، لكنه انساق إلى الشره المالي من دون التنبه إلى المحافظة على القمة التي وصل إليها بثقة المرضى». وموضوع المستشفيات الأهلية يطول وخلاصته أنها لم ترد جميل الحكومة ووزارة الصحة عليها كما يجب أو يفترض لا مادياً، ولا تنموياً، لكن الفكرة التي أنا بصددها هي ثقافة النجاح التي لا يجيد الكثيرون التعامل معها، والاستشهاد يكثر وفي مجالات عدة، فمجرد أن تبدأ الشهرة، وبعبارة أوضح يبدأ الزبائن «المقرشين» يغشون منتجه أو خدمته حتى يبدأ في حرق نجوميته. المعادلة الواضحة لمن عاش من الدنيا «خير» أن هذه المنشآت التي تصل إلى القمة بسرعة تصاب بالغرور أو العظمة، تصم آذانها وتقفل أعينها عن الناس، وفي هذه الأثناء يبدأ الناس في البحث عن البديل، وربما صنعوا البديل، بل ربما صنع بعض منسوبو تلك المنشأة البديل، لينتقل التميز فجأة إلى أخرى، ثم تعيش دورة الحياة «الشهروية» نفسها. في المستشفيات والمدارس الحكومية، وعلى رغم ما يشوب من قصور أو تقصير، تجد تاريخاً لبعضها لا يمكن حجبه أو تجاهله، وتجد للناس معها ذكريات إنجاز، وهذا واجبها بلا شك، لكنه أيضاً واجب من اخذ الرخصة ليقدم ما يقدمونه مجاناً بمقابل يكون احياناً كثيرة مفزعاً لعامة الناس واقتصاد معيشتهم. يمكن لأي منشأة أن تنجح، لكن يصعب على الغالبية منها معرفة صناعة التاريخ الطبي أو التعليمي أو غيره من هذا النجاح، لأنهم لا يقرأون سوى الأرقام، والأرقام تدور. [email protected]