أكدت موسكو أنها ستواصل تزويد النظام السوري ب «كل المساعدات الضرورية لمكافحة الإرهاب»، وحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القيادة التركية من أنها «تنزلق بالبلاد نحو وضع صعب»، معتبراً أن أنقرة «تجاوزت الخطوط الحمراء»، في وقت أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين «وجهاً لوجه» في قمة المناخ في باريس عقب إسقاط القاذفة الروسية. لكن قال إن دعم بوتين للنظام السوري بمثابة «اللعب بالنار». وأجرى لافروف جولة محادثات مطولة مع نظيره السوري وليد المعلم أمس، استهلها بالتأكيد على الأهمية التي توليها موسكو لمواصلة دعم القيادة السورية وتقديم «كل المساعدات الضرورية في حربها على الإرهاب». وقال إن موسكو «ستواصل العمل لتلبية طلب قيادة الجمهورية العربية السورية، تقديم كافة المساعدات الضرورية لدمشق في ملاحقة الإرهابيين والقضاء عليهم. وبالتزامن مع ذلك، نعمل بحسم في إطار المجموعة الدولية لدعم سورية من أجل إطلاق عملية سياسية عادلة وديموقراطية وشاملة يقرر في إطارها السوريون مصير بلادهم بأنفسهم». وزاد إن موسكو تولي «اهتماماً خاصاً للتعاون مع دمشق في المرحلة الراهنة الحساسة جداً». وفي إشارة مباشرة إلى ملف الأزمة الروسية – التركية طلب لافروف من المعلم «نقل الشكر إلى العسكريين السوريين الذين شاركوا في عملية إنقاذ الطيار الروسي الذي نجا في حادث تحطم القاذفة «سوخوي-24» الروسية». وشدد على أن «القيادة التركية تجاوزت الخطوط المسموح بها، وهي تخاطر بأن تقود تركيا إلى وضع صعب جداً، في ما يخص المصالح الوطنية التركية والوضع في المنطقة في شكل عام». ودعا لافروف الجانب السوري إلى اتخاذ إجراءات إضافية لتأمين سلامة البعثة الديبلوماسية الروسية في سورية وضمان أمن المواطنين الروس في البلاد، مشيراً إلى أن السفارة الروسية في دمشق تعرضت قبل أيام لعملية قصف جديدة بقذائف «هاون». من جهته، أعرب المعلم عن شكره للرئيس الروسي على «الجهود التي تبذلها روسيا في مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية». وأشاد بالعمليات العسكرية الروسية معتبراً أن «روسيا نجحت خلال أسابيع في تحقيق إنجازات كبرى بينما فشل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في إحراز تقدم بعد مرور أكثر من عام على عملياته». وأضاف أن الجيش السوري تمكن بفضل الدعم الذي يقدمه سلاح الجو الروسي من إحراز تقدم كبير في محاربة تنظيم «داعش». في غضون ذلك أكد الكرملين أن أردوغان حاول الاتصال هاتفياً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وبعد مرور حوالى 8 ساعات على إسقاط القاذفة الروسية. وقال دميتري بيسكوف الناطق باسم الرئيس الروسي أن أردوغان اتصل هاتفياً بعد مرور 7 أو 8 ساعات على الحادثة وليس قبل ذلك». مضيفاً أنه «تم إبلاغ الرئيس بالاتصال». وأكد بيسكوف أن أردوغان طلب من الجانب الروسي عقد لقاء ثنائي مع بوتين على هامش قمة المناخ العالمية المقررة الاثنين في باريس، مضيفاً أنه تم إبلاغ الرئيس الروسي بهذا الطلب أيضاً. وتطرق بيسكوف إلى تصريحات لأردوغان، حذر فيها من أن أنقرة ستتعامل مع إسقاط أي طائرة حربية تركية باستخدام صواريخ «أس-400» الروسية باعتباره اعتداء عليها يستوجب الرد، مشيراً إلى أن «على أردوغان أن يقوم أولاً أداء سلاح الجو التركي مع الطائرة الروسية». وفي إشارة غير مباشرة إلى نتائج محادثات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع بوتين مساء الخميس أعرب بيسكوف عن «الأسف لعدم استعداد شركاء روسيا للعمل في إطار تحالف واسع النطاق ضد تنظيم «داعش» الإرهابي»، مشيراً إلى أنه «على رغم ذلك نبقي على أبوابنا مفتوحة... ما زلنا مستعدين وراغبين في التعاون بأي صيغة يقبلها شركاؤنا». وأشاد بتصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن إمكانية مشاركة الجيش النظامي السوري في الجهود المشتركة لمحاربة «داعش»، معتبراً أنها «تدل إلى تعديل مهم في موقف فرنسا من دور دمشق في الأزمة السورية»، مضيفاً أن الجانب الروسي «شدد منذ البداية على أن القوة الفعلية الوحيدة التي يمكن أن تتصدى للتنظيمات الإرهابية المحتلة لمساحات شاسعة من الأراضي السورية، هي القوات المسلحة السورية». وأعلن الكرملين أمس، أن بوتين عقد اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن القومي الروسي خصص لمناقشة تطورات الأزمة مع تركيا، من دون أن تعلن نتائج الاجتماع. ويضم المجلس الذي يتخذ عادة القرارات الحاسمة وزراء الدفاع والخارجية والطوارئ والداخلية ورؤساء أجهزة المخابرات بالإضافة إلى رؤساء الحكومة والديوان الرئاسي ومجلسي الدوما والشيوخ. إلى ذلك، أعلن فيكتور بونداريف قائد سلاح الجو الروسي أن تحليل بيانات وسائل المراقبة الإلكترونية يؤكد أن إسقاط قاذفة «سوخوي-24» كان هجوماً مدبراً، واتهم المقاتلات التركية من طراز «أف-16» بأنها «نصبت كميناً في السماء للقاذفة الروسية». في المقابل، قال أردوغان: «أرغب في لقاء بوتين وجهاً لوجه لإجراء محادثات في باريس»، بعد أيام من الاتهامات المتبادلة بين البلدين بسبب إسقاط المقاتلة ما أضر بالعلاقات بينهما. وتقول تركيا إن المقاتلة الروسية دخلت مجالها الجوي وتجاهلت التحذيرات المتعددة، إلا أن روسيا تؤكد أن طائرتها لم تتجاوز الحدود واتهمت أنقرة ب»الاستفزاز المتعمد». وقال أردوغان إن الحادث جاء نتيجة «رد فعل تلقائي لانتهاك المجال الجوي (...) وتركيا لم تسقط المقاتلة الروسية عمداً». ووصف انتقادات بوتين لأنقرة بسبب الحادث بأنها «غير مقبولة». وأضاف: «روسيا ملزمة بإثبات ادعاءاتها وإلا فإنها ستعتبر كاذبة بسبب هذه الاتهامات الخطيرة وغير المنصفة التي توجهها لتركيا». وقال إن هذه ليست أول مرة تنتهك فيها المقاتلات الروسية الأجواء التركية وأنه حذر بوتين من إمكانية وقوع «حوادث بشعة» بعد عمليتي توغل في تشرين الأول (أكتوبر). وهاجم أردوغان كذلك سياسة روسيا في شأن سورية بعد أن أطلقت موسكو حملتها الجوية في أيلول (سبتمبر)، متهماً الكرملين بمساندة نظام «القاتل» الرئيس السوري بشار الأسد. وقال إن الغارات الجوية الروسية لم تستهدف تنظيم «داعش». وأضاف: «نحن لسنا غافلين عن مكر روسيا (...) التي تستخدم حادث الطائرة كمبرر» لدعم نظام الأسد. وقال إن دعم النظام السوري بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب التي أسفرت عن مقتل 250 ألف شخص يشبه «اللعب بالنار». كما انتقد روسيا على اتهامها تركيا بشراء النفط من تنظيم «داعش». وقال «يجب أن تعلموا أن أخلاقنا لا تسمح لنا بشراء النفط من منظمة إرهابية (...) تركيا تشتري النفط من روسيا». ووصف أردوغان محاولات الربط بين بلاده وبين متطرفي «داعش» بأنه بمثابة «قلة احترام» لتركيا. محادثات هولاند في باريس، قال فابيوس إنه يمكن الاستعانة بالقوات الموالية للأسد في محاربة تنظيم «داعش»، لكن في إطار انتقال لا يشمل الأسد. وأضاف فابيوس لراديو «آر تي أل» أمس: «القوات على الأرض لا يمكن أن تكون من قواتنا لكن (من الممكن) أن يكون هناك جنود سوريون من الجيش السوري الحر ومن دول عربية سنية... ومن قوات النظام... ولم لا؟» ولم يحدد فابيوس ما إذا كان المقصود الاستعانة بها على الفور أو في الأجل الطويل. وقال مسؤول مقرب من فابيوس في محاولة لتوضيح تصريحاته إنه كان يؤكد موقف فرنسا المعلن منذ فترة طويلة باستحالة التعاون مع القوات الحكومية السورية في محاربة «داعش» إلى أن تتشكل حكومة وحدة وطنية. وقال المسؤول: «هذا يمكن أن يحصل فقط في إطار انتقال سياسي وفابيوس يؤكد أن الانتقال ملح ولا غنى عنه». وأضاف: «إذا أردنا التحرك من أجل سورية حرة وموحدة فلا يمكن له (الأسد) وهو المسؤول عن مقتل 300 ألف شخص وتشريد الملايين أن يقود ذلك... لا يمكن أن يمثل الأسد مستقبل هذا الشعب.» وكان فابيوس قال إن بوتين طلب من الرئيس فرانسوا هولاند مساء أول من أمس وضع خريطة لأماكن تواجد الجماعات التي تحارب متشددي تنظيم «داعش» في سورية حتى لا تقصفها الطائرات الروسية. واتفق بوتين مع هولاند خلال محادثات في موسكو أمس الخميس على تبادل المعلومات عن «داعش» وجماعات المعارضة المسلحة الأخرى لتحسين فعالية حملتي القصف الجوي اللتين تنفذهما الدولتان في سورية.